توقيع المصالحة الفلسطينية الذي تم في نهاية الأسبوع الماضي في غزة بين حركتي حماس وفتح جعل الكثير من المراقبين للشأن الفلسطيني يشعرون بالدهشة والاستغراب في أن يتم مثل هذا الاتفاق بهذه السرعة وبدون أن ترعاه جهة أخرى كما كان يحدث في الاتفاقيات السابقة التي تمت بينهما في عدد من العواصم العربية وتعزز هذه الدهشة وذلك الاستغراب إذا ما أضفنا إلى ذلك أن الحركتين كلتيهما كانتا إلى وقت قريب ينتقد كل منهما الأخرى على لسان مسئوليهما الكبار للسياسة التي تتبعها في التعاطي مع القضية الفلسطينية . وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق والمصالحة التي جرت مؤخراً في غزة بين أكبر حركتين فلسطينيتين هما حركتا حماس وفتح قد خلقت ارتياحا واسعاً على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي ومناصري حركات التحرر في العالم ، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل ستصمد هذه المصالحة أمام بعض التباينات في المواقف بين الحركتين وكذلك أمام بعض الضغوط الخارجية التي أبدت انزعاجا شديداً من لحمة الفلسطينيين وتوحدهم كضرورة وطنية وهذا ما بدا واضحاً في إطار الردود الأميركية والإسرائيلية ومن يرى له مصلحة في تمزيق الفلسطينيين واستمرار انقسامهم وخلق العداوات بينهم ليسهل بالتالي فرض الإملاءات الصهيونية عليهم وضياع حقوقهم؟!فإذا كانت هذه المصالحة مجرد نزوة عابرة ومناورة سياسية لخلط الأوراق وتغيير المواقف فإنها لن تصمد كثيراً بل ستنتهي إلى الفشل الذي صارت إليه اتفاقات المصالحة السابقة ، أما إذا استندت هذه المصالحة إلى تغليب المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وإدراك طرفيها أنهما لا يختلفان في الأهداف وأن ما يجمع بينهما من القواسم المشتركة أكثر من قواسم الفرقة والعداوة فإنهما عند ذلك لا بد أن يلتقيا في المنطقة المشتركة التي تجمع بينهما ومن هذه الأرضية لابد أن تضع الحركتان خطة إستراتيجية شاملة للتعامل مع القضية الفلسطينية وبحيث لا تلغي هذه الإستراتيجية خياراً من خيارات المقاومة والتصدي للاحتلال الإسرائيلي البغيض سواء منها ما يتعلق بجانب التفاوض المجدي وليس العبثي لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع من خلال التوسع الاستيطاني وتغيير المعالم وطمس الهوية وتهديد المقدسات أو ما يتعلق بجانب المقاومة التي كفلتها الشرائع السماوية والقوانين الدولية وحقوق الإنسان كما لا بد أن تتضمن تلك الإستراتيجية الأسلوب الأمثل للتعامل مع المشهد الفلسطيني من جوانبه المختلفة السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية وتعزيز مداميك هذه المصالحة الوطنية بين أكبر حركتين على الساحة الفلسطينية اللتين يشكل الاتفاق والتوافق بينهما بصورة دائمة وراسخة أكبر ضمان لنجاح القضية الفلسطينية وانتصارها على المستوى الداخلي والخارجي ، وفي هذا الإطار لا بد أن يدرك القادة الفلسطينيون حقيقتين مهمتين وأن يضعوهما في الاعتبار وهم يسيرون على درب المصالحة الحقيقية .الحقيقة الأولى: أن الشعب الفلسطيني قد قال كلمته في الانتخابات التشريعية التي جرت في ربيع عام 2006م والتي اعتبرت من أنزه الانتخابات التي جرت في الشرق الأوسط وشهد لها العالم بالنزاهة والشفافية والتي اختار من خلالها الشعب الفلسطيني ممثليه في المجلس التشريعي الفلسطيني على أساس برنامج المقاومة مما يحتم على القادة الفلسطينيين أن يحترموا هذه الإرادة الشعبية وأن يضعوها في الاعتبار وهو ما تقتضيه مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد.الحقيقة الثانية: أن الوحدة الوطنية هي السياج القوي والحصن الحصين والحاضن الأمين للقضية الفلسطينية وإكسابها البعد الوطني والعربي والإسلامي والدولي الذي تستحقه وتتحطم في مواجهتها مؤامرة الأعداء وعلى رأسهم الاحتلال الصهيوني الذي يعمل كل ما في وسعه لتمزيق اللحمة الفلسطينية وتعزيز عوامل للتمزق والانقسام بين قوى الثورة الفلسطينية وحركاتها المختلفة ليسهل له بالتالي فرض شروطه والاستمرار في زرع المستوطنات الصهيونية في ما تبقى من الأرض الفلسطينية ، بالإضافة إلى أنشطته الممنهجة لتغيير معالم القدس والأقصى وتهويدها وطمس الهوية الوطنية والعربية والإسلامية ولذلك لابد للفلسطينيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم أن يحتموا بالوحدة الوطنية وأن يعضوا عليها بالنواجد قبل أن تتفرق بهم السبل وتذهب ريحهم وتسلب حقوقهم.وأخيراً فإن الأيام القليلة المقبلة ستظهر مدى صدق المصالحة الفلسطينية التي تمت مؤخراً في غزة بين فتح وحماس وسنعرف أن كان الفلسطينيون قد استفادوا من تجارب الانقسامات المريرة التي فرطت في حقوق الشعب الفلسطيني ، أو أن تكون مجرد مصالحة هشة لا قيمة لها وعند ذلك نستطيع القول: على نفسها جنت براقش!! وكان الله في عون الشعب الفلسطيني.
أخبار متعلقة