قال الشاعر والأديب الكبير سلامة موسى:(كن رجلاً ولا تتبع خطواتي).لقد شهدت دولة مصر العربية في فترة عهد الحكم الملكي الوراثي الذي يتزعمه الملك فاروق أشكالاً من الفساد القائم على الظلم والقهر النفسي وأصبح المواطنون المصريون يعانون من الهموم والمشاكل الاجتماعية والأزمة الاقتصادية الخانقة بسبب الفقر والجهل والبطالة والرشوة والغلاء الفاحش وتدني المعيشة والتلاعب بالنظم والقوانين واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان وكبت حريته الشخصية وتضليل عدالته الاجتماعية لذا يقول الأستاذ القدير سلامة موسى في إحدى كتاباته النقدية التي تتحلى بالخلفية الثقافية والخصائص الموضوعية الهامة إن المشكلة الأساسية القائمة اليوم في ميدان الفكر والأدب ليست مشكلة الصعوبة والسهولة على أساس توصيل الثقافة الإنسانية التي تعبر تعبيراً صادقاً ومباشراً عن ثقافة المجتمع الإنساني وعليه ان يكون مقياساً صحيحاً لطموحاته وحجم حريته المطلقة ولكنها في الحقيقة هي مشكلة الأدب الملوكي فالثقافة البرجوازية هي التي تخدمه في ظل السياسة الديمقراطية الليبرالية بكل المفاهيم والقيم والرؤية وتطلعات وعراقة مؤسساته الاقتصادية والخدماتية والثقافية ولكننا في الحقيقة نعلم وندرك تماماً إن مسألة الحدود الفاصلة بين الحرية المنفلتة والحرية المنضبطة مسألة صعبة ودقيقة وشائكة في الوقت نفسه ليس من سبيل لحلها سوى بصورة قاطعة وثابتة على أن هذه الصعوبة ليست سبباً كافياً للتهرب والتخلي عن القضية إذ إنها قابلة للتذليل وحسب الظروف الاجتماعية المتغيرة بالحوار العقلاني الذي يبدأ باعتراف الجميع بأنه لابد من حدود معينة يلتزم المواطنون باحترامها وفقاً لمقتضيات الميادين التي يعملون فيها.أما الأدب الديمقراطي فهو يعني المساواة في الحقوق والواجبات الإنسانية وكيف على الفرد في المجتمع الفاسد أن يدافع عن كرامته وحريته المطلقة ويتحرر من قيود التخلف فالحرية التي يطالب بها الإنسان هي حرية لنفسه وللآخرين لذلك فإن معظم الذين يعارضون الليبرالية في البلدان العربية باسم الهوية، والأصول والتقاليد والخصوصية التاريخية يوجهون اعتراضاتهم على الليبرالية المطلقة كما يرونها في الدول الغربية وفي بعض الممارسات في البلدان العربية وهذا يعطيهم أسباباً للتحفظ الشديد إزاءها ويعفيهم أيضاً من مسؤولية الخوض بجدية في حقيقة الحرية ومكانتها المرموقة في الوجود الإنساني.لقد استطاع الأدب الديمقراطي الملتزم بقضيته الإنسانية صاحب الضمير الحي تناول الكثير من حقائق الأمور السياسية، والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها تتجسد من خلال معالجة كافة القضايا والأفكار الإنسانية وغرس المفاهيم والقيم والمبادئ الإنسانية والسلوكيات الأخلاقية في نفوس المواطنين لذلك يجب من هذا المنطلق والحرص الشديد ان يكتب الكتاب لكافة السواد الأعظم من الناس البسطاء والمتعلمين، والمثقفين ثقافة دنيا، حتى يكونوا قادرين على الاستيعاب الأمثل لها ويتمكنوا من تنمية قدراتهم ومداركهم العقلية لذا يجب أن يعالج الأدب من ناحية العطاء الفكري الثقافي الذي يخدم التوجه الإنساني وتفسير الكثير من الظواهر السلبية في الحب والعشق والغرام والصراعات والخلافات السياسية والتناقضات الفكرية وحكمة تحسين مستوى معيشة المواطن المصري وكرامة وحرية شرف الإنسان وحرية الضمير الإنساني.ويقال إن هناك اديباً آخرا تهم سلامة موسى بانه يريد ان يدني الأدب ويحطمه ويفقده ارستقراطيته والعجيب في ذلك أن سلامة موسى لم يدع الى ادب شعبي الا بعد ان طرد فاروق من مصر، وكان من الممكن ان يقول هذا يوم كان فاروق في سرايا عابدين يشتري الذمم الادبية ويبيع الالقاب والرتب بدلاً من ان يحمل القلم اليوم ويصب اللعنات على الشعراء من امثال شوقي والجارم والاسمر.ولكن المنطق الصحيح يستدعي من سلاماً موسى ان يلعن هؤلاء الشعراء الذين باعوا ضمائرهم رخيصة نتيجة الطمع والجشع والانانية وحب الذات والترفع على الآخرين وانه لم تكن عادة ولم يكن اصطلاحاً ان يؤلف الشاعر بعض القصائد في إطراء الملك فاروق وكان الشعب يتوهم ويعرف عن فاروق انه مجرد ملك صالح ولم يعرف عنه انه فاسق فاجر فكان معظم فئات وشرائح المجتمع المصري يهتف له ويدعو الله ان يحفظه فينطلق هذا الدعاء على لسان هؤلاء الشعراء المنافقين الذين يلعنهم اليوم سلامة موسى ومن ثم فانه يتعين عليه ان يلعن عشرين مليون مصري هتفوا لفاروق.وقد خيل لسلامه موسى انه فعلاً كسب المعركة فأطلق قلمه يبحث عن آخرين من الأدباء ليسبهم وفي الواقع من حق كل إنسان مصري ان يصعد اكبر جبل في القاهرة ويصرخ ويقول (الادب لكم يامعشر الشعوب).إنها دعوة مسبوقة ولو كان فاروق بالأمس يفهم ان سلامة موسى سيحارب الأدب الذي قيل فيه لكان ارغم سلامة موسى ان يكتب في ابرز صفحة من اخبار اليوم ان الادب لفاروق، ولكننا لن نكذب سلامة موسى إذا قال انه قد يطلق الادب ويهجره لو طلب منه فاروق ان يعكس منطق الادب لإننا نعرف وفاءه للأدب ونعرف جيداً انه افنى ستين عاماً من عمره المديد يكتب للشعب ولاجل الشعب ولا ينكر ان سلامة موسى قد هيأ الشعب المصري للانقلاب الأخير الا متجاهل جاهل جحود لا يفهم كيف كان الشعب المصري يلتهم الشرر من مقالاته الشعبية.وأن قصة حياة سلامة موسى هي تاريخ اديب ثائر وحر ومكافح وصاحب رسالة.بقي ان تعرف لو ان فاروق طلب منه ان يكتب في ابرز صفحة من إخبار اليوم ان الادب لفاروق لما طلق الأدب وهجره والا كان كمن يعدم نفسه ويتلطخ بالعار الأبدي بل انه كان سيلعن فاروق لو وجدت آنذاك صحيفة تنشر له لعناً في ابرز صفحة من صفحاتها وبقي ان تعرف ايضاً ان المنافقين من الشعراء وحدهم هم الذين كانوا يحرقون البخور تحت اقدام الملك الصالح ويحيطونه بهالة قدسية من خلال تسبيحهم وتهليلهم وعلى رأس هؤلاء المنافقين الأشرار بعض الأدباء والمفكرين مثل العقاد واما الشعب المصري فقد كان يلعن الملك فاروق صباحاً ومساءً ويعرف انه طاغية وجلاد ورئيس عصابة وجاه ونفوذ يحمل على رأسه تاج الملوك ويوم كان الملك فاروق في سرايا عابدين يشتري ذمم الأدباء ويبيع الألقاب والرتب.كان سلامة موسى وأمثاله من الأدباء والمفكرين الأحرار الذين يطالبون بإسقاط النظام الفاسد وإقامة النظام الديمقراطي العادل والسيادة الوطنية والأمن والاستقرار وحرية الإنسان والعدالة الاجتماعية ويكتبون للشعب ادباً ثرياً يدعو للثورة المقدسة وكل من كان يقرأ الأعمال الإبداعية لسلامة موسى والأدباء الأحرار وينفذ من ثنايا السطور إلى ماوراء الكلمات كان يسمع بآذان قلبه لعنات عشرين مليون مصري تتهاوى على رأس الملك فاروق وتحيل قوائم العرش الذي يجلس عليه الى سفافيد من نار.
|
ثقافة
آفاق وتطلعات المبدعين في ميدان الفكر والأدب
أخبار متعلقة