فتاة حالمة مفعمة بحيوية مفرطة، ونشاط لا حدود له تواقة لجعل العالم يبدو أكثر سموا ورقيا وإنسانية برسم أفكار إنسانية طيلة تشكيل شخصيتها.. لون جميل يلوح في الأفق، تمعنت نحوه، تقدمت خطوة لتقترب منه أكثر، شعرت أن كل خطوة تخطوها تتملكها سعادة غامرة، تأخذ منها قطعة لتكسوها عطرا من نوع مختلف، اختزلت ذلك العالم السامي بسرعة عجيبة، أمتزج مع ذاتها حتى أصبح هويتها.. كان بمثابة النسيم العليل الذي تستنشق هواءه كل اشراقة يوم جديد لتزداد حيوية كتلك العصافير المتراقصة على أوتار شعاع الفجر الرباني البهيج، راسمة ابتسامة تتفتح لها الأشجار والأزهار، تزيح الضباب عنها لتنشر عطرها، وألوانها لتملأ الأرض حباً وابتسامة، إنه عالمها الذي آمنت به جاعلة إياه عينيها اللتين تنظر إلى العالم الجميل من خلالهن، إن كنوز السعادة في عالمها الخاص متعلقت به لا سواه.. المحيط المساعد لإظهار الروح التواقة للعمل في خانة الأحلام وتحت رحمة العادات والتقاليد النتنة.. كلية الآداب والعلوم الإنسانية، كانت انطلاقة ثورية لتلك الأحلام لتصرخ في السراديب التي كبلت في ظلمتها متحررة من أغلالها إلى الأبد لتصبح حقيقة تلامس الواقع ولتكبر ويسمو العالم بها، يوم يشهد أول خطوة من خطوات الألف ميل من العالم الجميل، أعلنت وآمنت بتلك الأحلام وعقدت العزم على الإبحار بها في هذا العمل الذي أصبح هو الحياة بالنسبة لها، التحقت في أحد المراكز الإعلامية لمنظمة ما.. شعرت بانها تخطو صحيحا نحو المثالية والإنسانية.. كانت عيناها تدمعان عندما ترى البراءة بشفاهها المبتسمة من القلب حبا وامتنانا لهم في تنفيذ برنامجهم الذي استهدف بعض قرى الريف اليمني التي تعاني بصمت آفة الفيروس المميت.. كم كانت جميلة بحق تلك الأعين وهي تحادثها بصمت عن بهجتها وإيمانها في وجودها بينهم وثقتهم المفرطة بعناية السماء، وقدرات الطاقم على انجاز المهمة بالقضاء على الفيروس.. الحملة التي جعلتها تؤمن بلغة العيون وخاصة الأطفال الراكضين خلفهم باستحياء من مكان إلى آخر، تعطيها عيونهم مثابرة وتحدياً لامثيل له، أيام كتبتها تلك الابتسامات وتلك العيون بصمت لتطرد بها ذلك المحتل (البلهارسيا) لتبقى في وجدانها إلى الأبد.. عيناها تدمع بغزارة خلال حديثها عن تلك اللحظات الإنسانية المدهشة، كل دمعة تحمل كُتباً في عالمها الخيالي الذي وفقت به.. انتقلت من محطة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر.. أجساد بريئة ترتجف من البرد جراء أضرار الأمطار الغزيرة التي تعرضت لها إحدى المدن، تعرضت منازلهم للهدم، تفترش العراء لتنعم بسلام في خيام قد عفا عليها الزمن، تنتشر فرق الإنقاذ في كل مكان لتلافي الأضرار، الأرواح قبل الممتلكات، هنا يشعر المرء بان روح الإنسان هي ارفع مقاما وأغلى الأشياء على الإطلاق، لا فرق تتميز به الروح عن روح أخرى، تتلهف شوقا لمعالجة هذه الأضرار للأخذ بأيدي المتضررين ليتمتعوا بحياة كغيرهم من البشر، تمارس دورها بكل إجهاد لبنيتها الفسيولوجية التي خلقت عليها.. لا يهم كل ذلك.. فالشيء الأكثر أهمية هو إعطاء روح مدة من الزمن لتعيش على هذا الكوكب كما يحلو لها، موقف أسعدها أكثر بهذا الإنسان الذي يسكنها، لقد أعطاها دافعا وقناعة بان هذا العمل شيء يفتقده الكثير لما يعود على الإنسان بالاطمئنان والبهجة والرضى، أدركت أن أول خطوة للحصول على شيء في الحياة هو قرار الإنسان لنفسه.. مقولة آمنت بها قرأتها مراراً، شخبطتها كثيرا في أوراقها ودفاترها الجامعية.. (ان يتخذ المرء ما يريد، وليس ما يريد له الناس)، لقد أصبح هذا العالم من أساسيات حياتها، حلمت وترعرعت عليه طيلة حياتها، من منزلها الصغير وفي العالم الخارجي الممتلئ بالناس المحتاجين لتحريك ذلك المثالي الذي يسكن ضمائرهم وقلوبهم، جعلت هذا العالم ذاتها.. سعادتها.. لتنشر عبيره في سماء هذه الحياة، لقد أصبح لديها أحلام تعانق السماء وتناطح النجوم، إنه واقعٌ أدركته بعينيها وأشبعت رغباتها الجامحة التي تتملكها نحوه، كم هي كبيرة بإيمانها المفرط بان جمالية الحياة ليست في الامتلاك، أو الوصول إلى ما تسعى إليه، بل جماليته تكمن في كيفية الرحلة والاستمتاع بها، لان الوصول ربما يعني النهاية، ذلك هو عملها (الطوعي) الذي لا يوجد له نهاية وهو بمثابة الرحلة في اكتشاف عالم مليء بالسعادة والمثالية والإنسانية.. هنا حلمت وعاشت الحلم لتجعله حقيقة، لقد هجرت تلك القائمة المسماة بالانتظار وركضت إلى نقاء الفرح والسعادة الدائمة، تعلمت أشياء جمة يفتقدها الكثير، كل الأعوام السابقة رسمت ملامحه، كانت تتخيل طلته الحنونة.. ها هو الآن يمطر حبه اللانهائي في سمائها، وتشرق شمسه في دنيا أفراحها، فمن خلاله اكتشفت عظمة الأشياء التي منحت لبني البشر، هذه السماء وتلك السحب، وذلك القمر والبحر وتلك السعادة؛ أشياء لم تكن تعني لها الكثير، والآن أدركت بأن العمل الطوعي أعاد إليها طفولتها لتمارس براءتها من جديد.
|
ثقافة
( براءة عائدة..)
أخبار متعلقة