الأديب الراحل حسين باصديق
د/ زينب حزام يقع الزمن القصصي عند حسين باصديق بين الأربعينات والسبعينات من القرن الماضي أي في زمن نهوض وطني وقومي.وكان الطبيعي للقاص حسين باصديق أن يواكب هذا النهوض. وأن يحمل أدبه القصصي صدق معارك الوطن ضد أعدائه، وأن يحرص على ضرورة نهوض المجتمع ومساواة المرأة في الحقوق والواجبات نحو بناء مستقبل متطورة .من يقرأ قصص حسين باصديق يجد أن نصفه على الأقل موهوب لوطنه العربي.وأن المبدع لا ينقل الواقع المعاصر ولا التاريخي، وإنما يختار بعضاً من مكوناته ويعمد إلى الإضافة والحذف حتى يخرج من طبيعة الخبر ويدخل دنيا القصة ويرتفع الخيال إنه أفق أعلى عندما يكسر المألوف ويقدم ما هو خارق للطاقة الإنسانية، وتتشكل عندئذ علاقات أخرى بين الشخصيات ونتابع الأحداث هنا نلحظ دورة البحث عن سبيل التعبير في أزمنة الأدب السردي العربي فقديماً كانت النصوص واقعية سواء تلك الموروثة في الذاكرة الشعبية اوما يؤلفه الكتاب او تلك التي لم تعرف لكاتب محدد.وكذلك هي التي تمزج الكاتب الراحل اليمني حسين باصديق بالواقعي .. ومع تطور الأدب القصصي الفني الحديث فصل بين الأنواع ولم يعد مقبولاً التدخل واندماج السحر البعيد مع الأحداث الواقعية. ثم عاد يتعاظم محدداً الميل الى كسر الحاجز بين العوالم بعد ان غدا الحاضر الإنساني عاجزاً في أوقات الاستجابة لأحلام تنتصر على الألم والبؤس، وتطلب الحرية التي أضاعوا ألوانها فغدت مكتسبة لا يعرف طريقها؟!هنا يحتاج الموقف الى إيضاح حضور الكاتب حسين باصديق في مجموعته القصصية الأولى التي حملت اسم (الإبحار على متن حسناء) 1989م.أقبل الصباح ضاحكاً . ارتسمت في وجه مقبل بسمات من نور ذلك الصباح لم يشعر بها هو نفسه ولم يحس بوطأتها من التقى به من الأصدقاء لم يعرف انه يبتسم ام يكشر كعادته .. لعل وجهه صمم لكي لا يعطي أية دلالة على الفرح. تجاعيد كثيرة لاصقة في ذلك الوجه المعفر منذ زمن بعيد، أهل القرية الفوا منه شراسة لا تطاق.إذا غضب زادت التجاعيد وأرهبت الرجال عدا النساء اللواتي يتعاملن معه او الأطفال الذين يقابلونه. دخل ذات مرة مزرعته الصغيرة، الواقعة خارج حدود القرية. المزرعة الصغيرة غير مسورة ولكن في حدها الشمالي جداراً صغيراً من الحجارة مكسوة بشبك طويل يمنع الحجارة من التدحرج والتسرب يسمى المزارعون ذلك (بالمصرف) .. وفائدة المصرف عند المزارعين عظيمة .. انه يمنعة المياه الجارفة والسيول من أن تجرف معها، عند نزولها، مزارعهم فتخسف بهم وبزراعتهم. لقد بذل مقبل ومعه عدد لايستهان به من العمال المزارعين والعاملات وكذا معه أهله وأبناؤه لبناء هذا المصرف فعليه الاعتماد في زراعتهم ونجاح إصلاح مزرعتهم.إذا دخل مقبل مزرعته فإنه لا يثير أي شيء يدل على وجوده فهو يريد ان يشاهد العمال يشتغلون في المزرعة ويعرف إنهم يهابونه .. والويل لمن يكتشفه يلهو ويلعب خلال أوقات العمل اغلب عماله من النساء العاملات لأنهن أكثر إذعاناً من غيرهن .. وهو قفلما يوظف رجالاً يعملون مع النساء العاملات في مزرعته الا إذا كان من أبنائه أو قريباً له .. إنه على الأقل يستطيع ضبطهم والسيطرة عليهم ولكنه لا يخشى الا الآخرين الذين لا يمكن بأي حال ان يفعل معهم أي شيء وكل ما يخشاه هو ان يتورط مع الآخرين فيدخل معهم في نزاعات نقابية كما يفعلون مع الحاج عبده والشيخ هزاع وغيرهما .. يكفيه ما يلاقيه أولئك ويسره أن يرى ابن مسعد في العمل .نص مركب ومفتوح يوحي المؤلف في قصة (الإبحار على متن حسناء) أنه يبدأ عملاً مفتوحاً يشكل شخصياته وأحداثه أمامنا. ويعقب في الختام بتعليقات من بعض الذين شاركوا في بطولات أحداث القصة.وقصة ( الإبحار على متن حسناء) يمكن تحويلها إلى على عمل درامي. فهي تمثل الواقع اليمني ومعاناة المرأة اليمنية البسيطة.ويبرز المؤلف الراحل حسين باصديق في قصته هذه ثلاثة هم محور الحدث والعلاقات ومن خلال الشبكة التي ينصها السارد تتبين السمات النفسية والخطوط التي تتحرك بينها، ونرقب تلاقيها او احتمالات وقوع مصادمات بين أبطالها فهي تبرز الحالات النفسية لابطالها، والآخر فكري إجتماعي بين استغلال القوى العاملة ومنها المرأة المنتجة في المجتمع الحديث.قصة الإبحار على متن حسناء من تأليف الكاتب الراحل حسين باصديق وطباعة دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1989م.وفي قصة الابحار على متن حسناء قدم الكاتب الراحل حسين باصديق افكاره النقدية والإجتماعية ووضع قضية المرأة اليمنية في المجتمع وضرورة مساواتها في الحقوق والواجبات لبناء المجتمع السليم. وكما يجد القارئ ان اللغة العربية عند المؤلف لهذه القصة تطغى على المضمون احياناً، ولكن عباراته الرشيقة، محببة، اعطت القصة مضموناً جمالياً للقارئ والمتعة القصصية، والأحداث الشقيقة للقصة، ليقدم لنا القاص حسين باصديق راياً او ليناقش فكرة فنية او انه يتبادل والقراء الجدل ويطرح عليهم المسار الذي اختاره لقصته، لأنهم في رأيه شركاء في العمل الأدبي، وقد يعرض الوصف على القراء في بعض الحالات من غير تفصيل، إذ ليس من الذوق ـ كما يعتقد ولا من الرعاية ان يستأثر به دونهم!