بعد جدال واسع ومناقشات حادة لسنوات، بعضها ذات منطلقات وطنية واضحة في رؤيتها وبعضها من دون رؤية، حول قضية الفيدراليات والولايات والمحافظات، ومستقبل الدولة الجديدة من تحقيقها، حتى تم صياغتها وقدمت في أكثر من رؤية إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ومازالت القضية مثار جدال، ومازال الجميع يناضل بسلمية لتثبيت وجهة نظره، وبين الرفض والقبول وبين هذا وذاك، تظل غالبية الناس مغيبة عن حقيقة المتصارعين، ونحن نغوص بين الجميع نبحث ونستعرض أهم جوانب الأهداف والأسباب والنتائج من تحقيقها أو خلافه.من زمان ونحن نقول يا جماعة صلوا على النبي واستهدوا بالله، واشحنوا قلوبكم صلوات واسمعوا تماما ماذا تعني القضية التي يقول البعض بأنها ضد الوحدة والبعض يقول تقسيم البلاد إلى ولايات فيدرالية والبعض إلى محافظات بصلاحيات كاملة، وكل هذه هل تعني تمزيق البلاد أم تعميق الانتماء الوطني؟! وقبل أن نرفض أو نقبل لابد من التفكير في المؤشرات التي تقنعنا بأن نقف مع الموقف الصحيح الذي يحقق مصالحنا ولا يكرر أخطاءنا القاتلة.ونبدأ المسألة خطوة خطوة، من زمان جدتي ونحن مقسمون مثل كل الدنيا، كان الشمال مقسما قبل أن يوحده الإمام بالحروب، وكان الجنوب مقسما قبل وبعد الانجليز، وبعد الثورة استمر الشطران في التقسيم، وقبل الوحدة كنا شطرين ودولتين وكيانين سياسيين مستقلين، وكل شطر (مقسم) إلى محافظات ومديريات، وبعد الوحدة لاحظوا بأنها استمرت مقسمة الى محافظات ومديريات، وفي كل منها أجهزة (تمثل المركز) مسؤولة عن حكمها وشاهدة على إخفاقات تنميتها وفسادها، حتى بعد المجالس المحلية وممثلين لمجلس النواب غير عادل، بهدف المحافظة على المركزية وكانت النتيجة الطبيعية لهذا استمرار خمسين سنة من المعاناة والتدهور لأوضاع المواطنين المعيشية التي لم تشهد تحولات حقيقية ملموسة لتغيرها نحو الأفضل في كل المحافظات خاصة الزراعية التي أهملت والأمثلة كثيرة على تلك الاختلالات السياسية وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه وستوصلنا الى ما هو أسوأ اذا لم نستخدم عقولنا بألا ننجر وراء الدعوات التي لا تخدم مصالح الشعب الوطنية.ويتضح هنا أن المشكلة ليست في المسميات بل في عدم الاقتناع بوضع النهج الكفيل بالتحرر من قيود المركزية التي أثبتت فشلها، لذلك يتوجب الانتقال إلى حصول أبناء المحافظات أو الولايات على الحرية لممارسة حقهم الوطني المشروع في قيادة إدارة شؤون أهاليهم وإدراكهم لأولويات مناطقهم كونهم أكثر دراية من غيرهم والأقرب إحساسا بمسؤولياتهم تجاهها، وما ينبغي أن تشهده من نمو حقيقي لتغيير حياتهم في تنفيذ مشاريع التنمية فيها التي ظل الفساد والإخفاقات يهدران أموالها ويتركان إمكانياتها وثرواتها عرضة للنهب والاندثار، كما أن المميزات والمقومات التي تمتلكها هذه الولاية او المحافظة لا تمتلكها أخرى، ما يساعد على توفير أساس مهم لا غنى عنه في نشوء التكامل الاقتصادي والتكافل الاجتماعي وتحسين الأوضاع المعيشية لسكان هذا الجزء أو ذاك، ويعزز روابطهم الاجتماعية وانتماءهم الوطني الذي لا يعني التجزئة والتمزيق للناس والبلاد، بقدر ما هو وسيلة نتفادى بها مآسي أخطاء الماضي والمضي نحو المستقبل.ومن زمان لو كنا منحنا هذا الحق لأبناء كل محافظة في إدارة شؤونهم ووضع الخطة الكفيلة بالتوسع والتطوير في الزراعة والتربية الحيوانية والأسماك والأحياء البحرية وترشيد اصطيادها وحمايتها من العبث ودعمنا إنشاء التعاونيات للشباب وأقمنا المصانع المتنوعة لتعليب منتجات ثرواتنا هذه، وكذلك إقامة مصانع للصناعات التحويلية للنفط والغاز في مناطق تواجدها كنا قد (وفرنا آلاف فرص العمل لكافة المهن)، وبإنشاء المساكن، المدارس، المستشفيات، الكهرباء، المياه، الطرقات والاتصالات نكون قد وفرنا عوامل الاستقرار الاجتماعي لسكان كل منطقة ما سيجعلهم يشعرون بآدميتهم وإنسانيتهم وبأنهم يعيشون الحياة المدنية المتطورة.وكل ذلك سيسهم في تعزيز روابط العلاقات الاجتماعية بين المناطق ببعضها والاستفادة من مردود الناتج لصالح تطويرها، وازدهار الوطن لا يكون الا بتلك المعايير التي تحقق مؤشرات التقدم الاجتماعي الجديد لحياة الناس.
|
آراء
اقتصاد الفيدراليات
أخبار متعلقة