سطور
نحن اليوم مختلفون في كل شيء لأننا لم نبدأ اتصالنا بالحضارة الحديثة إلا منذ عهد قريب (ستين سنة تقريباً) وهذه فترة قصيرة جداً لم نستوعب فيها كنه الحضارة الحديثة استيعاباً كافياً. فما أحوجنا اليوم إلى الأفكار المبدعة التي تستطيع أن تتغور إلى صميم المشكلات التي نعاني منها اليوم لإيجاد طرق الخلاص والنجاة من الأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعاني منها شعبنا والأمة العربية ، واقتراح سبل جديدة تنقذ ثقافتنا وحضارتنا القائمة من الانحدار في مهاوي التردي والانحطاط. والسؤال الذي برز أمامي الآن هو ما هو الفكر المبدع القادر على إنقاذ ثقافتنا من الانهيار والأزمات السياسية؟!! المقصود بالفكر والثقافة هو إعمال الذهن والعقل في الشيء الذي يراد حله أو إدراكه او النظر فيه بتبصر وروية. إما الإبداع فالمقصود به الإجادة في العمل أو إنشاء شيء من غير أن يكون له مثال ، أو هو الوفاء والغاية في كل شيء والبدعة في الرأي أو الدين أو ما يخالف الأفكار الشائعة التقليدية فيهما وقد يسمى الإبداع إذا كان المراد النظر في الأمور والمشاكل من زوايا جديدة يفرغ عليها المبتكر معنى جديداً أو وظيفة جديدة أو الكشف فيها عن أوجه الشبه أو الاختلاف بين الأشياء وظواهر لا يدركها الأشخاص الاعتياديون كما يفيد الابتكار إعادة تنظيم العقل المعرفي في صيغ جديدة تؤدي إلى إدراكها او حل مشكلاتها وإذا اتسم الابتكار بقدر كافٍ من الأصالة بمعيارها الاجتماعي لا الفردي واقترن ظهوره بنوع من الإلهام والإشراق سمي إبداعاً. أي كل شيء مارسه الإنسان أو أنتجه سواء كان عملاً فنياً أو نظرية علمية أو تصميماً لعمارة - قد يمكن اعتباره إنتاجاً مبدعاً إلا انه إذا أراد لها أن تتصف بأنها إبداعات حقيقية ورائعة. فلابد لها أن تنطبق عليها بعض المعايير والمحاكاة و أولى هذه المتطلبات أن تكون جديدة وتمتاز بالأصالة الا أن الأصالة والجدة تحتاجان إلى مواصفات أخرى وذلك لان المرء يتساءل ضمن أي مدى أو إطار فكري أو مدى من الخبرات يعتبر الإنتاج أصيلاً سواء بالنسبة للفرد ذاته أو لجماعة من الناس أو بالنسبة للمجموعة البشرية كلها فكثير مما يمارسه الطفل الصغير وكثير من أفكاره ستكون جديدة عليه وبهذا المعنى فإنها مبدعة إلا أن هذه الأفكار والخبرات لو كانت شائعة عند كل الأطفال لما ظلت أفكاراً ابتكارية بالنسبة للمجتمع الذي يعيش فيه الطفل وشبيه بذلك فان رجلاً يفكر بفكرة جديدة بالنسبة له ومع ذلك فإنها قد تكون من إحدى الأفكار الأكثر شيوعاً في العالم كله وبهذا فان الإبداعية لإحدى المنتجات الفكرية عندما يحكم عليها في حدود الجدة والأصالة وعدم تكرار حدوثها من الناحية الإحصائية إنما هي على الدوام أمر نسبي بالنسبة إلى مجموعة من المنتجات. إذن فإن العمل الإبداعي متكيف مع الحقيقة والواقع أي انه يخدم في حل مشكلة ويفي بحاجة موقف معين وينجز عرضاً وهذا ما يصدق على الفنون التعبيرية كما يصدق على المشروعات العلمية والتقنية على السواء ففي فن الرسم نجد مشكلة الفنان أن يجد التعبير الأكثر ملاءمة من الخبرات الخاصة. وفي الرقص في أن ينقل مزاجاً معيناً بصورة كفؤة وفي الأدب والعلم إلايجانب الذوق الفني الممتاز الذي يلتزم بالقيم والمثل الخالدة أما المطلب الثالث الذي ينبغي للمنتج الابتداعي أن يواجهه ويفي به فهو إعادة التنظيم التبصري الذي ينهض به وينبغي السمو به واتقانه و تطويره ونقله بطرق الاتصال إلى الآخرين وبكلمة أخرى أن المنتج الإبداعي ينبغي الحرص على انجازه وإكماله وتسخيره لمصلحة المجتمع. لذا نجد الإجابة على سؤالنا أن كل ما يقدمه المبدع البارع يجب أن يكون عملاً رائعاً ينال الإعجاب ويحظى بالقبول ويتسم بالصحة والجمال وبالمنزلة الذوقية الرفيعة أو المرتبة الفنية الراقية ليحظى بأكبر قسط من الاهتمام والفائدة والإعجاب فثمة حلول للمشكلات تكون أكثر روعة وأعلى منزلة من حلول أخرى ولابد من أن يتجه الاهتمام إلى توفيرها.