إعداد/ د. محمد أحمد الدبعيسوء التغذية لا يقتصر حدوثه على المجتمعات الفقيرة- كما يعتقد البعض- نتيجة عدم وفرة الطعام، بل من الممكن حدوثه- أيضاً- في المجتمعات الغنية لارتباطه بسوء اختيار الغذاء..هي آفة آخذة في الاتساع المستمر في بلدنا اليمن - مع الأسف الشديد- من جراء اتساع فجوة الفقر ورداءة أحوال الاقتصاد والمعيشة والنزوح الكبير لآلاف الأسر من بعض محافظات ومناطق البلاد- بشكلٍ غير مسبوقٍ- على أثر اتساع دائرة الحرب وعمليات الاقتتال التي شهدتها البلاد لشهورٍ طويلة خلت.ويمكن تعريف سوء التغذية: بالحالة التي لا يحصل فيها جسم الإنسان على القدر الكافي من المواد الغذائية اللازمة، بمعنى عدم توازن الغذاء؛ سواءً كان تناوله بإفراط أو نقص. إذ ثمة رابط قوي بين الغذاء والصحة، فالغذاء ضروري لحياة الإنسان ونموه وحيويته ونشاطه ومقاومته للكثير من الأمراض، وبالمقابل يُسفر العوز في المكونات الغذائية الأساسية عن الإصابة ببعض الأمراض والعلل، كذلك عند عدم توازنه أو غياب الاهتمام بنظافة ما نتناوله من أغذية أو لدى الإبقاء عليها عرضة للتلوث؛ ضمن سلسلة من المعوقات ذات الصلة بشيوع الجهل في المجتمع بأسس التغذية السليمة وجنوح الكثيرين إلى عادات غذائية غير صحية لا تلبي حاجة الجسم بقدر ما تلحقه من أضرار؛ كعسر الهضم وسوء الامتصاص وأمراض أخرى تبدو - بطبيعة الحال- أكثر خطورة ووخامة على الرضع وصغار الأطفال والنساء الحوامل عموماً.ولا مراء في وصف الحال المترتب على نقص المكونات الغذائية الأساسية بالخطير وبخاصة في حالة العوز الوخيم، لدرجة أن نقص عنصر واحد- على الأقل- من عناصر المجموعات الغذائية الثلاثة الرئيسية المكونة للغذاء المتوازن؛ يُعد كافياً للتعرض لمرضٍ من أمراض سوء التغذية، وهذه المكونات الغذائية تتلخص في:-أغذية الطاقة: (الحبوب ومنتجاتها- الزيوت- السكريات).أغذية النمو: (اللحوم بأنواعها- الألبان ومنتجاتها- البقوليات).أغذية الوقاية: (الخضراوات - الفواكه). ويعتبر الأطفال الصغار والنساء الحوامل والمرضعات أكثر الفئات عرضة لسوء التغذية، وذلك لاعتبارات كثيرة، فالطفل في حالة نمو وتطور متسارع يبدو فيه بحاجة إلى رضاعة طبيعية خالصة من الأم من بعد الولادة مباشرةً وحتى انتهاء الشهر السادس من عمره، ثم في مرحلة لاحقة بعد الشهر السادس وإلى أن يبلغ من العمر عامين كاملين يكون بحاجة إلى عناصر غذائية متكاملة من تلك المجموعات الغذائية الثلاثة، إلى جانب لبن الأم.أما الأم الحامل، فتحمل بداخلها جنيناً يتسارع نموه ويتطلب نيله عناصر غذائية تفي وتلبي احتياجه الذي لا يصل إليه إلا بواسطة أمه؛ ومن قبيل تعويضها بعناصر الغذاء التي يستهلكها نمو الجنين. أما بالنسبة للمرضعات فإنهن بحاجة إلى عناصر غذائية كافية لدعم مخزون أجسامهن ومدهن بالمكونات الغذائية اللازمة لإنتاج الحليب لأطفالهن الرضع.ويبدو جليا أن المشكلة مَرَدها إلى الجهل بأسس التغذية السليمة وعدم معرفة القيمة الغذائية للأطعمة المختلفة، ويتجلى في سوء الاختيار والإعداد غير السليم للمأكولات بما يجعل الجسم عرضة لشكلٍ أو لأكثر من أشكال سوء التغذية، مثل:- - نقص الوزن الطبيعي للجسم. - النحافة والهزال. - تضخم الغدة الدرقية نتيجة نقص اليود.- العشى الليلي لنقص فيتامين( أ ) بالجسم.- فقر الدم بسبب عوز الحديد.- قصر القامة لدى الأطفال.وفي سياقٍ متصل، هناك تباين جلي وواضح في أمراض سوء التغذية من بلد إلى آخر لاختلاف العوامل الاقتصادية والصحية والاجتماعية فيما بينها، ولكن أسبابها كثيراً ما تكون متداخلة مع بعضها البعض حتى أنه يصعب التفريق بينها، وأبرز هذه الأسباب :1 - نقص أحد مكونات الغذاء أو أحد المغذيات في الوجبة بما يكفي للإصابة بسوء التغذية، ولنأخذ على سبيل المثال نقص البروتين والطاقة اللذان يؤديان إلى اعتلال الصحة واختلال السوائل وانخفاض مقاومة الجسم للأمراض المعدية؛ بسبب عدم كفاية الغذاء لتلبية احتياجات الجسم من هذه العناصر الغذائية.فبينما يمكن أن يؤدي نقص فيتامين(أ) إلى تدني الرؤية الليلية والحول أو إلى فقد البصر في الحالات الشديدة، نجد نقص اليود مسؤولاً عن إصابة الغدة الدرقية (تورم الغدة الدرقية) والتخلف العقلي واعتلال المخ لدى الأطفال وكذا عدم الإنجاب.في حين يمكن لنقص الحديد التسبب بفقر الدم التغذوي ومشكلات في الحمل وضعف أو توقف النمو بالنسبة للأطفال وانخفاض المقاومة للأمراض المعدية - فضلاً- عن الإعاقة العقلية وتأثيراته السلبية على النمو الحركي على المدى الطويل.2 - المجاعات، حيث تشكل إحدى صور سوء التغذية. 3 - سوء الهضم أو الامتصاص لإحدى العناصر الغذائية في الغذاء أو أكثر؛ مع أن الطعام المتناول متكاملاً لا تنقصه هذه المكونات. 4 - انحسار الرضاعة الطبيعية والفطام المبكر.إن أعراض سوء التغذية-عموماً- تختلف تبعاً لنوع الاضطراب الذي يلحق بالإنسان، لكننا سنورد أعراضه العامة وأهمها: (الإرهاق- الدوار- نقص الوزن- تناقص الاستجابة المناعية لجسم الإنسان- تلبك الهضم وانبعاث الغازات- الاكتئاب- الإسهال- الجفاف).وإذا ما ترك سوء التغذية من دون علاج، فسيؤدي بالطبع إلى تغير في هيكل الجسم ووظائفه (البيو كيميائية) كالاضطرابات المتصلة بالدم المتمثلة بالنزيف.وفي مراحل متقدمة لسوء التغذية يصبح الجلد جافاً وتتساقط الأسنان وتتورم اللثة وتنزف، ويصبح الشعر جافا ومتقصفا ومن ثم يتساقط. كما تتقعر الظفار وتصبح هشة ويضعف النظر وتتأثر العظام وتتألم المفاصل.وتعتمد الاختبارات والفحوصات التي تُجرى لاكتشاف سوء التغذية على الاضطراب المتصل بها، إلا أن معظمها متصلاً بتقييم الشخص من الناحية الغذائية وبواسطة اختبارات الدم.أما معالجة سوء التغذية فغالباً ما يتم عن طريق إمداد الجسم بالمواد الغذائية التي تنقصه وعلاج الأعراض، وكذا علاج أي اضطرابات غير صحية تنشأ عن سوء التغذية. بينما إذا لم يُعالج سوء التغذية فمن الممكن أن يؤدى إلى إعاقة عقلية أو جسدية أو مرض عقلي أو جسدي يقود- أحياناً- إلى الوفاة.ومما لا شك فيه أن للتغذية الأثر الأكبر في نمو الفرد؛ ليس منذ ولادته فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل بدايات تكون الجنين في بطن أمه، فالمرأة الحامل إذا ما عانت نقصا في نوعية الغذاء الذي تتناوله؛ فإن لهذا الأمر الأثر البالغ والخطير على حياة الطفل وطريقة نموه.وسنتحدث في إطار سوء التغذية عن الجزئية المتعلقة بالنساء الحوامل والمرضعات، كون قسم منهن في مجتمعنا عرضة لهذه المشكلة، وقسم آخر يعانينها بالفعل، ولا أرى ضرورة لتسليط الضوء في هذا الإطار على كل أسباب سوء التغذية على اتساعها؛ إنما يكفي تناول سببين فقط من الأسباب الشائعة: الأول عوز الحديد (فقر الدم) وهو الأوسع انتشاراً، وترجع أسبابه إلى:-- عدم تناول الأغذية الغنية بعنصر الحديد، وكذلك الغنية بفيتامين(ج) الذي يساعد على امتصاص الحديد.- سوء امتصاص الحديد بسبب شرب الشاي أثناء الأكل أو عقبه مباشرة. - الجهل بأسس التغذية السليمة. - الإصابة ببعض الطفيليات. ولدى من يعاني عوز الحديد وفقر الدم الناتج عنه؛ تبدو عليه أعراض وعلامات واضحة، مثل(شحوب الجلد والغشاء المخاطي للفم والعينين وتحت الأظفار- حدوث تغيرات في اللسان والفم وأطراف الأصابع- ازدياد ضربات القلب- تورم القدمين- زيادة احتمال حدوث العدوى).وتتم الوقاية من عوز الحديد من خلال تناول الأغذية الغنية بعنصر الحديد التي نحصل عليها من مصادر حيوانية مثل: (اللحوم الحمراء- الكبد- صفار البيض)، وكذلك من مصادر نباتية: (كالخضراوات الورقية الداكنة اللون- الفول- العدس- الحلبة- التمر- الدقيق المدعم بالحديد). نأتي إلى سببٍ آخر من أسباب سوء التغذية وهو نقص اليود: ذلك العنصر الضروري لجسم الإنسان والحيوان والذي تحتاجه الغدة الدرقية للإنسان لإنتاج هرمون (الثيروكسين) الضروري والأساسي لنمو وتطور الدماغ والجهاز الهضمي.ونقص اليود في الجسم مكمنه قلة هذا العنصر في الغذاء الذي نتناوله، حيث من المعلوم أن البحر الممول الوحيد للتربة بهذا العنصر الفريد والوفير في الأسماك والأطباق البحرية، الأمر الذي يؤدي إلى افتقار التربة في المناطق العالية لعنصر اليود بدرجة كبيرة، وبالتالي لا وجود له في الخضراوات التي تزرع فيها.وعوضا عن هذا النقص، يجب تناول الأغذية التي تحتوي على هذا العنصر؛ مثل الأسماك والملح المضاف إليه اليود. وأهم ما يقود إليه نقص اليود من تأثيرات على الكبار: إسقاط الحمل، وفى المراحل المتأخرة لهذا النقص يؤدي إلى ظهور تضخم في الغدة الدرقية.أما بالنسبة للأطفال فقد يقود إلى:(وفاة الطفل الرضيع- التخلف العقلي- قصر القامة- انخفاض مستوى الذكاء أو التخلف العقلي في أسوأ الأحوال).بالتالي يمكن اللجوء إلى عددٍ من الإجراءات للوقاية من أجل الحد من هكذا مشكلة عبر تشجيع الأسر على استهلاك الملح المضاف إليه مادة اليود والتعرف ملياً على علامته المرسومة على كيس الملح وتناول الأسماك مرة إلى مرتين في الأسبوع .وأوجه عناية صائمي شهر رمضان إلى أهمية الانتقاء الجيد للأغذية واتباع الإرشادات الصحية والسليمة عند تحضير وطهي الأطعمة المختلفة ولدى تناولها؛ بالشكل الذي يحفظ لها مقوماتها وسلامتها وفوائدها الغذائية ويضمن انتفاع أفراد الأسرة منها، وكذلك أن يحرصوا على توازن الوجبات من خلال تناول العناصر الغذائية المتكاملة والعمل على ثبات السعرات الحرارية لديهم، لأن الجسم يحتاج لنفس السعرات الحرارية موزعة على وجبتي الإفطار والسحور؛ من خلال:- إعداد وجبات غذائية متوازنة تحتوي على نوع واحد أو أكثر من المجموعات الغذائية الثلاثة المذكورة سلفاً.- الطبخ بأقل كمية من الماء مع بقاء الوعاء مغطى والنار هادئة، وأن يكون إضافة الملح عند نهاية الطبخ.- استعمال مرق الطبخ وعدم التخلص منه.- الإكثار من تناول الخضراوات والفواكه الغنية بالألياف التي تقيهم الكثير من الأمراض المتعلقة بالغذاء. - عدم تقشير الخضراوات، وكذلك الفواكه ذات القشور غير السميكة -ما أمكن- للحفاظ على كامل عناصرها الغذائية المهمة والمفيدة للصحة.- الإقلال من الأطعمة المالحة والمدخنة والمخللة، وكذا المقلية بالزيت لأكثر من مرة.- تناول الأغذية الغنية بالكالسيوم، كالحليب ومنتجاته؛ لما من شأنه عند تناولها منذ الصغر العمل على الحماية من وهن العظام عند الكبر. - تناول الخبز الأسمر (خبز القمح مع النخالة)؛ لأنه غني بالفيتامينات والأملاح المعدنية والألياف، وذلك بدلاً من خبز الدقيق أو الروتي.- تناول الأطعمة الغنية بفيتامين (ج)؛ مثل البرتقال والليمون والجوافة مع الأطعمة الأخرى الغنية بالحديد الذي يمتصه الجسم ويحميه من الإصابة بفقر الدم (الأنيميا).- تناول منتجات الحبوب مع البقوليات، كالفول أو الفاصوليا أو العدس؛ لرفع القيمة الغذائية لبروتينات الحبوب والبقوليات معاً ولجعلها قريبة من البروتينات الحيوانية في قيمتها.- تجنب تكرار تسخين الأطعمة.- تجنب شرب الشاي أثناء أو بعد تناول الطعام - مباشرة- لكي لا يُعرقل امتصاص الجسم لعنصر الحديد من الغذاء بما يحد من الإصابة بفقر الدم (الأنيميا)، علاوة على أن الإكثار من شربه يُعد مدر للبول ويؤدي إلى خسارة الأملاح المعدنية الموجودة بالجسم.- الابتعاد عن التدخين.وأخيرا، يجب تناول الأغذية المفيدة من الأنواع الطازجة الغنية في مكوناتها اللازمة للجسم، وبالمقابل تلافي الأطعمة المحفوظة أوالمعلبة.
سوء التغذية.. معاناة مريرة تشتد على الأطفال والنساء الحوامل
أخبار متعلقة