نجمي عبدالحميدللصحافة منزلتها في تدوين ما جرى من أحداث، وهي وإن كانت تؤرخ للحظة الزمنية المعاصرة لها، فهي بذلك تكون قد رصدت حقباً من التاريخ تصبح عبرها مرجعاً في دراسة الأوضاع السياسية والفكرية والاجتماعية، وهذا ما يعطي للكلمة الصحفية حضورها المستمر في الذاكرة الثقافية عبر مراحل، فالصحافة كما هي رأي عام، هي أيضاً تاريخ من زوايا عملها.هذا الكتاب الصادر عند دار الوفاق في عدن، الطبعة الأولى عام 2012م، هو من إعداد وتقديم الأستاذ الدكتور طارق نافع الحمداني، جامعة بغداد كلية التربية، والدكتور عبدالله سعيد الجعيدي جامعة حضرموت كلية الآداب.ويضم مجموعة كتابات نشرت في مجلة الرابطة العربية في مصر عام 1936، وقد رصدت عدة أحداث وتغيرات مرت بها اليمن، وكان كل من أمين سعيد، وعبد الغني الرافعي محررين لها، كذلك قدمت المجلة مادة مهمة عن أحوال عدن والمحميات الشرقية والغربية، والمعلومات عن حضرموت ولحج وعدن تقدم للباحث مادة في تلك الحقب، فقد جمعت المادة الخبرية والقراءات التحليلية والرأي والرأي الآخر مما يعطي لهذا الجهد في إصدار هذا الكتاب قيمة موضوعية ويجعله كشفاً جديداً لدور الصحافة في التوثيق، والمواضيع المنشورة تتناول الأعوام من 1936م حتى 1940م.ومن المعلومات التي نشرتها تلك المجلة، السنة الثالثة بتاريخ 14 ديسمبر 1938م، وصول الزعيم الهندي جوهر لال نهرو إلى عدن، وفي ذلك يقول الخبر: (وصل الزعيم الهندي جوهر لال نهرو بباخرة البريد الماضي إلى ميناء عدن في الساعة السادسة صباحاً، وزار المدينة زيارة قصيرة، ثم قصد داراً فخمة من مساكن الفرس الهنود في الطويلة للاستراحة فيها ساعة من الزمن، فتدفق عليه سيل من الزائرين والمعجبين به من هنود وعرب وفرس، وكان من بين الزائرين المستر انجرامس مستشار سلطان المكلا، وبعد ما استراح الزعيم قليلاً انتهز الفرصة وخطب أولاً خطبة قصيرة بالإنجليزية وهو متجه حيث الإنجليز، ثم ولى وجهه شطر الشرقيين وخطب خطبة طويلة بالهندية أشار فيها نحو السياسة الإنجليزية في الشرق الأوسط والشرق الأدنى وقال أحد الهنود كانوا في استقباله، إن الحكومة أشارت للزعيم بعدم لزوم الخوض في القضية الفلسطينية، هذا السبب الذي جعل الزعيم يتجنب الكلام الصريح عن فلسطين).وحول الصراع الدولي عبر المناطق والممرات البحرية جاء في المجلة السنة الثالثة بتاريخ 5 أبريل 1939م حول قضية الشيخ سعيد ما يلي: (لهذه القضية تاريخ موجز يرجع عهده إلى زيارة سمو الأمير الحسين لباريس في شهر فبراير الماضي، وفي إبان اجتماع مؤتمر فلسطين فقد غادر سموه لندن والمؤتمر منعقد والمباحثات دائرة، فجاء إلى عاصمة الفرنسيين وزار رئيس جمهوريتهم، واجتمع إلى المسيو "يونيه" وزير الخارجية وإلى غيره من أقطاب القوم، ثم عاد إلى لندن وأبى أن يتكلم بشيء عن نتيجة رحلته إلى باريس فكثرت التقولات والإشاعات، ثم انتهى العارفون إلى القول بأنه إنما زار فرنسا ليبحث في قضية الشيخ سعيد، بعدما رددت الألسن بأن الفرنسيين يعدون العدة لاحتلالها والفوز بها.والشيخ سعيد شبه جزيرة عربية تقع على الضفة الآسيوية من البحر الأحمر، وتتصل بالأراضي اليمانية وهي تناوح جيبوتي، وتسيطر على الطريق المؤدية إليها، وقد كانت حتى ختام العهد العثماني بأيدي الترك، وكانت لهم فيها حامية عسكرية، فلما جلوا عن تلك البلاد سلموها إلى الحكومة المتوكلية الحاضرة، وأرسلت قوة عسكرية إلى الشيخ سعيد لا تزال ترابط فيها، فلم يثر ذلك أي اعتراض من جانب الفرنسيين، وظل الحال هنالك سائرا على هذا المنوال حتى قامت بعض الصحف الفرنسية في الشهر الماضي تنادي بان الشيخ سعيد من ممتلكات فرنسا القديمة في البحر الاحمر، وانه يجب ان تستولي عليها وتنزعها من أيدي اليمانيين المسيطرين عليها.لقد استندت الصحافة الفرنسية في طلبها الغريب الشاذ الى صك قديم، قالت: ان احد شيوخ الشيخ سعيد باع بموجبه هذا المكان الى شركة فرنسية وسجل العقد رسميا امام محاكم عدن، وبالطبع فان مثل هذا الادعاء لا يؤخذ بعين الاعتبار، ولا يقام له أي وزن لانه باطل من اساسه، فالبلاد لا تكون ملكا لاشخاص لتباع بموجب سندات، بل هي ملك مشترك لأبناء الوطن الواحد، فاذا باع احدهم ما لا يملك فلا قيمة لبيعه، لانه فضولي وفاسد، يضاف الى ذلك ان هذا البيع على فرض صحته سقط بمرور الزمن لعدم وضع اليد، فقد مضى عليه نصف قرن وهذه المدة كافية لاسقاطه في الشؤون العقارية.يلوح لنا ان اعتقاد الحكومة الفرنسية بعدم صحة هذه القضية وبفشلها اذا اثارتها، هو الذي حملها على تجاهلها رسميا وعدم مجاراة بعض الصحف الفرنسية فيما ذهبت اليه.أما ما يتصل بعدن واخبارها في تلك الحقبة فقد نشرت المجلة في اعدادها المختلفة عدة معلومات تعد في الراهن من المرجعيات الهامة في معرفة ما كانت عليه هذه المدينة، ومما نشر حول التعليم في عدن جاء في السنة الثالثة 7 يونيو 1939م ان في عدن مدرسة أسسها عمر بازرعة واخرى باسم الملك جورج الخامس الذي زار عدن وهو في طريقه الى الهند عندما كان وليا للعهد، كذلك أسس السيد حسين الدباغ مدرسة الفلاح الهاشمية وكانت تعد من أهم المدارس الاهلية العدنية، وكانت اللجنة مكونة من السادة: عبدالله علوي الجفري وعمر بن محسن وعبدالله واخيه حسين ابناء احمد آل الصافي وعمر بن طه ومحسن وشيخ بن عبدالله المهندي والاساتذة الحاج اسماعيل خدابخش والحاج محمد الزليخي وسعيد عبدالله خليفة.وكانت اللجنة قد اتخذت قرارا بتعيين السيد شيخ عبدالله المهندي خريج كلية الفنون والصناعات في تركيا ناظرا فخريا وكذلك السيد علي بن ابي بكر السقاف خريج الازهر مديرا والشريف عدنان بن يحيى باشا مراقبا وأمينا على المدرسة. وكانت حكومة عدن قد طلبت من وزارة المعارف المصرية بعض المدرسين لغرض العمل في التعليم الثانوي بعقد عمل لمدة ثلاث سنوات.كما نشرت المجلة في السنة الرابعة 2 اغسطس 1939م موضوعا حول تأسيس الجمعية الخيرية الاسلامية في عدن وقد جاء في هذه المادة الصحفية: (أسس الشيخ احمد بازرعة والشيخ علي بازرعة جمعية اطلقوا عليها الجمعية الخيرية الاسلامية بعدن، فهذه الجمعية تتكون من حضرات آل بازرعة الكرام ومن فقهاء مدرستهم وكما يأتي:احمد بازرعة ـ رئيسا للجمعية.علي بازرعة ـ أمينا للصندوق.محمد متولي مدير مدرسة بازرعة ـ سكرتيرا.الفقيه علي محمد الفقيه الاستاذ في مدرستهم ايضا ـ مساعدا للسكرتير.الفقيه علي محمد صالح باحميش ـ مفتشا.صالح بارحيم صهر الشيخ احمد بازرعة ـ عضوا.ونحو 11 عضوا من اليمن وبيحان والبيضاء ودوعن. وقد اصدرت الجمعية منشورا عن عملها ضمنته ما تنشده من الاصلاح العام، والعمل على ما فيه راحة الشعب العدني واسعاده، ولما سألوا عن دستور الجمعية وعن الاصلاح العام وعن الاسعاد الذي يقولون عنه اجاب مندوبهم بانهم يريدون فتح مدرسة داخلية في عدن وملجأ للايتام والعجزة، فسأله أين المال الذي وضع لهذا المشروع الخيري؟ وكم هو المبلغ الذي افتتح به آل بازرعة رؤساء هذه الجمعية هذا الاكتتاب؟.فاجابه حضرة المندوب أي مال تريدون، قد أسسنا الجمعية وطلبنا من الأمة ان يشترك كل فرد بمبلغ ثماني آنات وثلاثة قروش صاغ ونصف مصري، وعندما يجمع المال نقوم بالعمل. فضحك الرجل وغضب حضرة المندوب فازداد ضحك الرجل فقال له ما الذي يضحكك ايها الغبي الا تسمع بجمعية المواساة في مصر انها تكونت من قرش صاغ وهلا علمت بمشروع القرش المصري وازداد ضحك الرجل حتى اغمي عليه من غباوة المندوب الذي يقرأ عن الجمعيات وعن المشروعات فقط وعنده ان كل ما في الامر هو تعيين الرئيس واعضاء الجمعية فتتكون الجمعية وانتهى الامر ويشرع في العمل، فيا ايها القوم كفى هذرا واجعلوا حدا لهذه المهازل.اين صادرات البلاد؟! اين اثرياؤها؟! اين شمس العلماء السيد عبدالله العيدروس؟! اين الشيخ البارز محمد عبدالقادر المكي؟! اين قاضي البلاد السيد البطاح؟.ايها المغرورون اقتربوا من الحقائق واقصدوا الطريق السوي الموصل الى خير العمل الناجح، اقصدوا اسياد البلاد وقادتها واطلبوا منهم ان يجمعوا الاثرياء وما دمتم قد قمتم بهذا العمل افتتحوا الاكتتاب بستة آلاف جنيه لصندوق الجمعية واطلبوا من كل تاجر ان يتبرع بما يقدر عليه، وبعد ان يجتمع المال في هذا الصندوق الذي يجب ان لا تكون فيه اقل من عشرة آلاف جنيه بعد ذلك يكون الاكتتاب الشهري لكل نفر نصف روبية ثم يشرع في العمل لتأسيس ثلاث مدارس أهلية راقية بعدن ومدرسة بالتواهي ومدرسة بالشيخ عثمان، واطلبوا لهذه المدارس اساتذة من مصر وسوريا وان يكون برنامج التعليم تابعا لنظام المدارس المصرية وكل من نبغ من التلاميذ يرسل على نفقة الجمعية الى اوروبا او غيرها، اما اذا كان المراد من هذه الجمعية الرئاسة او التهويل على قاضي القضاة بشأن الاوقاف فان القاضي المذكور يعرف من انفسكم ما لا تعرفونه أنتم.اننا نرثي لحال هؤلاء الذين يستفزهم الغرور حتى أصبحوا يتوهمون أنهم قادة الأمة الا رحم الله امرأ عرف قدر نفسه- عربي عدني أصيل).يشكل هذا الكتاب اضافة جديدة لمن يدرس تاريخ الصحافة في بلادنا عند حقب اصبح العديد من احداثها غير معروفة لهذا الزمن، فهو بما حوى من معلومات يدخل في اطار التوثيق الذي يسد الفراغ الحاصل في هذا الجانب من الكتابات، وهو يكشف لنا عن أهمية الصحافة في حياة الشعوب ودورها في التدوين المباشر لمجريات الأمور، وهنا يخرج العمل الصحفي من حصار الزمن الآتي الى مساحات اوسع من التواصل مع المراحل، فالكلمة الصحفية لم تعد خبر الماضي بل هي ذاكرة تاريخية وقراءة للاجيال الآتية لمعرفة ما كان في السابق وما هو مستمر في الحاضر.
|
ثقافة
مظان اليمن التاريخية في مجلة الرابطة العربية
أخبار متعلقة