إعداد/ توفيق سلطان محمدتحتل قضية مكافحة التعذيب في الوقت الراهن أهمية بالغة كإحدى أبرز القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان وكرامته، ويتزايد الاهتمام بها كونها تعد احد أكثر الانتهاكات خطورة لتلك الحقوق على المستوى العالمي، حيث يمثل التعذيب أقصى إشكال الانتهاك لحرمة النفس والجسد. وهجوماً مباشراً على جوهر الكرامة الإنسانية لذلك يعتبر محظوراً في جميع الأوقات وفي كل الظروف. لأنه يتعارض ويتنافى كممارسة او سلوك بشري مع الطبيعة الآدمية لإنسانية الإنسان نفسه، علاوة على تحريم وتجريم الشرائع السماوية له، فممارسة التعذيب تتناقض تناقضاً جوهرياً مع فكرة الحقوق المدنية للإنسان. والتعذيب كمصطلح عام عادة ما يستعمل لوصف أي عمل ينزل آلاماً جسدية او نفسية بإنسان ما وبصورة متعمدة ومنظمة كوسيلة من وسائل استخراج المعلومات او الحصول على اعتراف او لغرض التخويف والترهيب او كشكل من اشكال العقوبة او وسيلة للسيطرة على مجموعة معينة تشكل خطراً على السلطة المركزية، ويستعمل التعذيب في بعض الحالات لاغراض اخرى كفرض مجموعة من القيم والمعتقدات التي تعتبرها الجهة المعذية قيماً اخلاقية.حيث تعني باختصار شديد عدم احترام القوانين من قبل القائمين على تنفيذها، او عدم قدرة سلطة الدولة على إنفاذ القوانين المعنية بحقوق الانسان في حال كان الممارسون للتعذيب من غير الموظفين العموميين أي افراد او حتى جماعات في المجتمع يفترض ان يكون الجميع فيه خاضعين لسلطة النظام والقانون.فالتعذيب ـ كأحد صور العنف واشدها قسوة ـ هو ظاهرة تاريخية قديمة قدم تاريخ البشرية ذاتها، وعلى الرغم من قدم وتاريخية الظاهرة كممارسة فردية او حتى جماعية، الا انه ليس بوسع او استطاعة احد ان يحدد متى واين مورس التعذيب لاول مرة، فظاهرة التعذيب لم تعرف تاريخاً معيناً ولا مجتمعاً بعينه ولم تكن يوماً مقيدة بزمان، او مكان، فلم يسلم مجتمع انساني من ممارسة التعذيب، وليس هناك فرق بين شعوب متحضرة، وشعوب متخلفة فيما يتصل بهذا النوع من السلوك والممارسات. حيث يحدث في الغالبية العظمى من الدول سواء في حالات معزولة او في حالات متكررة او بشكل واسع النطاق ومنهجي بل أن هناك دولاً تتخذ من حقوق الانسان شعاراً للتدخل في شؤون الدول الأخرى في حين أنها اكبر منتهك لحقوق الانسان، بل تمارس الانتهاك بشكل ممنهج على اراضيها، كما ترفض الكثير من الحكومات السماح للأمم المتحدة بالتحقيق فيها إذا كان ذلك يجري على أراضيها.وبحسب تصريحات بعض الخبراء الأعضاء في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة المؤلف من 47 دولة ان حكومات كثيرة بينها دول اعضاء بالمجلس تمتنع من إجراء التحقيقات اللازمة بشان ممارسات التعذيب في هذه الدولة والأمثلة كثيرة على ذلك فممارسة التعذيب تعد رسالة ضمنية يتم نقلها عبر الضحية. وهذا هو الوضع الذي آلت إليه حالة الأنظمة والمجتمعات. تعذيب تمارسه قلة، يسكت أصوات امة بأكملها، بل انه يمكن ان يسكت مجتمعاً دولياً بأكمله، والذي يقف عاجزاً امام الإنتشار المرعب لهذه الممارسات، بالرغم مما يبذل من جهد لمكافحتها وهكذا يمكن ان يمارس التعذيب لأسباب سياسية، او لأغراض العقوبة، او لأغراض اخرى غير ان المقاربة السوسيو ثقافة لممارسات التعذيب هي الاكثر فائدة حسب اعتقادنا وبخاصة عند محاولة وضع الحلول على المستوى الوطني بغرض التصدي لهذه الممارسات فإذا كانت ظاهرة التعذيب هي ظاهرة عالمية، بمعنى أنها توجد على مستوى العالم، الا أن مدى انتشار هذه الممارسات وكيفية التعامل معها، ومدى تقبل الأفراد والمجتمع لها، وتعامل الجهات الرسمية معها، يختلف من دولة الى اخرى وفقاً لخصوصية الدولة نفسها، والسياق الإجتماعي الثقافي في هذا البلد او ذاك.الا أن جوهر المقاربة السوسيو ثقافية لظاهرة التعذيب يقوم على اساس أنه لا ينبغي التركيز على الاسباب المباشرة فقط ( مخالفة القانونين النافذة) ولكن يجب التركيز على الأسباب البنائية الكامنة التي تولد الظاهرة ذاتها، والتي تتمثل في التركيب الإجتماعي، والنسق الثقافي للمجتمع، وتأثير ذلك على البناء السياسي والقانوني والإداري لمؤسساته.
|
اشتقاق
قضية مكافحة التعذيب في الوقت الراهن
أخبار متعلقة