دمشق كما سكنت القلوب سكنت أبيات الشعر، ما من شاعر عربي إلا وسكنته دمشق واستوطنت وجدانه حتى ولو كانت مجرد زيارة قصيرة، فدمشق لا تعرف الترانزيت، بل هي تحترف الإقامة الدائمة والبصمة المزمنة حتى ولو غادرتها جسداً، فهى في عمق الروح، كتب عنها أمير الشعراء أحمد شوقي إبان القصف الفرنسي الوحشي عليها 1925 بقيادة الجنرال سيراي والذي دمر أجمل وأروع مبانيها القريبة من سوق الحميدية، تركها خرابة وأطلالاً ورماد حريق، حتى إن السوريين أطلقوا على المنطقة المدمرة اسم «الحريقة»، وما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه أمريكا بفرنسا وما أشبه الجنرال أوباما بالجنرال سيراي، يقول شوقي:سلام من صبا بردى أرقّودمع لا يُكَفكَف يا دمشقُ وذكرى عن خواطرها لقلبيإليكِ تلفّتٌ أبداً وخفقُلحاها اللهُ أنباءً توالَتعلى سمعِ الوليِّ بما يشقُّوقيلَ معالمُ التاريخِ دُكَّتوقيلَ أصابها تلفٌ وحرقُدمُ الثوّار تعرفه فرنساوتعلم أنه نورٌ وحقُّنصحتُ ونحن مختلفون داراًولكن كلّنا في الهم شرقُوقفتم بين موتٍ أو حياةفإن رُمتم نعيم الدهر فاشقواوللأوطان في دم كل حريدٌ سَلَفت ودينٌ مُستحُّقولا يبنى الممالك كالضحاياولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّوللحرية الحمراء بابٌبكلِ يدٍ مضرجةٍ يُدقُّجزاكم ذو الجلال بنى دمشقوعزُّ الشرق أوله دمشق- كتب عنها ابنها نزار قباني الذي خلدها شعراً ونثراً فكانت سيدة المدن التي تربعت على عرش وجدانه، أقتبس من نزار هذه الأبيات عن دمشق الفيحاء:هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُإنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُأنا الدمشقي لو شرّحتمُ جسديلسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُولو فتحـتُم شراييني بمديتكـم سمعتمُ فى دمي أصواتَ من راحوازراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا وما لقلـبي -إذا أحببـتُ- جـرّاحُألا تزال بخير دار فاطمة فالنهد مستنفر والكحل صبّاحإن النبيذ هنا نار معطرة فهل عيون نساء الشام أقداحمآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني وللمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُللياسمـينِ حقـولٌ في منازلنـاوقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُطاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُهذا مكانُ «أبي المعتزِّ» منتظرٌ ووجهُ «فائزةٍ» حلوٌ ولمـاحُهنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟- كتب عنها الشاعر الفلسطينى محمود درويش:فى دمشق تطير الحماماتخلف سياج الحريراثنتين اثنتينفى دمشق أرى لغتي كلها على حبة قمح مكتوبةبإبرة أنثى ينقحها حجر الرافدينفى دمشق تطرز أسماء خيل العربمن الجاهلية حتى القيامة أو بعدهابخيوط الذهبفى دمشق تسير السماء على الطرق القديمةحافية حافيةفما حاجة الشعراء إلى الوحي والوزن والقافية- وكتب عنها شاعر العراق الجواهري:شممـت تربـك لا زلفـى ولا ملقاوسـرت قصدك لا خبّـا ولا مذقاومـا وجـدت إلى لقيـاك منعطفاإلا إليـك ومـا ألفيـت مفتـرقاكنت الطـريق إلى هاو تنـازعـهنفـس تسـد عليه دونها الطرقـاوكـان قلبي إلى رؤيـاك باصـرتيحتى اتهمت عليك العـين والحدقـاشممت تربك أسـتاف الصّبا مرحـاوالشــمل مؤتلفا والعقـد مؤتلقاوسـرت قصدك لا كالمشـتهى بلدالكن كمن يشـتهي وجه من عشـقاقالوا «دمشـق» و«بغداد» فقلت همافجر على الغد من أمسـيهما انبثقادمشــق عشـتك ريعانا وخافقةولمـة العيـون السـود والأرقـاتموجـين ظلال الذكريات هـوىوتسـعدين الأسـى والهمّ والقلقا
|
آراء
يا دمشق.. إذا احترقت البيوت.. فهل تحترق الأبيات؟
أخبار متعلقة