يبدو ان المواقف والرؤى المتباينة للمتحاورين حول قضايا الحوار الوطني ولا سيما بشأن جذور القضية الجنوبية لا تبعث على التفاؤل بالحلول التي سيخرج بها مؤتمر الحوار الوطني لمعالجة القضية الجنوبية بقدر ما تعكس حالة من التعقيد البالغ التي قد تعترض طريق الحوار، وذلك نتيجة تخندق أطراف سياسية في المشترك في مواجهة المنطق والموضوعية، الأمر الذي قد يؤدي إلى احتمالات تشظي هذا التكتل وتفككه منه إلى فرص الوفاق الوطني!!ذلك أن جملة الرؤى والافكار التي تقدمت بها الأطراف السياسية حول جذور القضية الجنوبية حتى الآن تركزت في اتجاهين أو مسارين أساسيين الأول يتبنى في رؤيته- وهي باعتقادي الأوفر حظاً في مؤتمر الحوار الوطني - دولة اتحادية لا مركزية من عدة أقاليم من أجل الحفاظ على الوحدة ويحمل الجميع المسؤولية المشتركة عما حدث وأفضت إليه القضية الجنوبية من مظالم وواقع مؤلم ويمثل هذه الرؤية المؤتمر الشعبي العام والذي يذهب بجذور هذه القضية إلى عام 67م، وقيام الدولة الشطرية السابقة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ومحملاً في الوقت ذاته كافة الأطراف السياسية المسؤولية عما حدث واعتبرها السبب الحقيقي في تفاقم تلك القضية وما ترتب عليها من حدوث مظالم عدة وبأبعادها المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وسواءً في عهد حكم الحزب الاشتراكي للجنوب الذي مارس سياسة التهميش والالغاء للآخر السياسي وعمل على تشريد وازاحة قوى سياسية كان لها دورها الوطني البارز في مراحل الكفاح الوطني وتحقيق الاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967م، أو عبر تسببه بدورات العنف التي شهدها الجنوب بدءاً باحداث سالم ربيع علي وانتهاء بأحداث يناير الدامية 86م، وذلك كما هو الحال في الشمال أيضاً وخلال الفترة ذاتها أو قبلها!!ويعتقد المؤتمر بأن معالجة هذه القضية من منطلق المسؤولية التضامنية والمشتركة بعيداً عن التنكر لها وتوجيه التهم للآخرين و حدهم والنظر لحلها كمنظومة شاملة لخروج الوطن من محنته وليس الجنوب وحده من دائرة الصراع على السلطة ودوامة العنف ولوضع حد نهائي للصراع السياسي المقيت وفكرة إقصاء الآخر السياسي التي عانت منها بلادنا طويلاً وخلال تاريخها السياسي الحديث والمعاصر، وبالتالي فالمؤتمر يرى أن جميع الأطراف السياسية تتحمل المسؤولية التاريخية في تفاقم هذه القضية ويؤكد في رؤيته ان على الجميع عدم تكرار مآسي الماضي واحترام القبول بالآخر وعدم الضيق بالأفق السياسي للآخر، ويرى ان تلك الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا في ظل وجود الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والمؤسسات التي تصون الحقوق والمواطنة المتساوية والحريات الفكرية والعامة وتود فيها العدالة. في حين أن المسار الثاني أو الاتجاه الآخر وتمثله رؤية أحزاب اللقاء المشترك منفردة وليست رؤية تكتل موحدة .. وهي رؤى أكدت تنصلها عن أي مسؤولية لما حدث من تأزيم وتفاقم للقضية الجنوبية، حيث اختلف كل فصيل سياسي في المشترك فيما بينه حول جذور المشكلة وبداياتها الأولى، فقد تبنى فيه ثاني أحزاب اللقاء المشترك الحزب الاشتراكي هذه القضية من منظور أن منشأها وجذورها يعود إلى بداية إعلان الحرب عام 94م، وان خروجه كشريك سياسي من الحكم بداية للقضية الجنوبية وهو بذلك المنظور يؤصل لمبدأ الحق التاريخي في استعادة حصته في دولة الوحدة كشريك اساسي في حال استمرارها ، أو بمعنى آخر الوريث الشرعي لحكم الجنوب في حال الانفصال أو فك الارتباط!! .. متناسياً بذلك بأن ثمة قوى سياسية فاعلة ظهرت على الساحة الوطنية اليوم وهي قوى الحراك الجنوبي السلمي!!في وقت نجد فيه بأن رؤية حليفه أكبر أحزاب المشترك (التجمع اليمني للإصلاح) مشتتة وتائهة بين ثلاثة جذور للقضية الجنوبية، وعلى الرغم من أن الإصلاح حدد جذر القضية وبدايتها عام 94م، إلا انه حمل حليفه في المشترك (الحزب الاشتراكي) جزءاً من المسوؤلية في المشكلة باعتباره حزباً حاكماً شطرياً آنذاك، ومستثنياً بل ومستبعداً دور ه من تاريخ مسار القضية الجنوبية ومتجاهلاً في رؤيته سنوات شراكته (أي الاصلاح) في الحكم خلال الفترة الانتقالية للوحدة وعقب عام 94م. حتى عام 97م، وبما في ذلك دور الاصلاح (الاخوان المسلمين في اليمن) في حرب 94م، وجمع غنائمه منها!! وهي الفترة التي تمثل الجذر الحقيقي للقضية الجنوبية العادلة وتفاقم وزيادة حد مظلوميتها وعلى النحو الذي نراها فيه اليوم، هذا فضلاً عن استمرار صدور الفتاوى التكفيرية الأولى والثانية الصادرتين منه بحق الجنوبيين!!، وما المهرجان الذي اقامه بعدن عشية الاحتفاء بالذكرى الاولى لتسليم السلطة سلمياً وتنصيب الرئيس هادي رئيساً توافقياً لليمن واصرار الاصلاح على إقامتها رغم كل التحذيرات التي تلقاها من القوى السياسية المختلفة وفي مقدمتهم فخامة الرئيس هادي لهذا الحزب وإراقة تلك الدماء البريئة الا خير دليل وشاهد على استمرار تأكيد فتاوى التكفير بحق الجنوبيين المسالمين والعزل من السلاح!!
القضية الجنوبية .. الجذور والحلول
أخبار متعلقة