من غير المعقول أن نطلب ممن يأمل فيهم الناس بأن يؤسسوا لمداميك الدولة اليمنية الحديثة ؛ أن يقدموا لنا المستحيلات على أوانٍ من فضة ، ولا يمكن نطلب من أحد أن يأتينا بما لم تستطعه الأوائل !! فضلا عن أن نفكر ـ لا قدر الله ـ بأن نعطى ما لم نستحق ، أو نبخس الناس أشياءهم .وبوضوح ، واختصار ؛ نحن نريد ـ وقد طالت مرحلة الحوار ـ دولة قوية ، مهابة ، ديمقراطية، عادلة ، تحترم حقوق شعبها كاملة ، ودون تمييز من أي نوع ، الصغير ، والكبير فيها يتساويان أمام القانون .. دولة لا مكان فيها للتمييز العرقي ، أو القبلي ، أو المناطقي ، أو السلطوي.. دولة لا مكان فيها إلا للحق ، ولا هيبة فيها إلا للقانون .وهذا في اعتقادنا ليس بالصعب ، ولا بالمستحيل ، قد رآه آباؤنا ، وعاشوه واقعاً، في العهد البريطاني ، وكَرَّس كثيراً منه طيب الذكر ، القائد الوطني الصادق ـ المرحوم بإذن الله ـ سالم ربيع علي عندما كان رئيساً لمجلس الرئاسة في السبعينات ، وبقينا نشتم عبيره بعد ذلك حتى مايو 1990م ، وإن بشكل خافت، أو مشوه .نقول ذلك اليوم ؛ حتى لا نصحو غداً على مخلوق مهيض ، مسخ ، لا يقوى على شيء ، كما يحرص على ذلك البعض ممن يريدون الالتفاف على هذا المنجز ، ويعملون على أن يخرج لقمة سائغة إلى كروشهم ؛ فيصبح هذا الشعب المسكين ضحية مرة أخرى للظالمين الذين يملكون المال والسلاح والمرتزقة ، ونغدو كما يقول المثل ( كأنك يا بو زيد ما غزيت ) .نحن ـ يا إخواننا ـ نريد دولة ؛ لا مستحيلاً .. لقد عشنا من قبل مثلها .. لم يكن الآدمي فيها بحاجة لأن يحمل سلاحاً ؛ لسبب بسيط، فقد كان الكل آمناً على حياته ، بمن فيهم رئيس الدولة (سالمين ) نفسه ؛ الذي كنت ـ أنا شخصياًـ أجده في الواحدة فجراً بالزي الشعبي في مطعم الفقيه بالتواهي يتناول وجبة العشاء؛ بمعية مرافق واحد ، أو اثنين بالكثير .. بلبس مدني ، وأسلحة شخصية ، لا يراها أحد..نعم ؛ لقد كان رئيس الدولة في كثير من الليالي يتجول بتواضع في الأسواق، لا يعترضه مظلوم ولا ظالم ، وأحيانا في الرابعة فجراً.. يتفقد الأمن .. يتفقد الأسواق.. يسأل الناس في السوق عن الأسعار .. عن توفر المتطلبات الأساسية من السلع، والخضار ، وغيرها ، يعالج القضايا بحزم ، وأولاً بأول .أما المخالفون في أجهزة الدولة المدنية ، والعسكرية فقد كان القانون لهم في المرصاد ، والويل لمن يخالف ـ صغيراً كان ، أو كبيراً ـ ويل له من جهاز الرقابة الشعبية، وقبل ذلك يقظة الرئيس سالمين ، وتجواله في المرافق ، والمؤسسات ، والوحدات العسكرية ، والأمنية .لا أقول إن هذه المرحلة حكمتها الملائكة ؛ بل حكمها بشر جائز في حقهم ما يجوز ، ولكن كانت هناك : الدولة القوية ، والقانون المحترم ، وأجهزته المنفذة ، فالمراقبة ذات الصلاحيات الضبطية الواسعة، فالراعي الحريص ، اليقظ ، الأمين الذي لا يفرط في رعيته ، وهذا ما نريده الآن .عاش الناس زمناً في أمن ، واستقرار ، ولولا ما كان من الحصار ، ومترتبات الوضع السياسي، والتحالفات الأيديولوجية المفروضة بحكم الظروف، والحاجة في هذه الدولة الناشئة، والإجراءات التي فرضت نفسها بالتالي ؛ لكانوا قد عاشوا أجمل سنوات أعمارهم، وأهنأها .ونحن اليوم إذ ننظر إلى البعض من المتحاورين وهم يمعنون في خوضهم في التفاصيل، وبين دولة فدرالية: بإقليمين ، أو أربعة أقاليم، أو عشرة، أو.. أو.. يخيل إلينا وكأنهم سيكتشفون عالماً جديداً، أو يناضلون من أجل إقامة موازين العدل المختلة، أو يقطعون دابر المشاريع المشبوهة، السلالية ، والتمزيقية ، والمذهبية، والمناطقية ، والقبلية.. ونحن في هذه الحال ـ أيها السادة ـ وفي مضمار ثورة ؛ هدفها التغيير، وطمس معالم الفساد الجاثم على صدر الحياة؛ لماذا لا نفكر جميعاً بدلاً من ذلك ، ومعاً في ذلك؛ في الأجدى لتحقيق النهضة المتوازنة في كل مستوى إداري نتفق عليه ، ولمصلحة الوطن، والإنسان؟ وفي تلبية ذلك التقسيم (الإداري) لمتطلبات النهوض التنموي الشامل ، وبعيداً عن الإرادات، والمشاريع الهدامة ، الإقليمية، والدولية ؟ .ولماذا لا يكون الوطن ، ومنعته ، وازدهاره، وتقدمه هدف الجميع ، بدلاً من التفكير في أسوأ ، أو لأسوأ الاحتمالات في مسارات التكتيكات ، والأهواء التي تعج بها الساحة السياسية في هذا البلد المنكوب بأفعال ، وإرادات الخراب .ثم لا ينسى الجميع أن الشعب هو مالك السلطة ، فإن كان لابد؛ فليرجع الجميع إليه.. ويكفينا بيعاً، وشراءً ، وتضييعاً، وتغييباً لإرادة الناس المتعطشين للعدل، وللدولة العادلة، وللكرامة ، وصيانة الأرواح، والدماء ، والأعراض، والأموال .إن الأمر الآن بأيديكم أيها المتحاورون ، إن الكرة في ملعبكم ، وسيشهد عليكم التاريخ؛ فاحذروا.. لقد ثقل علينا الحمل ، وكثر الظلم، واستشرى التسيب ، وطال العناء ، وما أحوجنا اليوم لدولة حديثة.. لـ(سالمين) آخر، نقمع به رؤوس العمالات ، ونزيح به هذا الركام ، ونقيم به ، ومعه اليمن القوي، الحديث، الموحد، الديمقراطي ، العادل ، وقبل ذلك وبعده : الخالي من الفساد ، والفاسدين، فاختاروا ما يصلح ، وإلا ؛ فالله المستعان !!.
|
آراء
هذا ما نريده الآن
أخبار متعلقة