سطور
* كمال محمود علي اليماني:سعدت إذ وافتني الفرصة لكي أحظى بقراءة رواية القاص والروائي اليمني ياسر عبدالباقي الأخيرة وكانت بعنوان (( تراوديل )) وهي من 124 صفحة من الحجم المتوسط، ومن إصدارات مركز عبداي للدراسات والنشر وتمت طباعتها بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون -آفاق .يأخذنا الراوي خلال صفحات الرواية في رحلات متعددة تدور أحداثها في أكثر من مكان ، بل وفي أكثر من بلد ، وبشخصيات متعددة أيضا ، ومن جنسيات مختلفة ، فهناك فارس ورمزية من اليمن وهناك إيتو من افريقيا وكنان من تركيا وغيرهم ، بل هناك تراوديل بطلة القصة وفرانك من ألمانيا .وكل تلكم الأمكنة وتلكم الشخصيات يجمع بينها خيط واحد هو عالم الخرافات الذي لايكاد مجتمع من المجتمعات لايقع تحت وطأته .-هل تؤمن بالخرافات؟-أي خرافات تقصد؟خرافاتكم انتم أم خرافاتنا؟!ابتسم إيتو ..تعجبني ابتسامته، يشع منها وجه طفولي مضيْبأسنانه البيضاء.الخرافات هي الخرافات . عندنا أوعندكم أو هنا في ألمانيا .تقابلنا كما قلت شخصيات مختلفة لكنها تواجه قدرا واحداً هو الموت ، تتعدد أشكال معاناتها وطرق ملاقاتها لحتفها ، لكن النهاية واحدة .لم تكن الأماكن هي المتعددة ، ولا الشخصيات فحسب ، لكن الرواية ضمت أيضا تعددا آخر تمثل في الأجساد الحيوانية أو الأجسام المادية الصلبة وقد سكنتها الأرواح الشريرة التي حملت الموت لكل من صادفته في طريقها وحلت عليه لعناتها ، فهناك الساحرة وهناك الكلب الأسود والأعور ، والقطة السوداء ، والثور الهائج ، والرجل العاري شديد السواد وهناك الكتاب والوشم والجماجم والعظام ولعل أخطرها الخاتم الشيطاني .استطاع القاص والروائي ياسر أن يمسك بخيوط الرواية في يديه ، وأن يكبل القارئ بحبكات درامية متنوعة كان من شأنها أن تترك القارئ أسيرا لايملك إلا أن يتابع الأحداث ويجري وراءها لاهثا وهو يعيش وقتاً مملوءاً بالرعب والخوف والفزع . الرواية تتحدث عن الأرواح الشيطانية التي تسكن هذا العالم والتي تمتلك قدرة فائقة على أن تلقي بكل من يعترض طريقها ، فرمزية المسكينة تلقى حتفها في جوف جبلي عميق .ودوبي صديق إيتو يُقتل بطريقة وحشية ثم يتحول إلى شيطان أمامه ، كنان تدهسه شاحنة مسرعة وتلقي به بعيدا ، حسنة تعيش صراعا مميتا بينها وبين رجل عار أسود ((ارتفعا معا عن الأرض وبقيا معلقين في الهواء ، وهما في صراع شديد ، وصدرت عن الرجل صرخة كبيرة وبدأت تشتعل نار من القدمين من دون أن تلمس حسنة . أمسكت به بقوة كبيرة تفوق قدرتها الحقيقة ، وكانت النيران تأكله من أسفل جسمه ببطء ، وهويصرخ من الألم . حاول دفعها نحو السطح ، لكنها جرته إلى الأرض ولم تفلته من قبضتها . وصلت النار إلى صدره . وكانت صرخاته تزداد قوة ورعبا ، ثم نجح في أن يخرج إحدى يديه من قبضتها . وأمسكها من عنقها . ثم دفعها بقوة نحو النافذة وسقطا معا إلى أسفل السكن )).كانت تراوديل ،وهو اسم ألماني عريق ، بطلة الرواية المفترضة ، وإن كان للرواية عدة أبطال وبطلات باختلاف الحكايا وتعددها ، كانت قد تبدت لنا في أول الرواية بصحبة صديقها وكانا قد أضاعا الطريق ،واهتديا إلى كوخ خشبي على قمة جبل . كان الكوخ مهجورا وخربا ((الغبار يملأ المكان والعناكب نسجت بيوتها في كل زوايا الكوخ ))، وعاشا هناك تجربة سادها الرعب والخوف في عالم عششت في أرواح شيطانية .ثم ظهرت ثانية في الكلية التي يدرس فيها فارس الراوي للأحداث وهو حبيب رمزية القادم من اليمن إلى ألمانيا .وفي ختام الرواية عاودت الظهور مرة أخرى ، فكأنما أراد الروائي ياسر عبدالباقي أن يلفت انتباهنا إلى حقيقة مايمكن أن يجري فيما وراء النهاية ، فهو باختياره للنهاية المفتوحة للرواية ، إنما أراد أن يستفز أذهاننا لنكمل بدونه واتكاءً على ماحوته الرواية تخيل مايمكن أن يواجهه فارس العائد إلى بلده اليمن بعد إذ رافقته في الرحلة تراوديل بصحبة الخاتم الشيطاني ذاك ، وتخيل مايمكن أن تكون عليه خاتمته المحتومة ومصيره الذي لامفر منه .لا أرى أن للرواية بعداً سياسيا كما ذهب إلى ذلك أحدهم ، فما أراد ياسر سوى أن يظهر قدرته الروائية في عرض الفكرة وامتلاك ناصية القص في أسلوب مثير وممتع يدفع القارئ دفعا للسير معه حتى النهاية .نجاح آخر يحسب لياسر الروائي بعد نجاح روايته الأولى زهافار .