الدكتور علي جحاف- مدير عام صحة الأسرة لـ : 14اكتوبر
حاوره/ زكي الذبحاني وقحطان حاجبخمسة وثلاثون عاماً من العطاء وقاية للأجيال توجت لقاح شلل الأطفال الفموي بنجاحات تماهي أثرها في وقاية مئات الآلاف من الأطفال - إن لم نقل الملايين- من عنفوان إعاقة حركية وحشية لا جدوى أو أمل في شفائها متى نشبت جذورها واتسمت تقاسيمها؛ لتلازم المعاق في صغره ثم في كبره حتى يوافيه الأجل..تماهت في ثنايا الحوار الذي أجريناه مع الدكتور/ علي محمد جحاف- مدير عام صحة الأسرة بوزارة الصحة، تفاصيل شيقة كشفت النقاب عن خفايا كثيرة اكتنفت اللقاح الفموي المضاد لفيروس شلل الأطفال، نستعرضها بالتزامن مع انطلاقة الحملة الاحترازية للتحصين ضد شلل الأطفال التي يُشرع في تنفيذها من منزلٍ إلى منزل من(6 - 8أكتوبر2013م) في (13)محافظة من محافظات الجمهورية.ولنبقى - إذن- مع الحوار وما دار خلاله في السياق التالي: تجنبا لعودة الفيروس- تشهد بلدان الجوار الأفريقي كالصومال وكينيا وأثيوبيا وجنوب السودان انتشاراً لفيروس شلل الأطفال امتد على نطاقٍ واسع في حين أن المتسللين من بعض هذه الدول يتدفقون باستمرار إلى اليمن.. ما طبيعة الإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة منعاً لدخول حاملي عدوى هذا الفيروس إلى البلاد؟ -- وزارة الصحة بادرت منذ الإعلان عن ظهور حالات الشلل في الصومال الشقيق إلى التواصل مع مكاتب الصحة بالمحافظات لاتخاذ إجراءات استثنائية لتكثيف أنشطة التحصين وبالذات للأطفال دون سن الخامسة لتتضمن المناطق التي يمر بها ويتواجد فيها اللاجئون، ومنها تنظيم حملات تطعيم مُصغرة تستهدف الإخوة الصوماليين من جميع الأعمار في جميع مراكز تجمعاتهم وعند منافذ الدخول إلى البلاد، وتكثيف أنشطة التحصين ضد شلل الأطفال في مخيماتهم ومناطق سكنهم، وقد تم ذلك بالتنسيق والتعاون المشترك مع منظمتي الصحة العالمية واليونسيف ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين.وفي بداية شهر يونيو 2013م تم تنفيذ حملة تحصين احترازية شملت المحافظات ذات الخطورة العالية وأعقبتها في مطلع يوليو الفائت جولة ثانية شملت جميع المحافظات. وفي جميع هذه التدخلات أو تلك أبدت مكاتب الصحة بالمحافظات مسؤولية واهتماماً كبيرين من أجل منع عودة فيروس شلل الأطفال إلى اليمن من جديد؛ بما يعزز الحفاظ على خلو وطننا الحبيب من فيروس الشلل الذي تحقق له منذ عام 2006م، وتوج بعد ذلك بإشهاد خلو البلاد تماماً من الفيروس عام 2009م من قبل منظمة الصحة العالمية.وأود الإشارة هنا - رداً على سؤالك- إلى أنه ليس من الإجراءات المتبعة عالمياً منع دخول أي مشتبه يحمل فيروس الشلل أو القادم من دولة حدث بها الوباء، وإنما تتخذ حيالهم إجراءات صحية خاصة تحول دون نشرهم للمرض بين أوساط المجتمع. لقاح متعدد الجرعات- جرعتان أو ثلاث جرعات من لقاح شلل الأطفال ألا تكفي لتعطي الفعالية المطلوبة؟ وما جدوى تعدد جرعات هذا اللقاح؟ -- هناك ضرورة وقائية تفرض تكرار جرعات لقاح الشلل، ففي اليمن حوالي(200 ألف)طفل دون العام لا يتم تطعيمهم في كل عام باللقاحات الروتينية التي تقدمها المرافق الصحية ومنها اللقاح المضاد لشلل الأطفال، ويزداد عددهم بالمثل سنوياً ويتراكمون ليشكلوا فجوة كبيرة في الحالة المناعية لأطفال اليمن، كونهم ضمن مرحلة عمرية مبكرة يكونون خلالها غير مكتملي المناعة وعرضة للإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها بالتطعيم ومن ضمنها مرض شلل الأطفال، وبهذه الكيفية تبدو الفرص مواتية والقابلية للإصابة عالية في حال أن تمكن فيروس الشلل من دخول البلد مجدداً؛ بما يعزز انتشاره أكثر متى حرموا تماماً من التحصين أو لم يحصلوا على المزيد من جرعات اللقاح الفموي المضاد للمرض، فكلما زاد عدد الجرعات التي يتلقاها الطفل ارتفعت وقوت مناعته أكثر وأكثر الأمر الذي يفرض تنظيم المزيد من حملات التطعيم، فمن خلالها يحصل الأطفال على لقاح شلل الأطفال مرات متعددة، وعندما تضاف إلى ما يحصل عليه الطفل من جرعات أثناء التحصين الروتيني فلا ضير في ذلك، باعتبار أن لقاح فيروس الشلل كلما تعددت جرعاته يزيد من جاهزية الحالة المناعية للطفل واستعدادها بفاعلية للوقاية من المرض دونما مشكلة.جودة التصنيع - تعكف مؤسسات البحوث الطبية والشركات المصنعة باستمرار على التطوير المستمر للقاحات المختلفة لتحسين الجودة وزيادة الكفاءة.. فماذا عن لقاح شلل الأطفال الفموي هل تنطبق عليه معايير صارمة عند التصنيع؟ -- أصدرت منظمة الصحة العالمية معايير لتنظيم هذا الجانب، وتتخذ إجراءات صارمة بحق أي معملٍ تصنيعي إنتاجي يخالف تلك المعايير.ولقاح شلل الأطفال يتبع المعايير ذاتها ويحضر في معامل عالمية تخضع لرقابة ومتابعة محلية وخارجية،والجمهورية اليمنية واحدة من بين أكثر من (150) دولة في العالم لا تشتري اللقاح إلا من المعامل المصرح لها من منظمة الصحة العالمية وعبر منظمة اليونسيف.وهذا اللقاح عبارة عن الفيروس نفسه ولكن في حالةٍ من الضعف لا يقوى معها على التسبب بالمرض، وإنما يكون قادراً على استثارة الجهاز المناعي لتكوين المناعة الكافية للوقاية من الفيروس إذا حدث وأن هاجم الجسم.قوة وفعالية وقائية- طالما أن هناك لقاحاً حقنياً ذي كفاءة عالية على تأمين الحالة المناعية المطلوبة ضد فيروس الشلل.. لماذا لا تلجأ وزارة الصحة لشراء هذا اللقاح بدلاً من الفموي؟-- هذا لا ينفي جودة اللقاح الفموي المضاد لفيروس شلل الأطفال، بل إنه لقاح فعال جداً، يعد المرتكز الأساسي لمكافحة هذا المرض، حيث أثبت فعاليته طوال عقودٍ طويلة من استخدامه. وقد حققت اليمن الخلو من فيروس شلل الأطفال- بتوفيق من الله- منذ العام 2006 م وحتى الآن باستخدام هذا النوع من اللقاح, وكذلك غيرها من الدول تستخدم نفس اللقاح.بينما لا يوصى باستخدام اللقاح الحقني إلا عند بلوغ التغطية باللقاح الروتيني نسبة لا تقل على (90 %)، مع تدني احتمال دخول الفيروس إلى البلاد، وهذان العاملان ليسا متوافرين حالياً، علاوة على كلفته الأعلى بكثير من اللقاح الفموي.مما يعني أن اتخاذ القرار بإدخال اللقاح الحقني تحكمه عوامل وشروط متعددة؛ كالتي ذكرتها.عراقة35 عاما- منذ متى أدمج لقاح شلل الأطفال لأول مرة في اليمن ضمن التطعيمات الروتينية؟ وكيف يقاس نجاحه أو إخفاقه على المديين القصير والطويل؟-- أدرج لقاح شلل الأطفال في اليمن ضمن التطعيمات الروتينية بالمرافق الصحية منذ تأسيس البرنامج الوطني للتحصين الموسع عام 1978م ، وعلى مر (35) سنة من استخدامه ثبت أنه لقاح عالي المأمونية والفاعلية، ويؤيده تجربة جميع البلدان التي تستخدمه.إن معظم الجيل الشاب في سن الثلاثينيات ودون هذه السن من الذكور والإناث في اليمن قد تلقوا هذا اللقاح في طفولتهم وما من مشكلة حدثت لهم، وكثير منهم تزوج وأنجب أطفالاً بشكل طبيعي، وأمام هذه الأدلة الواقعية الحيَّة لن ألجأ للرد على إشاعة تأثيره على عملية الإنجاب إلى الأدلة العلمية. وأكتفي بالقول أن اليمن في الوضع الحالي واحدة من أعلى بلدان العالم خصوبة ومتوسط ما تنجبه المرأة اليمنية يتراوح ما بين (6 - 7)أطفال خلال فترة حياتها الإنجابية، وما يشاع للأسف يأتي من ذوي المواقف السلبية تجاه التحصين ولا يستندون إلى أي دليل علمي أو عقلي أو أخلاقي، بل يأثمون لتسببهم بحرمان بعض الأطفال من الحصول على حقهم في الرعاية الصحية والوقاية من مرض خطير يتربص بغير المطعمين ليصيبهم ويكبلهم بقيود إعاقة دائمة تلازمهم مدى الحياة، أو في أسوأ الأحوال يسبب لهم الوفاة.الإسناد المجتمعي- ما أهمية المؤازرة المجتمعية كالأوقاف والتربية والسلطة المحلية بما يعزز نجاحات حملات التحصين؟وكيف تبلورونها على الواقع؟-- الإسناد ومد العون من جهاتٍ ومؤسسات كخطباء المساجد والمدارس والمجالس المحلية والإعلام بمختلف وسائله وأدواته ورسائله التوعوية البناءة يعتبر غايةً في الأهمية. كما أنه مطلوب من القطاع الصحي، لأننا لا نستطيع إنجاز العمل لوحدنا بالمستوى الذي يضمن النجاح بالكامل والتغطية الشاملة للمستهدفين بالتطعيم من الأطفال.كيف لا؟ وأمر التحصين يرتبط بالجميع ومسؤولية على عاتق كل أبٍ وأم وكل فرد فاعل في هذا الوطن الغالي..بروح المسؤولية التي يجب أن يتحلى بها الجميع، فإن الأبناء المستهدفون بالتطعيم هم أبناؤهم والحفاظ على صحتهم من خلال التحصين الصحي مسؤولية على عاتقهم.من هنا فإن بلوغ جميع الأطفال دون سن الخامسة في كل منطقة وقرية ومنزل بالمحافظات المستهدفة لتطعيمهم ضد شلل الأطفال في حملة التحصين الاحترازية الممتد تنفيذها خلال الفترة من(6-8 أكتوبر2013م) من منزلٍ إلى منزل، إنما يستلزم مساندة الجهات التي ذكرتها وكذا الشخصيات والرموز الاجتماعية الفاعلة في المجتمع وقيام كلٍ بدوره الذي أنيط به، حيث تستهدف هذه الحملة تطعيم جميع الأطفال دون سن الخامسة حتى من سبق تحصينه بغض النظر عن عدد الجرعات التي تلقاها سبقاً، وذلك في كلٍ من أمانة العاصمة ومحافظات(عدن، تعز، أبين، المكلا، الحديدة، شبوة، حجة، لحج، البيضاء، عمران، صعدة، المهرة).إرشادات ختامية-ما طبيعة الإرشادات أو النصائح التي توجهها إلى المجتمع بما يلبي تطلعات وزارة الصحة للتغطية الشاملة للمستهدفين من الأطفال دون سن الخامسة بلقاح التحصين؟-- نناشد كافة الآباء والأمهات الأعزاء بالمحافظات المستهدفة في حملة التحصين الاحترازية ضد داء الشلل بإسناد حملات التحصين بما يضمن نجاحها وأقول لهم: إن القول الفصل لنجاح مثل هذه الحملات يكمن في إصرارهم على تطعيم أطفالهم دون سن الخامسة بلا استثناء، وكل ما يُبذل من جهود على جميع المستويات وما يحشد من موارد وأموال وما يتم تجنيده من عشرات الآلاف من فرق التطعيم - ذكوراً وإناثاً- كل ذلك لا يمكن أن ينجز شيء أو يحقق النجاح ما لم تكونوا أنتم من يريد أن يؤدي بعض مسؤولياته نحو أبنائه، وما لم تكونوا ترجون من التحصين أن يحقق نفعاً لأبنائكم فتؤدون هذا الحق لتجنبوا أطفالكم من الوقوع في منزلق الإصابة بشلل الأطفال.أما من لا يروقه تأمين الوقاية لأطفاله أو يشككك في نفع التحصين فيمنعه عن أبناءه إنما يسعى في إلحاق الضرر بالطفولة.وأتوجه بالشكر والتقدير لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف على دعمهما المساند والسخي لحملة التحصين الاحترازية ضد شلل وجهودهما الدءوبة الداعمة لوزارة الصحة من أجل مستقبل الأجيال في وطننا الغالي.