متعددة الدراسات والكتابات ومجالات التوثيق البريطانية المتصلة بتاريخ عدن في تلك الحقب التي عرفت فترة الحكم البريطاني لعدن.فهي على مختلف اتجاهاتها الفكرية تشكل مكتبة عن عدن وبريطانيا، مما يجعل كل المرجعيات المدونة لأحداث المراحل منذ عام 1839م حتى عام 1967م، هي أعوام عدن البريطانية التي أصبحت فيها هذه المدينة من المدن العالمية واستعادة مجدها الاقتصادي والاجتماعي الكوني.[c1]هذا الكتاب [/c]الصادر عن دار جامعة عدن الطبعة الأولى عام 2013م والذي نشر باللغة الإنجليزية عام 1975م هو من تأليف ر. ج . جافن، ترجمة الأستاذ محمد محسن محمد العمري، وكتب المقدمة الأستاذ هشام علي بن علي، يعد من المؤلفات التي تتحدث عن عدن منطلقة من الذاكرة البريطانية لقراءة مرحلة الفعل السياسي الغربي في المنطقة. فلم يكن دخول بريطانية إلى عدن مجرد وضع اليد على منطقة لها أهميتها في الصراع الدولي فقط، بل هي جزء من هيمنة الاقتصاد في إدارة هذا الصراع، ولعدن من قوة تحريك المصالح ما يجعلها عند هذا المستوى من خط المواجهة.يقول الكاتب جافن عن رؤية وأسلوب عمل الكابتن هينس وطرق تعامله مع عدن ونوعية الحياة فيها ومدى معرفته بالعرب في المنطقة : ( كانت لدى هينس تجربة معتبرة عن سياسات العرب قبل وصوله إلى عدن، وعملية مسح شواطئ جنوب الجزيرة العربية مكنته من بناء عدد من الصلات المهمة، ولكن تجاربه وخبراته تم تجميعها في الغالب من بين أوساط البحارة (الناخوذة) والمجتمعات متعددة القوميات في الموانئ استطاع التحدث بالعربية ولكن معرفته باللغة كانت أولية إلى حد ما، لم يكن يستطيع الكتابة بها ولذلك فقد كان بصورة أقل أو أكثر تحت رحمة الكتبة الذين كانوا يعدون له مسودات رسائله، ولم يكن دارساً عميقاً للمجتمع العربي رغم أنه جمع حصيلة جيدة من المعلومات التاريخية، ولم تكن سياسته تستند على أي اختبار علمي حول فعاليتها، وكانت تعميماته حول مشاهداته مطعمة بعبارات براقة من آخر أعمال علماء الاقتصاد السياسي البريطاني، لقد كان يهدف إلى استخلاص موارد البلد عبر حماية العمال والمزارعين المجدين، وفي ظل النظام القائم فقد كان يعتقد أن ملاك الأرض كانوا مضطهدين ومنتوج الصناعة الزراعية كان يسلب منهم، أما الثأرات والصراعات المستمرة فقد أرجعها إلى النظام الاقطاعي وخلفيته الدينية، وكان يعتقد أن التجار والطبقات الأفقر يفضلون البريطانيين، ولكنه لم يستطع أن يوفق بين نظرته هذه وبين حقيقة أن نفس الطبقات الأفقر كانت أكثر الداعمين المتحمسين للزعامات الدينية التي كانت تحاول من وقت إلى آخر استعادة عدن من الكفار، ويحتمل أن هذا الاعتقاد بوجود طبقة مضطهدة من التجار والمزارعين كان هو الذي شجعه على المبالغة في تقييم قدرات عدن التجارية، والأكثر احتمالاً أنه كان متأثراً بما عرفه عن عظمة عدن التجارية السابقة. مهما كان السبب فإن هينس كان متيقناً طوال فترة وجوده في منصبه بأن عصراً من الازدهار يقف مباشرة خلف الأفق).ارتبطت عملية الدخول البريطاني إلى عدن بخطة لتوسيع حركة التجارة مع شمال - شرق أفريقيا، ففي عام 1841م أرسلت حكومة الهند البريطانية بعثة سياسية إلى ملك شوا في جنوب أثيوبيا، وكانت مهام هذه البعثة متصلة بالخطة الأساسية التي تم وضعها في انجلترا في الثلاثينيات من القرن الثامن عشر لتوجيه موارد كل القارة الأفريقية عبر استبدال تجارة السلع المطلوبة في أوروبا بتجارة العبيد.وحتى يصبح للبعثة مركز دعم، تم إقامة منشأة بريطانية بصورة مؤقتة في تاجورا على الشاطئ الصومالي، وكانت موارد عدن تستعمل لهذا الغرض، غير أن نتائج البعثة كانت قليلة، لقد كانت المشاريع التوسعية العسكرية الأخرى التي أشرف عليها بالمرستون ووزارة ويج 1830 - 1841م في سنواتها الأخيرة لنمو تجارة انجلترا العالمية، وللتخلص من تلك المراكز الدفاعية من أملاك بريطانيا الهندية أعاد خلفاء ويج بعد عام 1841م بعثة شوا وتم إزالة منشأة تاجورا بعد أن تم التخلص من تلك العهود التي كان قد وعد بها ويج.غير أن الكابتن هينس ظل يراقب تلك الأحداث من خلال موقعه في عدن وخليجها، وكانت السفن ترسل كل عام للإشراف على أعمال معرض بربرة في الصومال، وعندما تعذر توفير السفن في عام 1844م بسبب إعادة توزيعها وهي التابعة للبحرية الهندية، استعان هينس بسفن المجموعة الهندية في عدن لتمويل استئجار سفينة لتقوم بالعمل.لذلك سعى هينس للعمل عبر زعيم صومالي وهو حاج شير ماركي، والذي احتل زيلع عام 1843م وأنشأ برجين في بربرة عام 1844م، وقد زار كروتندن معظم أجزاء الشاطئ الصومالي من أجل إقامة علاقات صداقة مع السكان وكذلك لحل الصراعات الكثيرة بين القبائل المتناحرة والتي كانت من أهم الأسباب في عرقلة الحركة التجارية، بالرغم من أن هذه الجهود لم تكن ناجحة بالشكل المطلوب، لأن أرض الصومال أسيرة للصراعات بين القبائل المتنافسة، والتي ظلت تتصاعد بأكثر ضراوة، غير أن عدن ضمنت لها نفوذا معتبراً ومهماً على طول الشاطئ الصومالي، وفي الداخل كذلك، وفي الواقع ربما كان لعدن في فترة حكم هينس نفوذ أكثر في الصومال من نفوذها في المناطق المحيطة بعدن. أما عن صلة عدن البريطانية وجنوب الجزيرة العربية يقول الكاتب: (كان المسرح السياسي لجنوب الجزيرة العربية في وقت احتلال بريطانيا لعدن أحد أكثر المناطق تعقيداً، وكانت مشكلة إيجاد علاقات مستقرة بين الميناء المسيطر عليه من بريطانيا وشبكة القوى المتحولة في المناطق الداخلية ينهك إبداع المسؤولين البريطانيين خلال مرحلة الحكم البريطاني، ولم يتمكن هينس من إدراك أبعاد وحجم المشكلة، ومن هذا فخلال أشهر قليلة من احتلال عدن بدأ يجس نبضاً (يتلاعب مثل الحاوي) مع قوى مختلفة في المناطق الداخلية الممتدة من حضرموت إلى صنعاء، والناس الذين تعامل معهم اقتربوا منه بصورة مباشرة أو غير مباشرة بعد الاستيلاء على عدن، و كانت اتصالاته تتم بصورة لا محيد عنها مع الناس المعنيين بالسيطرة والحماية لحركة أو شحن البضائع من الهضاب الخصبة إلى الشواطئ، كانوا أولئك المهتمين والمعنيين بما كان يحدث بعدن، وكان هينس لعقليته المركزة على التجارة يولي اهتماماً بهم . إلى الشرق على طول الشاطئ من عدن كان السلطان الفضلي والذي كان لديه ميناؤه الخاص في شقرة والذي كان ينافس عدن بتصدير البن وتجارة أخرى بأحجام صغيرة وحركة الهجرة من يافع، وكان الفضلي قد أصبح أكثر الأعداء حدة لسلطان لحج محسن، وفي عام 1835م قام رجاله باقتحام ونهب عدن، وكان مجال سيطرته يمتد إلى عدة أميال قبل بوابة عدن وإلى الشرق أبعد من ذلك وأيضاً على طول الشاطئ كان يسيطر سلاطين العوالق السفلى على ميناء أحور في المحطة النهائية لخط قوافل آخر يمتد إلى اليمن وأقرب إلى عدن تقع منطقة شيخ العقربي، وكان وأتباعه البالغ عددهم عدة مئات يدعون ملكيتهم للأرض الضيقة الواقعة على قدم ميناء عدن الغربي والرأس البحري الضيق في عدن الصغرى والذي يقع على جانبه الغربي عدة موانئ صغيرة، حيث كان بإمكان قوارب صغيرة أن تنقل بضائع، وأخيراً كان هناك سلطان لحج وقد حرم من مينائه ، عدن الذي كان قد تمكن من خلق صلات على طول مساحة تشبه القمع، واسعة في الرأس وضيقة في الأسفل، والذي يصل إلى بوابة عدن بين الأراضي الواسعة والخالية للفضلي والعقربي على الجانبين.عندما جرت المفاوضات مع هينس عام 1838م ذكر السلطان محسن أولئك الذين تمتعوا سابقاً ويتوقعون أن يحصلوا على مدفوعات من دخل ميناء عدن، وأشار السلطان محسن إلى أن هذه المسألة يجب أن تكون موضع اهتمام إذا أراد البريطانيون أن يؤسسوا لهم وجوداً هناك بعد احتلال عدن تقدم هؤلاء بمطالبهم أو قدمت نيابة عنهم من قبل صهر السلطان محسن المثير للاهتمام من منطقة الحوشبي السيد محسن بن ويس ومن بينهم الأشخاص البارزون على الطريق شمال لحج سلطان الحوشبي وأمير الضالع.وكلا الحاكمين كانا تقليدياً مهتمين بالسيطرة على حركة القوافل من مناطق إنتاج الذرة ما بعد قعطبة ومن العاصمة اليمنية البعيدة صنعاء).من الشخصيات البريطانية الهامة التي حكمت عدن وكان لها عدة أدوار فيها، المستر برنارد ريلي والذي شغل عدداً من المناصب، كقائم بأعمال المعتمد عام 1925م، وكمعتمد ثم رئيس الاستشارية وأخيراً حاكم بين عامي 1931 - 1940م، وقد تولى مسؤولية تحديد مصير عدن ورسم اتجاهات المرحلة الحرجة في التوسع ورسم بقدرة الخطوط الهامة، والتي كان على محميات عدن أن تتطور وتسير عليها.لقد كان برنارد ريلي من الشخصيات البريطانية التي احترفت العمل في هذا المجال حيث التحق بالجيش الهندي في عمر العشرين عاماً، وبعد سنوات تحول إلى العمل في مجال الخدمة السياسية الهندية في عام 1908م، وعملياً فقد كانت معظم أعماله في هذا الجانب مكرسة لشؤون عدن، وجاء إليها لأول مرة في أعقاب مرحلة التوسع البريطاني في المنطقة، وكان عمله في المدينة العربية الشيخ عثمان بوظيفة حاكم في محكمة، وظل في عدن طوال فترة الحرب العالمية الأولى، كما ذهب مع بعثة ديفيد جاكوب إلى اليمن عام 1919م وبقي هناك لمدة شهر في مفاوضات جادة مع ممثلي الإمام في عدن بين عامي 1921 و1923م وعند منتصف العشرينيات كان قد أصبح مقدراً في إدارة الحديث حول الأمور السياسية وكانت خبرته الطويلة في هذا الجانب القوة المعززة لتلك القدرة.وفي عام 1931م كان هو الموظف الأهم والرسمي صاحب الخبرة في الطاقم الوظيفي البريطاني في عدن، ومنذ دخول بريطانيا إلى عدن منذ فترة هينس لم يكن عند أي معتمد مثل هذه المعرفة الطويلة بعدن قبل تحمله منصب المعتمد البريطاني ولم يوجد أحد غير هينس بقي في المنصب الأعلى في عدن مثل طول المدة التي بقي فيها ريلي.عن تلك الشخصية يقول مؤلف الكتاب: (إن المرء يواجه فعلاً صعوبة إلى حد ما في تفسير كيف كان بمقدور ريلي أن يروج لسياسته التوسعية لدى سلطاته العليا والتي لم يكن لها خطط طموحة لمستقبل عدن، جزء من التفسير أنه بحلول منتصف العشرينيات كان مكتب المستعمرات منهمكاً بسبب الجهود لمحاولة تخليص عدن من الركام، المستنقع الإداري الذي كانت تعاني من الإخفاق بسببه وحتى التأهب المخلص للخدمة المدنية - الأوراق الماضية لم تساعد لأنها قالت أشياء كثيرة مثيرة للخلاف، معظم البيرقرواطيات لديها تفضيل فطري للنماذج الرائعة وتتحاشى الغموض، وهكذا بدأ الرجال في لندن يستمعون بانتباه إلى صوت ريلي الهادي ولكن الثابت والملح مكرراً ببرودة أفكاراً محددة وبسيطة وصريحة وجذابة بصورة جوهرية، على بريطانيا أن تفي بالتزاماتها التعاهدية في المحمية، وحدود 1905م يجب أن تحترم، وعدن يجب أن تتحرر من سيطرة بومبي الكابحة، وبعد توقيع معاهدة 1934م في صنعاء يجب المحافظة على السلام في طرقات المحمية وفقاً لتلك المعاهدة، هذه الأفكار تبدو على السطح غير مثيرة ومغامرة بما فيه الكفاية، في الواقع كانت محافظة بعمق من حيث الشكل وتعود بالذاكرة إلى السنوات المبكرة للقرن، وفيما يتعلق بأمن الطريق تعود إلى زمن هينس وخلفائه، لا شيء من تبجح وغطرسة مؤسسي الإمبراطورية في مقاربة ريلي، لقد تجنب تسليط الأضواء ولم يعط عمله طابعاً درامياً، ونادراً ما كان يدخل في مضاربة أو تخمين مجرد حول الأهداف النهائية، لقد ظل شخصاً قليل الشهرة خارج حلقات الموظفين الرسميين، حتى بعد مفاوضاته الناجحة مع الإمام لمعاهدة 1934م والتي أكسبته لقب «سير» كان ريلي بصورة أقل أو أكثر غائباً عن اهتمامات الكثيرين في بريطانيا، وهكذا حال بروز إمبراطوريته، وذلك ما كان يرغب فيه، كان أسلوبه أن يخفف ويلطف من حدة المناقشات وأن يسعى للحصول على موافقة رؤسائه بأن تتوضح السياسات من خلال حقائق الواقع المباشر).إن التوسع العسكري والاقتصادي والسياسي البريطاني في عدن يجلب معه إدخال مقدرات حربية تكون عند خدمة الحاجة لو دعت ضرورة القوة استخدامها، ومنذ عام 1915م لعب سلاح الطيران البريطاني دوره في تعزيز الدفاعات حول عدن، وكان لذلك نتائجه ضد الهجمات اليمنية، ففي بداية العشرينيات كان الإنجليز يجرون تجارب على ذلك السلاح في الأوساط العليا.في عام 1926م فشلت بعثة كلايتون إلى صنعاء، مما هز ثقة بريطانيا بالعمل الدبلوماسي، وفي نفس الوقت كانت بعض الدول تتدخل في شؤون جنوب غرب الجزيرة العربية مثل العلاقات التي سعت روسيا لإقامتها مع إمام اليمن، والتواجد العسكري الإيطالي ارتيريا، التي تواجه اليمن عبر البحر الأحمر، وموقع الجزر فيه وكانت إيطاليا منذ عام 1922م قد بدأت بتقديم السلاح للإمام، وهكذا تم اختراق احتكار بريطانيا للعلاقات الخارجية للجزيرة العربية.دون شك يقدم لنا هذا الكتاب عدة معارف عن تاريخ عدن في تلك المرحلة البريطانية، وهي الأهم والأخطر في رسم حدود السياسة وإدارة الصراعات وهي أن تغيرت في الأشكال، يظل عمق أسبابها حالات متفاعلة مع الحاضر، وذلك هو جوهر السياسة البريطانية التي ظلت مستعمراتها في حالة عدم استقرار منذ خروجها منها وحتى الآن.
|
ثقافة
كتاب عدن تحت الحكم البريطاني 1839 – 1967م
أخبار متعلقة