تقوم المجتمعات على أسس وقواعد منظمة لسير الحياة، فعندما تكون هذه الأسس وتلك القواعد قريبة من الصواب يكون سير المجتمع سيراً حسناً أما إذا كانت تلك الأسس وهذه القواعد قريبة من الخطأ فإن المجتمع في هذه الحالة يعيش واقعاً مريراً قريباً من الانحطاط في مختلف مجالات الحياة المتعددة المتنوعة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وتربوياً وأمنياً وعسكرياً...إلخ. بيد أنه كثر اللغط حول العوامل التي تدفع باتجاه تماسك المجتمعات من التصدعات والانقسامات ، ومقومات العزة والرفعة ومخاوف الذل والانحطاط حيث تبدى أن المجتمعات العربية من أقوى المجتمعات تماسكاً ومن أسرعها تصدعاً لقاء العاطفة الدينية التي تحافظ على التماسك ولا تفلح في حماية المجتمعات العربية من التصدع هذا جانب ، والجانب الآخر حساسية خريطة الشرق العربي وما حباها الله من موقع جغرافي هام أغرى بمزيد من التآمر عليها وحبك المؤامرات ضدها كما تحبك السجاد بغية السيطرة غير المباشرة على هذا الموقع الجغرافي الهام وتسخيره لخدمة مصالح الدول ذات النفوذ العالمي إذ لن يتأتى ذلك التسخير في أجواء الوحدة العربية الشاملة ووحدة كل قطر عربي على حدة فلابد من التقسيم والتجزيء بإذكاء روح العصبيات الجاهلية وتقسيم الناس إلى طوائف ما أنزل الله بها من سلطان فلا مانع من التعدد الطائفي إنما المانع يكون في التعصب وتغليب مصلحة الطائفة الضيقة على المصالح الوطنية العليا للبلاد وفي هذا انهزام وتقهقر وتراجع عن وحدة الأمة .إن الطائفية هي السم الزعاف الذي يفتك بالمجتمعات العربية وهي الداء الذي أعاق عملية البناء والتنمية في أغلب الأقطار والأوطان العربية ، فشعوب الأمة العربية عبارة عن طوائف متضاربة متصارعة متناحرة متنافرة في كل قطر عربي على حدة ، حيث تسعى تلك الطوائف إلى السيطرة على السلطة والثروة والحظوة في ظل غياب الوعي الحقيقي المعبر عن تطلعات وغايات الأمة العربية في التقدم والازدهار والتطور ومجافاة بواعث المعاناة اليومية للمواطن العربي بعيداً عن الإرباك الاجتماعي والإسفاف الثقافي ، والتبذل السياسي ، فالطائفية صنيعة الحكام أيضاً جنبا إلى جنب مع المؤامرات الدولية التي تدبر بليل ضد الوجود العربي، فيروى أن بعض الحكام كان لديه وزير ناجح ومخضرم يهين إدارة العملية السياسية للملك بكل براعة وإتقان بما وطد أركان ومداميك تلك الدولة ، فمرض ذلك الوزير وكان على فراش الموت ، فطلب منه الملك أن يرشح له وزيراً محنكاً مثله ، قال له الوزير إن الوزير الجديد هو الذي سيأتي بشوال مليئة بالفئران ،فمات الوزير، وأعلن الملك عن الشرط الجديد للرجل الذي سيخلف الوزير بأن يأتي بشوال مليئة بالفئران ، فتنافس الناس وكانت الفئران تقرض الشوال ، فبعضهم يأتي بفأر واحد وبعضهم بأربعة إلا واحداً جاء بشوال مليء بالفئران، فاستغرب الناس واستغرب الحاضرون جميعاً، فقال لهم عندما كنت أضع فأراً أقوم بهز الشوال فتنشغل الفئران بالصراع فيما بينها ولا تفكر بالخروج من الأزمة المدوية، وهذا هو طبع النظم السياسية العربية وعلاقتها بشعوبها ففي كل قطر عربي شوال يلف أصحاب القطر ويمارس الهز فننشغل بالصراع فيما بيننا عن الخروج من المأزق، والهز هنا هو بلا ريب الطائفية ذلك العدو الذي سيدمر حاله.فالطائفية على هذا النحو عدوً لدود للشعب وهي من مصلحة النظم القمعية الاستبدادية الشمولية التي تغالي في تمزيق الشعب وتفرط في إذلاله وقهره وازدرائه واحتقاره..فيا أيها الشعب اليمني البطل العظيم لا تجعل من الطائفية مطية لإذلالك ومن المذهبية نافذة لاحتقارك فتطوف وتمذهب لكن يجب أن تغلب في الأول والأخير مصلحة الوطن على ما عداها من مصالح ضيقة وأنانية فالوطن يتسع للجميع في ظل تعايش أبنائه على مقت التعصب الجاهلي الأعمى فيروى أن أبا جهل عمرو بن هشام صاح فيه أحدهم لماذا لا تصدقون بالنبي الذي يبعث بين ظهرانيكم يا بني أمية؟ فرد عليه أبو جهل قائلاً: تنازعنا نحن وبنو هاشم الرياسة والمجد فسقوا وسقينا وأطعموا وأطعمنا، وكسوا وكسونا ثم جاؤونا بنبي فمن أين نأتيهم بنبي واللات والعزى لن نؤمن به فنزل قول الله سبحانه وتعالى في محكم الآيات البينات ( إنهم لا يكذبونك ولكن الكافرون بآيات الله يجحدون)، فالقصة قصة نعرات وعصبيات سلالية ومذهبية وعنصرية فأبو جهل ومن لف لفه في القديم والحديث يخسرون الدنيا والآخرة ويرفضون الحق الإلهي لمجرد أن النبي والرسول ليس من عشيرتهم.فيا رجالات اليمن الميامين عودوا إلى صوابكم ورشدكم واتركوها فإنها منتنة، فالتعصب أياً كان شكله ولونه هو دعوة من دعوات الجاهلية الأولى فلا تغضبوا الله وترتكبوا أبشع جرائم الإنسانية في إذكاء روح الطائفية وإيقاد مشاعل المذهبية البغيضة والحزبية المقيتة فكل ذلك من دعوات الجاهلية إذا تعدت الحد المعقول وخرج عن طوره إلى التعصب الشديد الذي يدفع باليمني إلى مقاتلة اليمني بهدف الإرجاف وإذاعة الخوف والهلع والفزع فحقاً أن الطائفية هي السم الزعاف القاتل الذي يفتك بالمجتمعات العربية.. و إلى لقاء يتجدد والله المستعان على ما يصفون.
الطائفية ..السم الذي يفتك بالمجتمعات
أخبار متعلقة