فى رسالته السادسة أوصى القديس بولس العبيد أن يطيعوا سادتهم كطاعة المسيح، لكن العبيد رفضوا الطاعة وبدأت حركات التحرر الغربية منذ القرن الحادي عشر. وفيما نص القرآن صراحة على تحرير العبيد، ظلت العبودية موجودة إلى القرن العشرين، وربما إلى الآن، فى مناطق عربية كثيرة منها موريتانيا ودولة خليجية.وفيما قال القديس بولس أيضاً لأتباعه فى رسالته الثانية عشرة: «باركوا أولئك الذين يضطهدونكم. باركوهم ولا تلعنوهم ولا ترجعوا لأحد الشر بالشر. ولا تأخذوا الحق بأنفسكم يا أحبائي»، استمر القتل والانتقام والثأر فى أوساط تدين بالمسيحية.وحين وقع بعض المتهمين بالخطف والسرقة فى يد أهالى قرى عديدة بعد الثورة، كان العقاب رادعاً ومباشراً، السحل حتى الموت، والتعليق كالذبائح، دون انتظار لتحقيق أو تحرًّ لشروط وضعها فقهاء الإسلام لتطبيق ما يعتبرونه حداً للحرابة، ولم يفكر أحد من القتلة أن القتيل قد يكون بريئاً، وأن دم المسلم أهم عند الله من حرق الكعبة.وبينما صوتت أكثرية ريفية وصعيدية لمشروع الإسلام السياسي الذي يبشر بدولة تقيم شرع الله، تقول دراسات علم الاجتماع أن هذه المناطق ذاتها تحرم النساء من حقوقهن فى الميراث، وآخرها دراسة حديثة للدكتورة سلوى المهدي بكلية آداب قنا انتهت إلى أن 95.5% من النساء بمحافظتي سوهاج وقنا محرومات من الميراث كى لا تتفتت الملكية الزراعية، والحرمان من الميراث جزاؤه الخلود فى النار أيضاً، بحسب سورة النساء التى حددت نصيبهن الشرعي في آيتها الأولى، وبعدها توعّد الله تعالى المخالفين فى الآية الحادية عشرة.. «ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين».لماذا إذن يقبل المسلمون والمسيحيون أوامر ويتركون الأخرى، يحرض مسلمون على الالتحاق بمملكة الله التى يبشر بها الإسلامجية كي ينجوا من عذابه، بينما يرحبون بهذا العذاب لو طال الميراث، أو تقاطع مع عادات الانتقام كالثأر؟[c1] *** [/c]الإجابة عند عالمة الاجتماع والإثنولوجيا (السلالات)، الفرنسية جيرمين تيليون، وهى مثقفة شهيرة كان لها دور فى مقاومة الاستعمار الفرنسي بالجزائر وتوفيت عام 2008 عن 101 سنة.قالت تيليون إنه «الورع الانتقائي»؛ فالشعوب تختار من الدين ما لا يقف أمام عاداتها الراسخة، مثلما اختارت أوروبا طويلاً من المسيحية ما يدعم مواقفها، بإسقاط أو تحريف المسائل الرادعة لفواحشها.ونحن أيضاً نختار ما يدعم فواحشنا، فتراثنا الاجتماعى مليء بتناقض ما توصي به الأديان وما يمارسه الناس، أما تراثنا السياسي فيقول إن قتل آل البيت، وقتل الخليفة عثمان كان باسم الدين، بل إن الحَجّاج، الرجل الذي أحرق الكعبة، كان فقيهاً يحفظ القرآن، ولا يستطيع الإسلامجية أن ينكروا أن من بين الخلفاء فى الدولة الأموية والعباسية والعثمانية شواذ (الخليفة الواثق كان له غلام يعشقه اسمه مهج، وكان الأمين يرفض الجواري ويرحب بالخصيان، وعندما جُرح غلامه كوثر أثناء صراعه مع أخيه المأمون صرخ وهو يمسح الدم من وجهه، قائلاً: ضربوا قرة عيني)، كما كان منهم قتلة وماجنون، وهم ذات الأشخاص الذين كانت أسماؤهم تقترن بدعاء الأئمة على المنابر بطول العمر ودوام الملك.وحاضرنا أيضاً محاصَر بالورع الانتقائي.يقول الإخوان إنهم أصحاب مشروع الإسلام، وإن الله لن يهزم ممثلهم فى الرئاسة، والرجل بدوره يحرص على صلاة الفجر جماعة، ويصر على تسمية فوائد قرض صندوق النقد الدولي، المصاريف الإدارية، ثم يتسامح أصحاب المشروع الإسلامي مع فائدة وديعة قطر الشقيقة (تقترب من 3.5%)، وقيادات فى الحرية والعدالة يصفقون وراء دوللي شاهين لتنشيط السياحة فى الغردقة.وهو ذات الحكم الذى يسمح بالتعذيب، فى أقسام الشرطة وسجونها، ويكذب على مواطنيه كما يتنفس، ويخلف وعوده لمناصريه فى جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة، ولحلفائه فى انتخابات البرلمان، ويلاحق معارضيه بتهم لم تعد موجودة إلا فى الأنظمة المستبدة كإهانة رئيس الجمهورية وتكدير الأمن العام، ويطلق لجاناً إليكترونية تلوث وتغتال معنوياً من يتجرأ على مخالفة الجماعة، ثم «يصلي الفجر ويبتسم فى وجه أخيه لأنها صدقة».[c1] *** [/c]الأديان فى صورتها الأولى قالت لأتباعها إنهم بشر، والبشر خطاؤون، الإسلام أقر بأن تدين أتباعه لن يكون كاملاً، ولن يتنازع أتباعه مع الله فى صفة من صفاته، وقدم لهم إقراراً ببشريتهم وقصورهم، كما قال المسيح لأتباعه إن مملكته ليست من هذا العالم، وقامت فكرة المسيحية الأساسية على التوبة، والخلاص.وبعد قرون جاء من يبني جمهوريته العابرة للدولة، فى طرقاتها خمر وميسر ورباً، تعذيب وقتل، لكن على بابها لافتة مضاءة: هنا مملكة الإخوان، من يحمل جنسيتها يدخل الجنة.
فى جمهورية مصر الإسلامية
أخبار متعلقة