في ذكرى ميلاد الموسيقار
كتبت/ دنيا هاني عازف على وتر القلب ومالك لإحساس الكلمة وصاحب التوليفة الرائعة (من كل قلبي أحبك يا بلادي يا يمن إلى صدفة التقينا بلا ميعاد وكلما تخطر ببالي ومن غصب عني ويا حلو طال البعاد إلى في جفونك تهجر وتناساني ومن أجيت الليل تسألني واللي نسانا وياحبيبي طال غيابك إلى الأطلال وياعيباه)..في الكتابة عنه تخذلنا الكلمات وتظل عاجزة عن التعبير عما يختلج في دواخلنا حول كلماته أو ألحانه الرائعة أو حتى كشخصه الذي يمتدحه الكثيرون.. فحين يدندن بالكلمة يرسم على رخام الإبداع لحناً يطرب السامعين زيزفون ينتفض بصوته وشغف يلهب عشاق كلماته التواقين لسماع أغانيه الجميلة..واحد وعشرون عاماً على رحيله لا يسع فيها إلا أن يتوقف القلم وتتكلم الروح ويشتعل الاحساس (عدن) عشق وحلم وحياة وثغر اليمن الباسم تغنى بها كبار الفنانين وتخرج منها عمالقة من الفن والشعر واللحن ومن بينهم الموسيقار والملحن الكبير أحمد بن أحمد قاسم أحد أبرز الفنانين في تاريخ الأغنية اليمنية، الذي كان ميلاده في الحادي عشر من مارس من عام 1938م ورحل عن سماء عدن والوطن في الأول من إبريل عام 1993م. بين الفن والرياضة عشق لا ينتهيكأي طفل وفي عمر ثمانية اعوام كان يهوى الانطلاق في الركض والقفز وفي ألعاب الحارة مع اقرانه بتنوعاتها العصرية والمسائية الا أن لكرة القدم الأفضلية في ألعابه فقد لعب كرة الشراب منذ ذلك العمر مع أبناء حارته.. بعد أن يصنعوا كرتهم بأنفسهم من بقايا القماش والجوارب القديمة لتكسبها مرونة الارتداد من على الارض.. ثم تطورت ممارستهم لها بلعبهم بكرات مطاطية صغيرة معروفة وقتها بـ (أبو جلدين).. ولصغر حجم هذه الكرة فقد عانوا كثيراً من اصطدام أقدامهم بالأرض والأحجار الصغيرة التي كانت تسبب لهم بعض المتاعب بسبب الإصابات في أطراف أصابع أقدامهم.. إذ كانوا يلعبون آنذاك حفاة. فبدأ من بعد ذلك مع اقرانه بنوع من الجدية من بعد تفكير في تحويل نشاطهم الكروي الى عمل منظم.. ففكروا بتأسيس ناد رياضي ليمارسوا من خلاله هواياتهم وعلى رأسها كرة القدم .. فما كذبوا خبراً.. فاسموا ناديهم ( نادي النجم الثاقب الرياضي ) وجعلوا من لون قميصهم اللون الأصفر وفي واجهته نجمة.. وبدأ فريقهم الذي كان من قيادة اداراته الموسيقار أحمد قاسم.. وبدأ الفريق يشق طريقه ويخوض مبارياته مع فرق مماثلة أخرى ومن حواري أخرى.. حيث بدأ لاعباً في خط الدفاع ثم انتقل إلى الجناح الأيسر.ومن بين مايذكره الموسيقار عن ذلك العهد إنه كان معجباً جداً بلاعب نادي الحسين الرياضي الكابتن (سعيد مسكينة) الذي اشتهر برد الكرات برأسه.ولما كان منزل الموسيقار في طرف (حارة العجائز) وهي الحارة المتقاربة مع (حارة القاضي ) التي يقع فيها (النادي الأهلي) المعروف بـ (الناشنال) فقد كان دائم الذهاب اليه ليستمع الى الفنان سرحان القادم من لحج الخضيرة ليحيي فيه بعض الأمسيات الذي كان يعزف على آلة العود فيشجي أعضاء ومشجعي النادي باعذب الألحان اللحجية.. وفي ذلك الوقت بدأ حبه للفن وللموسيقى يظهر جلياً .. فشده ذلك الى التردد كثيراً على النادي حتى استقر به عضواً ولاعباً.ومن ذكرياته عن الرياضة يقول : «صحيح أنني تركت كرة القدم التي كنت أمارسها إلى جانب الركض ـ الجري ـ والقفز ـ حيث كنت أشارك في السباق الخاص بمدارس الثانوية.. وأحرزت كثيراً من الميداليات وخاصة في سباق 100 ياردة و200 ياردة سباق الميل ( 1760 ياردة ) والوثب العالي والحواجز . فبعد عودتي من القاهرة بدأت العب ( تنس الميدان ) في نادي التنس العدني .. ولقد كان اللاعب المبدع ( عبدالحكيم مكاوي ) هو القدوة لي بما حققه هذا اللاعب من انتصارات على الكثير من اللاعبين الانجليز، ولم استمر طويلاً في لعبة تنس الميدان، بل اتجهت إلى لعبه كرة الطاولة .. ثم تركتها إلى لعبة (البلياردو).وأضاف: لعبة البلياردو أول ما لعبتها في نادي الحسين الرياضي.. وقد دربني على إتقانها الأستاذ حسين مقبل غرامه.. وكنت استمر في تدريباتي حوالي ثماني ساعات يومياً.. وفي لحظة ما تحديت فيها مدربي الاستاذ غرامة الذي يعد من أبرز لاعبي هذه اللعبة في بلادنا وقد وقف الحظ بجانبي يومها وهزمته. كُتبت عن الموسيقار أحمد قاسم جملة من الدراسات وألقيت العديد من المحاضرات والندوات عن تاريخه وفنه الذي بات مذهباً فنياً للحداثة في الموسيقى اليمنية تأخذ به الأجيال التي جاءت من بعد لتدرسه ولتقتدي به.وكان الصندوق العربي للثقافة والفنون بالتعاون مع مؤسسة شركاء المستقبل للتنمية عقدا دورة تدريبية في مجال فنون الموسيقى وجعلا فن الموسيقار أحمد قاسم نموذجاً للحداثة في الموسيقى في عدن خصوصاً اليمن عموماً.تجارب غنائيةوقد عهد الاستاذ الفنان والباحث جابر علي أحمد إعداد ورقة المحاضرة تحت عنوان تجارب غنائية يمنية شملت الأمير أحمد فضل القمندان والشيخ جابر أحمد رزق والموسيقار أحمد قاسم. استعرض فيها ما درسه عن الموسيقار بقوله: «بدأت موهبة أحمد قاسم تتفتح في مدرسة بازرعة عندما كان أحد أعضاء الفرقة الموسيقية التي أسسها الأستاذ يحيى مكي.. الذي تمكن من رعاية الكثير من الموهوبين، ومنهم الفنان أحمد قاسم.. الذي بدأ مع يحيى مكي عازفاً على آلة الايقاع، ثم أصبح قائداً لفرقه بازرعة الموسيقية ويبدو أن من جملة الأشياء التي اثر بها الأستاذ يحيى مكي على تلميذه هي التعلق بالاغاني المصرية لاغير. وعندما دخل أحمد قاسم زمن عقد الخمسينيات من القرن المنصرم. وجد نفسه محاطاً بموجة تقليد الاغاني المصرية فها هي تجربة الندوة الموسيقية العدنية ممثلة في جهود الفنان خليل محمد خليل .. وهاهو الاستاذ يحيى مكي ومن ثم سالم بامدهف.. وياسين فارع.. إلخ .. وكل هؤلاء يسيرون في ركب التعلق بنموذج الأغاني المصرية.ويستمر الحديث عنهعشق فناننا الموسيقى وأحبها كعشقه للبحر والجلوس على شواطئ عدن وتعلم العزف على ألة العود على يد أستاذه الموسيقار يحيى مكي وأصبح عازفاً محترفاً فيه وحقق درجة عالية في السيطرة على أدواته الفنية مكنته من الوقوف في صف متقدم ويحكى عنه بأنه من الذين كانوا يعرفونه جيداً بأنه كان فناناً جميلاً ويحب الأطفال كثيراً وبأنه إنسان محبوب وإجتماعي العشرة يحب السلى وجلسات الطرب (رحمه الله).إلى جانب أنه يعتبر رائد التحديث الموسيقي للأغنية اليمنية المعاصرة فهو أول من أدخل الآلات الموسيقية الحديثة على الأغاني فكان واحداً ممن أسهموا وبشكل كبير في تشكيل ما يسمى بندوة الموسيقى العدنية مع أصدقائه من رواد الأغنية العدنية وهم خليل محمد خليل وسالم أحمد بامدهف ومحمد سعد عبدالله وأبو بكر فارع وياسين فارع والشاعر الراحل الدكتور محمد عبده غانم وحسين بخش وغيرهم من الرواد.وصنف حينها ضمن الدرجة الممتازة للموسيقيين والملحنين اليمنيين لجمعه بين الكلمات والغناء والعزف وتأليف أعذب الألحان وحرصه على التوزيع الفني السليم.سجل بعضاً من اغانيه للإذاعة والتلفزيون في صنعاء وعدن و أخرى في القاهرة والكويت. وسجلت بصوته العديد من الأغنيات لكبار عمالقة الغناء المصري والعربي منهم (فريد الأطرش، أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب).وهو أيضاً مطرب أكاديمي تأثر كثيراً بالفن المصري ودرس الموسيقى في مصر وله الكثير من الأعمال الخالدة وصدرعن دار جامعة عدن للطباعة والنشر كتاب عن فقيد الحركة الفنية اليمنية بعنوان «مشوار عطاء». وتحدث الكتاب عن مشواره الفني والغنائي والأعمال التي أبدعها وتغنى بها وتضمن صوراً وشهادات تقديرية حصل عليها خلال مشوار حياته الفنية التي أسهمت في إثراء الواقع الفني اليمني إضافة إلى كتابات الأصدقاء والمحبين.مجموعة من أجمل أغانيه:-( ياعيباه)انا بنساك وبنسى هواك ولا بنسى الذي سواكتنكر لي وجافاني وذا اللي كنت أنا أخشاهيقول للناس لا شفته ولا أدري به ولا أهواهعجب ينكر ولا يذكر زمان الحب.. ياعيباه[c1] *** [/c](أنا والعذاب)أنا من بداية عمري أنا والعذاب دائماً حبايبإيش جرالك إيش يا دنيا ليش تورينا العجايبإيش أنا سويته لما أستحق منك عذابيذنبي إيش يادنيا قولي ياللي ضيعتي شبابي[c1] *** [/c]ومن أشهر أغنيات أحمد قاسم من كلمات الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان أغنية (على ساحل أبين) المعروفة أيضاً (بصدفة التقينا) ومنها:صدفة التقينا على الساحل ولا في حدصدفة بلا ميعادجمع الهوى قلبينسمعت أبين على الأمواج تتنهدكما حواك الفؤادوالعين تناجي العينوالبحر والرمل والبدر الحبيب يشهدعلى الهوى والودادما بيننا الاثنين[c1] *** [/c](قلبه سأل قلبي)قلبه ســـأل قلبي [c1] *** [/c] وعيونه تلعب بيمن علمك تهوى [c1] *** [/c]وتكثر الشكوىعلشان يزيد حبي!بعيونه يسألنا [c1] *** [/c]يزيد في أشجانيوالنظرة تقتلنا [c1] *** [/c]وتحيينا من ثانيوعاده يسألنامن علمك تهوى [c1] *** [/c]وتكثر الشكوىعلشان يزيد حبي[c1] *** [/c](من كل قلبي أحبك)من كل قلبي أحبك يا بلادي يا يمنوأفديك بروحي ودمي وأولادي يا يمنيا بلادي.. يا بلادي.. يا بلاديمهما أسافر وأغيب عن عيونكبقلبي أحبك بروحي أصونكوأعيش كل وقتي أداعب ظنوني[c1] *** [/c](عذبيني)عذبيني.. فعذابي فيك خير من مماتيأنا حي ليس بالحس ولا بالحركاتأنا حي ليس بالضحك ولا بالعبراتإنما الحي فؤادي..وفؤادي هو ذاتيفيه آمالي وما أهواه من دنيا حياتي.. فيه أنتِويختم الكلمات بقوله:كلما حدثت نفسي حدّثتني عنك نفسيويمر الوقت في همس وفي ترديد همسِأي حديث النفس ما أقساك إذ تبعث يأسيليس باليائس من يصبح بالقرب ويمسي.. منكِ أنتِكانت هذه الأغنية هي التي اختتم بها الفنان أحمد قاسم فيلمه (حبي في القاهرة)..- وقبل أن نختم حديثنا عن الموسيقار الرائع يجب ألا ننسى أنه كانت لديه روائع تغنى بها طوال مراحل حياته الفنية وأثناء فترة عيد الاستقلال (30) من نوفمبر التي غرد فيها بصوته الرائع في أعياد وأمجاد الاستقلال ولحن بعض الأغاني الثورية لبعض الفنانين منها:قصيدة (مزهري الحزين) رائعة من روائع الشاعر لطفي جعفر أمان لحنها وغنـاها الموسيقار احمد قاسم وتقول الكلمات:يا مزهري الحزينمن يرعش الحنين؟إلى ملاعب الصبا.. وحبنا الدفين؟هناك.. حيث رفرفتعلى جناح لهوناأعذب ساعات السنين..يا مزهري الحزينالذكريات.. الذكرياتتعيدني في موكب الأحلام للحياةلنشوة الضياء في مواسم الزهوريستل من شفاهها الرحيق والعطوروبعد هذا كله..في صحوة الحقيقةينتفض الواقع في دقيقةيهزني..يشد أوتاري إلى آباري العميقةيشدها.. يجذب منها ثورتي العريقةويغرق الأوهام من مشاعري الرقيقةويخلق الإنسان مني وثبة وقدرةعواصف.. وثورةهنا.. هناإذ زمجرت رياحنا الحمراءتقتلع القصور من منابت الثراءوتزرع الضياءوتغدق الغذاء.. والكساء.. والدواءعلى الذين آمنوا بأنهم أحياءوخيرة الأحياءفي الحقل..في المصنع..في كل بناء..[c1] *** [/c]- ومن ألحانه الرائعة أيضاً أغنية الاستقلال (بلادي حرة) من كلمات الشاعر الرائع لطفي جعفر أمان التي تقول كلماتها:على أرضنا بعد طول الكفاحتجلى الصباح لأول مرةوطار الفضاء طليقاً رحيباًبأجنحة النور ينساب ثرةوقبلت الشمس سمر الجباهوقد عقدوا النصر من بعد ثورةوغنى لنا مهرجان الزمانبأعياد وحدتنا المستقرةوأقبل يزهو ربيع الخلودوموكب ثورتنا الضخم إثرةتزين إكليله ألف زهرهوينشر من دمنا الحر عطرةويرسم فوق اللواء الحقوقحروفاً تضيء لأول مرة.. بلادي حرة[c1] *** [/c]ولا يمكن أن ننسى بأن الفنانة فتحية الصغيرة أنشدت من ألحان الفنان أحمد قاسم أغنية (شعبنا حقق مناه) التي تقول كلماتها: بعد طول الليل.. والآهة الحزينةبعدما كانت أمانينا دفينةشعبنا حقق مناهمن قمم ردفان مات المستحيلهلت الفرحة على الدرب الطويلشعبنا حقق مناه.. شعبنا عانق هناه..[c1] *** [/c]ولا تزال أنغام فناننا الكبير تلوح بأعذب وأجمل الأغاني والألحان ولها نكهة خاصة لدى كل من يسمعها ويطرب بها حيث أنه يجعل المستمع في حالة نشوة فنية دائمة.