كتبت / عزة رجب:تعرضت الرواية الليبية لكثير من عوامل التعرية من قبل النظام السابق، فكانت ضحية لمقص الرقيب، وسلط عليها من يحدد لها منهجية الكتابة بأطوار معينة تخدم النظام السابق وأجندته ، وتمجد شخوصه، وتتحدث عن تاريخ أعمدته الدخانية السابحة في فضاء الكلمة الضيق الأفق وقتذاك وحتى من تجرأ وكتب بإسهاب في الرواية الليبية كان إما أن يتحدث بموضوع روائي لايمت للنظام بصلة ولا يقترب من واقع ليبيا المعاشأو يتغزل بين الفينة والفينة بحروف الجمال الصحراوي الليبي، وفوتغرافيا ليبيا المفتوحة للكتاب بشكل عام وهذا ليس من باب التروية للنصوص الليبية العميقة الفكر مهما كان موضوعها ، إلا أن عمق الثراء الليبي بالفكر الروائي خلق تشعبات و اتجاهات روائية كثيرةبعيدة عن الارتشاف للكلمة في ظل النظام، مما حدا ببعض الكتاب لإنجاز أعمالهم بعيداً عن الرقيب الليبي، ومقص الكلمات، والاتجاه للرمزية الاسقاطية كنوع من النجاة من حبل مشنقة النظام الذي لم يكن يرحم سوى بالقصاص والخلاص لمن تعرض ولو برمز للنظام .بدأ الكاتب حسن أبو قباعة المجبري الكتابة منذ نعومة أظفاره ..كتب العديد من القصص القصيرة التي أثرى بها المكتبة الليبية، وله ديوان شعر كذلك بعنوان (اعتذار) .وله محاولات رواية ضمن سلسلة غياهبنا المقتبسة من روايات نجيب محفوظ مأخوذة بفكر خاص لاينكره الكاتب قدر ما حاول التعريف به أنه تطوير لرؤى معينة أقتبسها من فكر الأديب الكبير نجيب محفوظ .و أذكر أن الموقع هنا تم إثراؤه بهذه الرواية ..من الكاتب نفسه برواية غياهبنا ...غياهب الحي المقابل ....التي تتعدد فصولها يتجه الكاتب إلى الإسقاط الرمزي كنوع من التعريف بفحوى الحياة الليبية العادية وماتتعرض له من عوامل كبت، وخنق، ورصد يومي لكل التحركات الشعبية بالبلد .يتجه الكاتب إلى التنوع في الشخصيات، و التاريخ، والإسقاطات، و السيرة الذاتية لهذه الشخوص، ومراتبها العملية ،حتى أنه يصنفها بطريقته الخاصة كأنها جاءت في تشكيلة طيفية لمختلف طبقات الشعب .تدور أحداث الرواية في إحياء متنوعة البيئة بين حيين أحدهما للأحياء ...والحي المقابل له والذي يتمثل بحي الأموات المقابل لهذا الحي بشكل مقبرة، فيعالج بها إسقاطاً رمزياً. عن طريق تلبس الأموات لبعض سكان الحي المقابل ،ليقضي بهذا على المشاكل اليومية التي تكتنف الأحياء المقابلة ...فعلى هذا النهج يرى الكاتب أن العيون المفتوحة التي تضع الحلول بهكذا مجتمع يتعرض لكل عوامل الكبت، هي ذاتها العيون التي تم طمسها وقتل أرواحها و إرسالها للمقبرة ـ ومن ثم تبدأ هذه الأرواح رحلتها في إنجاز مالم تنجزه في حياتها فتقلب الكثير من الصور والكثير من الأوضاع الدرامية التي تدور في الحي المقابل .ويتجرأ الكاتب فيسقط تسميات مباشرة لأعمدة النظام ويبرم معها صداقاته مع غيره، ليجعلها تسير بذات القالب الذي أنشأه، فاستخدام اسم الحاج عمران و أولاده ...يجسد لنا شخصية القائد المقبور القذافي، ويرسم لها بخطوطه العريضة طبيعة العيش والتعايش بين الأب و أبنائه بصورة حقيقية ،مما يعكس طبيعة حياتهم مع أبيهم ، ويرسم نهاية. في تصور الكاتب نهاية ناجمة عن سوء هذه العلاقة بين الأب و أبنائه، والتي تنتهي بمقتل الأب غدراً على يد أبنائه. ويضع بالمقابل شخصية الحاج مبارك، كنوع من التقصي والبحث عن حقيقة موت الأب عمران ...وهذا التقصي فيه انعكاس للدور المصري في هذه العلاقة الاسقاطية بين البلدين، والتي بطبيعة الحال هي وليدة صداقة حقيقية تربط بين الأسرتين المالكتين ...أيوب هو بطل هذه الشخصيات الدرامية التي قولبها الكاتب في قالب يشبه النص المقصوص أو المكبوت ...فأبدع هنا في إنتاج أرواح طليقة تعالج ظواهر شخوصية صارعت شتى أنواع المرض الثقافي من تعرض للرقيب والحرية الفكرية والإنسانية.تعكس أيوب قصة الإنسان الصبور الناجح الذي خلقه الله بصفات مميزة أظهرت عيوب أقرانه دون أن يدري ، فانهالت عليه المشاكل دون أن يتفطن لأحياء الحي المقابل التي تعلم وتدري بما يُحاك ضده من دسائس كونها أحياء تعيش وترى لأنه أرواح الموتى بالمقبرة المقابلة لحي أيوب.يستخدم الكاتب جملاً سريعة خاطفة التعبير ـ تعبيرات إيجازية غير مماطلة وغير مسرفة في العمق ، تصل بمفهوم القارئ بسرعة بدون إيهام للنص ، أو التمويه به لعقل القارئ، فيفهم القارئ فوراً المقصود من هذه العبارات دون الحاجة لأن يترك النص الروائي لغموضه وهذه اعتبرها كناقدة نقلة نوعية في طريقة الكتابة تبعاً للظروف التي كانت تخضع لها الرواية الليبية من متابعة شديدة من النظام ، وسيطرة بعض الكتاب على الكتابة بنصوص مفتوحة دون غيرهم بما يخدم مصالح النظام وقتذاك.فالكاتب كتب بشكل إسقاطي ولكنه إسقاط عمودي مباشر ..ليس فيه انكسار ..إنه يصيب مباشرة الشخصية ويضطرها للتعايش مع النص والعبارة بطريقة مختصرة جداً. الرواية تمت طباعتها بمصر بمطابع الأهرام..وتم توزيعها هنالك بمصر ، ولم يمنع ذلك من انتشارها بين أيادي المثقفين الليبين و قراءة هذه الجرأة التس تتشكل يوماً بعد يوم على هيأة صفعات تتوجه لوجه النظام وتجعله بلا ماء وجه جراء التعسف الممارس على المثقفين .نالت الرواية الترتيب الثالث بمستوى الكتابة الشبابية بمدينة بنغازي العصية على النظام...والتي كانت دائماً تعلن صرخات الاحتجاج والتمرد ضد النظام عن طريق مثقفيها .يستمر الكاتب حسن بو قباعة المجبري في إعلان رفضه ، خاصة أن بعض الإسقاطات التي استوحاها من سلسلة غياهبنا ستتعرض الآن لكثير من التحوير المباشر، وستأخذ فضاء أكبر، وحرية أوسع ، بعد سقوط النظام ـ لتكتب لنا عن شخصياته الأخرى المرتقبة وهي أدهم ــ آدم.تم طبع الرواية لمرة واحدة وهى بحجم متوسط ،في حدود مئة صفحة متوسطة صدرت طبعتها بعام 2005 ...قرأها الكثير من الكتاب والأدباء فقد كان الكاتب محط متابعة واهتمام من النقاد الذين عرفوه بتعدد الاهتمامات الأدبية، من قصة ، وشعر ، وراية، ومقال ..و اشتهر بالكتابة البرقية الفلاشية...التي تكتنف أغلب نصوصه الأدبية ...والمقدرة الواسعة على تجاوز اللت والعجن والإطناب والاستطراد غير المبرر بنصوصه.
|
ثقافة
قراءة نقدية في رواية غياهبنا للكاتب حسن أبوقباعة
أخبار متعلقة