ما يحدث في أيامنا الحالية من تبدل للمواقف وتغيير للمبادئ ليس على مستوى الأفراد والتنظيمات السياسية فحسب بل وعلى مستوى المواقف الدولية،أمر يثير السخرية ويفقد الناس الأمل وعدم الثقة بما كانوا يؤملونه ويؤمنون به من اعتقاد فيما يقرؤون ويسمعون عن احترام حقوق الإنسان وحق الشعوب بالحرية والحياة الإنسانية الكريمة الذي سوَقه الغرب المتقدم ردحا من الزمن.لقد تبين للعامة من الناس والخاصة تصادم مصالح العالم المتقدم صناعيا مع تطلعات شعوب الدول الأقل نموا وحقها ببناء أنظمة سياسية ترتكز على الديمقراطية كمنهج سياسي يحقق المشاركة للجميع في العملية السياسية، ومن ثمَ يسمح لهذه الشعوب بالتفرغ للتنمية الاقتصادية والبشرية التي تأخرت كثيراً في عالمنا الأقل نمواً بسبب ثقافة الحاكم والمحكوم. وما أفرزته العقود الماضية من صراعات فكرية قادت الى الاحتراب بل واستقواء كل طرف بقوى أجنبية لفرض نفسه وحزبه في الحكم، الأمر الذي أدى إلى عدم تفكير تلك الأنظمة الحاكمة في صنع التنمية التي تحقق الحياة الكريمة للمواطن وتُمَكنَهُ من التفرغ للإبداع والإنتاج في مختلف مناحي الحياة. فبدلا من ذلك سعت الدول المتقدمة الى العمل على إبقاء المواطن في بلداننا رهينةً احتياجاته الأساسية ليظل يستجديها من تلك الدول المتقدمة والمنظمات الدولية.وبسبب غياب شروط الحكم الرشيد الذي تشدق به الكثيرون من الحكام في بلداننا ولم يطبقوه كونه يتعارض مع مصالحهم الشخصية الانتهازية،ونزعات الاستبداد والفساد التي جبلوا عليها،كما ان ذلك ،أي الحكم الرشيد والذي بالضرورة سيوفر بيئة مناسبة للتنمية البشرية والاقتصادية لم يحظ برضا العالم المتقدم صناعياً لكونه يتعارض مع أهداف السيطرة الاقتصادية على الأسواق العالمية من قبل تلك الدول.فبدلاً من ان يتم دعم الحكم الرشيد في دولنا اذا بالدعم من الدول المتقدمة يذهب الى دعم أنظمة الحكم الاستبدادية وتوفير الحماية لها وتشجيعها على التمادي بالقمع والإقصاء ومصادرة حقوق الإنسان وخاصة للفئات المستنيرة التي تتمتع بالكفاءة والنزاهة ومواقفها الرافضة للفساد في بلداننا.ورغم المحاولات الحثيثة من الفئات المستنيرة في بلداننا للخروج من هذه الحلقة العبثية إلا إنها كانت وما تزال تصطدم بأهداف ومصالح النظام العالمي الجديد الذي سعى لإبقاء دولنا أسواقاً ومستهلكين لمنتجاتهم.وكشفت التطورات الأخيرة في الوطن العربي النوايا الخبيثة والممارسات اللا إنسانية للدول الكبرى والتي تستغل قدراتها الهائلة ضد شعوبنا الطامحة للحياة العصرية،كما ان تلك الأحداث قد فضحت زيف ادعائهم باحترام حق الشعوب في البناء والتنمية،ناهيك عن زعمهم بدعم المشاريع التنموية والحكم الرشيد في العالم الثالث.وبدا واضحا دعمهم للفوضى وعدم استقرا دول المنطقة وليس دعم الثورات كما يزعمون.وكلما لاحت فرصة للاستقرار ولو بشروطها الدنيا سعت الدول الكبرى لخلق شروط الصراع الممنطق من اجل تواصل الفوضى واستمرارها والتي سوف تكون كفيلة بتشظي مجتمعاتنا الى مكونات عديدة متناحرة بما يحقق أهداف الفوضى المرجوة.وما يدور الآن في مصر خير دليل على دعم الدول المتقدمة للفوضى وإدخال مصر بصراع داخلي بغض النظر عن هوية قيادتها- أياً كانت هوية تلك القيادة- وشغلها عن التوجه نحو التنمية الحقيقية التي يتطلع إليها المواطن المصري، كما ان تقلب مواقف الدول الكبرى تبعا لما يستجد على الأرض يظهر بوضوح عدم وجود مواقف ثابتة لها نحو هوية النظام المرغوب فيه،ولكن بحسب ما يساعد على استمرار الفوضى وعدم الاستقرار.إنها (قنبلة الشتات) التي أشار إليها(ريجيس دوبريه) في كتابه(في مديح الحدود) الذي يعري فيه العولمة ويفضح عدم إنسانيتها وتركيزها على عولمة السلع والأسواق وتقييد تحركات البشر.
|
آراء
دعم الفوضى وعدم الاستقرار
أخبار متعلقة