دراسة يمنية للباحثة هبة عيدروس تطالب بتجريم سرقة برامج الحاسب الآلي بنصوص صريحة
عرض / أماني العسيري إن موضوع (سرقة برامج الحاسب الآلي) هو أحد المواضيع المهمة في عصرنا الحالي ، ويعود السبب في ذلك إلى التطور السريع في تكنولوجيا الحاسبات وتقنية المعلومات. ونظرا لأهمية الموضوع وقفت الباحثة هبة عيدروس الأستاذ المحاضر بكلية الحقوق بجامعة عدن أمام هذه الدراسة الموسومة بـ(سرقة برامج الحاسب الآلي في القانون المقارن) للدفاع عن رسالة الماجستير التي نالت عنها درجة امتياز.. فقد ارتأت أن تكرس جل اهتمامها في دراسة هذا الموضوع الحديث - رغم صعوبته- لعل هذه الدراسة تكون نقطة انطلاقة لتشريع القوانين لمواجهة سلوك الأفراد الذي يمثل اعتداء على حقوق الغير. الأمر الذي يستدعي وقوف القانون أمامها سدا مانعا لأجل تحقيق الردع لهؤلاء الأفراد أو الجماعات ، والحد من ارتكاب مثل هذه الجرائم لما لها من آثار سلبية سواء من الناحية الاقتصادية أم الاجتماعية. [c1]مفهوم السرقة الالكترونية [/c]فمفهوم سرقة برامج الحاسب يلقى ممانعة شديدة لدى القانون المقارن والفقه التقليدي ، ويعود السبب في ذلك إلى أن أحكام جريمة السرقة تتلخص في فعل الاختلاس أو الأخذ كركن مادي يقوم على إخراج المال من حرزه.كما أن محل الجريمة المتمثل في المال يشترط أن يكون منقولاً مادياً ، وهو ما لا يراه غالب الفقه والقضاء كافياً لتطبيقه على برامج الحاسب ذات الطابع المعنوي. حيث أن هناك خلافا فقهيا حول مدى انطباق صفة المنقول المادي على برامج الحاسب فيما إذا أريد تطبيق أحكام جريمة السرقة عليها. [c1]انتهاكات عالمية وخسائر مالية كبيرة [/c]ونتيجة لذلك ولما يتعرض له العالم من اعتداءات تجعله يخسر مليارات الدولارات سنويا.. وفي هذا الجانب دعمت الباحثة دراستها بإحصاءات عالمية ، حيث قدرت الخسارة بـ(3) مليارات دولار بسبب انتهاكات حقوق الملكية الفكرية وبأكثر من (50) مليار دولار نتيجة عمليات الاحتيال على الملكية الفكرية ، في حين قُدّرت الخسائر على مستوى العالم ما بين (200 - 250) مليار دولار في مجال تكنولوجيا المعلومات وفق تقرير الاتحاد العربي لحماية حقوق الملكية الفكرية عام 2009م .إلا أن الدراسة التي أجرتها غرفة التجارة الدولية للعام 2001م في مجال حقوق الملكية الفكرية أشارت إلى أن (2.5) مليون وظيفة شرعية تتعرض لتهديد كل عام نتيجة فقدان ثقة حماية حقوق المؤلف ، وأكدت أن حجم الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عالميا عن قضايا التقليد والقرصنة ستصل إلى نحو (1.7) تريليون دولار بحلول العام 2015م . وأكدت دراسة اقتصادية أعدها اتحاد منتجي برامج الحاسب التجارية ، أن العمل على تخفيض معدل القرصنة في جميع أنحاء العالم بنسبة (10 %) في غضون (4) سنوات من شأنه أن يخلق (142) مليار دولار دخل أنشطة اقتصادية جديدة إلى جانب خلق نصف مليون وظيفة جديدة حول العالم . [c1]شحة الدراسات في هذا المجال[/c]ولكل ما ذكر اختارت الباحثة هبة عيدروس هذا الموضوع ليكون محلا لدراستها لأسباب عدة منها : أولا: الأهمية التي اكتسبتها برامج الحاسب في كافة مناحي الحياة على مستوى العالم . ثانيا: حداثة وشحة الدراسات في هذا المجال التي تكاد تنعدم لا سيما في اليمن .ثالثا: المشكلات العديدة التي يثيرها موضوع هذه الدراسة من الناحية النظرية والعملية . كما استهدفت الدراسة التي أجرتها الباحثة على مدى عامين ونصف تحقيق الآتي : أولا:التركيز على التحديات التي تواجه القانون الجنائي بحالته الراهنة بنصوصه التقليدية ومبادئه ونظرياته التي تبدو أنها غير كافية في حالة تطبيقها على الأشكال الحديثة للجرائم ذات الطابع التقني المتطور.ثانيا : المساهمة في وضع اللبنات الأولى لتنظيم المناخ القانوني لدراسة الجرائم الحديثة تمهيداً لمواكبة القانون الجنائي لهذا التطور بخلاف الطبيعة المستقر عليها .ثالثا: تشجيع الباحثين في مجال القانون الجنائي على دراسة الجرائم الحديثة وإثرائها بالبحث والدراسات.رابعا: إيجاد الحلول للمشكلات التي تثيرها هذه الجرائم عند اصطدامها بالنصوص التقليدية القائمة على المبادئ المستقرة في الفقه الجنائي . [c1]وتوصلت الباحثة إلى نتائج عامة أوجزتها بـ: [/c]1.أن برامج الحاسب عبارة عن كيان معنوي غير ملموس ؛ ونظراً لأهميتها الاقتصادية في عصرنا الحالي وامتداد سيطرتها على كافة المجالات دفع الأمر برجال القانون في الفقه والقضاء إلى القبول بحقيقة أن هذه البرامج تمثل قيمة مالية مؤثرة في اقتصاد دول العالم.2.إن المقنن اليمني يُعد من المقننين القلائل الذين عرّفوا برامج الحاسب في القانون الصادر حديثا بشأن حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة رقم (15) لعام 2012م في المادة الثانية منه ، والتي اعتبرها “ مجموعة من العبارات أو التعليمات المعبّر عنها بكلمات أو رموزٍأو بأي شكلٍ آخر وبإمكانها أن تجعل الحاسب الآلي يؤدي أو ينفذ مهمةٍ ما أو يعطي نتيجةٍ ما “ وبموجبه أصبحت برامج الحاسب محمية باعتبارها مصنفاً وفق المادة الثالثة - الفقرة العاشرة منها. 3.إنه ولأجل حماية برامج الحاسب وفقاً لقوانين حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة لابد أن يتوافر فيها شرطان ؛ الأول : أن يكون المصنف مبتكرا، والثاني : أن يُعَبّر عنه بطريقه أو اسلوب شخصي لمبتكره . وفيما عدا ذلك فإنه يخرج عن نطاق الحماية وفقاً لهذا القانون ، إلا أن هناك من برامج الحاسب ما لا يتوافر فيه هذان الشرطان .. ناهيك عن أن نصوص الحماية الجنائية في هذا القانون قد أضفت حمايتها على برامج الحاسب بما يتفق ومفهوم المؤلف ، وما يترتب عليه من حقوق للمؤلِف . لذلك نجد أن هذه الحماية لا تتواءم وخطورة الاعتداءات التي تقع على برامج الحاسب ، كما أنها لا تجرم جميع هذه الاعتداءات ؛ لأنه في حقيقة الأمر أن هذه القوانين شُرّعت أساساً لتضمن حماية حقوق المؤلفين أكثر منه حماية لبرامج الحاسب ، ونتيجة لذلك نجد أن قوانين حماية حق المؤلِف ليست كافية لحماية برامج الحاسب .4.عدم إمكانية خضوع سرقة برامج الحاسب لقانون العقوبات التقليدي لعدم ماديتها وطبيعتها الخاصة التي تُشكل عقبة في طريق تطبيق نصوص قانون العقوبات5.ضرورة توفير الحماية الكافية لبرامج الحاسب ؛ لأن عملية إنتاجها تعني بذل الكثير من المال والجهد والوقت بالنسبة لمؤلفيها ومنتجيها . حيث تصل التكلفة إلى ملايين الدولارات . الأمر الذي يؤثر سلباً أو إيجاباً على اقتصاد الدول المعتمدة على الاستثمار في هذا المجال .6.إن سبب ارتفاع سرقة برامج الحاسب بمختلف صورها يعود إلى ارتفاع أسعار النُسخ الأصلية في الدول النامية عامة واليمن خاصة ، مما جعلها أكثر عرضة للقرصنة من قِبل الأفراد غير القادرين على شرائها دون غيرهم . 7.إن قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لعام 1994م جاء خالياً من النص الصريح باعتبار الطاقة أو التيار الكهربائي مالاً منقولاً يقع عليه الاعتداء بالسرقة أسوة بالقوانين العربية الأخرى ... كما أن قانون الكهرباء الخاص رقم (1) لعام 2009 م ولائحته التنفيذية قد خلت أيضاً من وجود نصٍ صريح يعرف التيار الكهربائي محل الاعتداء المعاقب عليه بموجبه. بالإضافة إلى ذلك عدم تحديده لصور وحالات هذا الاعتداء وفيما إذا كانت تمثل جريمة أو مخالفة في حين نجده قد احتوى على نصوص عقابية سالبة للحرية والغرامة المالية ،وهذا يتعارض ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.8.عدم إمكانية خضوع برامج الحاسب لأحكام جريمة السرقة في حالة سرقة الاستعمال لتناقض فعل الاستعمال ومفهوم السرقة من حيث الركن المعنوي، وكذلك عدم وجود النص القانوني الصريح الذي يجرم سرقة استعمال أشياء الغير بدون حق سواء بنص عام أم خاص كغيره من قوانين الدول العربية الأخرى. [c1]توصيات الدراسة [/c]ونصحت الباحثة هبة عيدروس الأستاذ المحاضر في كلية الحقوق بجامعة عدن المقنن اليمني بمجموعة من التوصيات : 1. تعديل نص المادة (300) من قانون الجرائم والعقوبات باقتراح هذا النص “ مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد في القوانين الأخرى ، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من ارتكب جريمة سرقة لا تتوافر في فعله شروط الحد أو سقوطه لأي سبب من أسباب سقوط الحد ، ولم يصاحب الجريمة تهديد أو إكراه ، وتنزل القوى المحرزة كالكهرباء والمياه منزلة الأموال المنقولة في تطبيق القانون “.2.التعديل في قانون الجرائم والعقوبات بإضافة نص يضفي الحماية الجنائية على مال الغير من الاستعمال غير المشروع ، بشرط التقدم بشكوى من قبل المجني عليه أو من يقوم مقامه وفق القانون للجهات المختصة ، ويقابل هذا التعديل تعديل آخر في قانون الإجراءات الجزائية بإضافة هذه الجريمة إلى جرائم الشكوى . واقترحت أن يكون النص “ يعاقب على السرقة بناء على شكوى المتضرر بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف ريال كل من استعمل بدون حق مال الغير دون نية تملكه “ . 3.التعديل في قانون الجرائم والعقوبات بإضافة نص يعاقب الأشخاص المكلفين بالإبلاغ عن وقوع الجرائم في حالة وقوع أي إهمال أو تقصير في أداء واجبهم واقترح أن يكون النص “ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة ألف ريال كل شخص يحمل الصفة الضبطية أهمل في إبلاغ السلطات المختصة بجريمة جسيمة عَلِمَ بها أثناء أو بمناسبة وظيفته” .4.سن قوانين خاصة بمكافحة جرائم تقنية المعلومات بشقيها الإجرائي والموضوعي ، وتحديد أنواعها وصورها بما يتناسب مع الاتفاقيات الدولية ومن ضمنها الاتفاقيات الخاصة بحماية برامج الحاسب المنضمة إليها اليمن .