أردوغان والغنوشي
إلى أي مدى ستظل الخارجية المصرية صامتة أمام هذا التدخل الفج والقبيح من تركيا تجاه ما يحدث في مصر، فأردوغان وأعوانه لا يملون ولا يكلون عن إعلان تدخلهم الصريح فى الشأن المصري، دونما اعتبار لسيادة الدولة المصرية، متذرعا بمبادئ الديمقراطية التى لا يعلم هو ولا حزبه عنها أي شيء سوى أنها طريقة لبسط نفوذه على الدولة التركية، فى طريق تنفيذ مخططه لعودة الدولة العثمانية القديمة ليكون هو سلطان المسلمين، لذلك فأنه لم يتخيل يوما أن يسقط حليفه فى القاهرة الدكتور محمد مرسى، ليكون هو شخصيًا مهددًا فى حكمه، خاصة ب عدما خرجت ضده تظاهرات أستخدم القوة والشرطة لقمعها.نعم أن وزارة الخارجية استدعت السفير التركى لتبلغه احتجاجها على ما يتفوه به قادته في أنقرة وما يبذلونه فى سبيل حلم عودة مرسي، لكن يبدو أن جنون العظمة الذي أصاب أردوغان جعل أحد تلاميذه وهو أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية يصرح ويقول إن بلاده ستبذل كل ما فى وسعها من أجل عودة الديمقراطية لمصر من جديد، ولم يكتفِ هذا الأوغلو بذلك وإنما أضاف وفقا لما نقلته عن صحيفة «جمهوريت»، «إنه لا يمكن لأي أحد إثناؤهم عن ذلك، حيث تشكل تركيا ومصر محور نظام جديد فى منطقة الشرق الأوسط».ما قاله أوغلو ومن قبله اجتماع أردوغان مع الممثل التونسى القدير، راشد الغنوشى، رئيس حزب النهضة، لبحث ما أسموه بالأزمة المصرية، هو نوع من التجاوز المرفوض الذى يجب أن يقابل برد فعل مصري قوى ليس أقل من طرد سفرائهم من القاهرة واستدعاء سفرائنا من بلادهم، أو على الأقل أن نرسل لهم مجموعة من شبابنا لتعليمهم كيف يكون أردوغان أو الغنوشي ديمقراطيين في حكمهم.أعلم أن ما يقوله الغنوشي وأردوغان ويفعلانه سواء من تصريحات أو دعم مادى ولوجيستى للثورة المضادة في مصر، هو نابع من قناعتهم الشخصية بحلم الخلافة، وأن شعبى البلدين يرفضان تماما مطامع الاثنين، لذلك خرج الشعبان التركي والتونسي طيلة الأيام والأسابيع الماضية في مظاهرات رافضة لفساد وتسلط وديكتاتورية الحكم بالبلدين، وهو ما جعل أردوغان والغنوشى يخشيان من امتداد حركة تمرد لبلديهما، وأنا أبشرهم بأن تمرد التونسية والتركية لن تكون أقل قوة من نظيرتها المصرية، خاصة أن الشعبين التركي والتونسى اشتاقا كثيرا للحرية التي قمعها أردوغان والغنوشي.ولا يمكن فصل ما يقوم به ويقوله أردوغان والغنوشي عما فعلته وتفعله ليل نهار سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة، أنا باترسون، فهي متهمة من جموع الشعب المصري بأنها رأس الراغبين في الانقلاب على ثورة تصحيح المسار التي انطلقت في 30 يونيو الماضى، وأطاحت بحليفها الاستراتيجي محمد مرسي، لذلك أجدني مستغربا من عدم اتخاذ الخارجية المصرية أو رئيس الجمهورية المؤقت أي موقف تجاه هذه السفيرة التي أصبحت من وجهة نظرى شخصا غير مرغوب فيه على الأراضي المصرية، فالأجدى بالسلطات المصرية أن تبلغ نظيرتها الأمريكية بحالة الكره التي تعم المصريين من هذه السفيرة وأنه إذا لم يتم سحبها فإن العواقب قد تكون وخيمة، بعدما بدأ البعض في التفكير نحو توجيه مظاهرات متتالية أمام مقر السفارة لمحاولة إجبارها على مغادرة مصر.فليعلم أردوغان والغنوشى وباترسون أن المصريين هم من يقررون ما يريدون وأنهم ليسوا بتلاميذ في مدرسة أحد، فهم لديهم القدرة على تعليم العالم كله متى وكيف يثور الشعب على الديكتاتورية والظلم ومن يعاونهما.