سطور
حقيقة نحن أحياناً نظلم لغتنا العربية في سياقات مختلفة، ونكون أكثر ظلماً عندما نتدخل بحسن نية تنقصها المعرفة والدراية، وحفظ الأشعار، وعدم الاجتهاد في الأخذ بها للاستدلال وطرح الأمثلة.. وهذا ما نراه اليوم في تدخل على طريقة (جاء يكحلها عماها).. لكن حسن النية في إصلاح ما يعتقده البعض يخل بالسياق وينفر القارئ، ولا يستسيغه وقد يظن بعض القراء، وهم قلة أن الكاتب إنما قد أوقع نفسه في خطأ فادح، أقول بعض القراء وليس كلهم، وهذا يعود لمتذوقي الشعر والأدب..وجل من لا يخطئ..وأنا بطبعي أضمن مقالاتي غالباً أبياتاً شعرية تجسد الحدث وتدعمه من قول السلف.. وهذه ميزة أخذتها عن أستاذي (السوماني) المرحوم محمد مجذوب علي ـ رحمة الله عليه ـ فقد كان دائماً يستخدم هذه الطريقة الناجعة والجاذبة لقراءة المقال.. كما أنها تعطي للقارئ صورة عن أدبنا العربي في توظيف ذكي لا لاستخدام الأبيات الشعرية، والأمثال والحكم..وهلم جرا..ولكنني وأنا أرى حسن النية في هذه الصحيفة أو تلك يقلب الموازين، ويجعل هجيز المقال أو مصححه يقع في خطأ تصويبه، فهو إنما يرى بمنظار نفسه، ولا يستند في ذلك إلى خبرة أو مثاقفة أو معرفة تأكيدية، تقطع ولا تفصل لتقع في خطأ أفدح..ولا لوم على هؤلاء لجهدهم، بل اللوم على مقدرتهم وقطعهم بالشيء، وكأنه مسلمة لا مندوحة عنها.. وسنسوق أمثلة على ذلك تكررت هنا وهناك، لكي نبين أن الشعر لا يقبل المزاح الشخصي عند الاستشهاد به، بل يستند إلى ما هو معروف وموثق في الدواوين والكتب، وهو ما ننبه له لأن يكون دليل عملنا في المجلات والصحف والدوريات ووسائل الإعلام ووسائطه المختلفة.ما أردت إيضاحه باختصار هو استشهادي بمقولة شعرية للأديب الكبير، أبو العلاء المعري، الذي يطلقون عليه: (رهين المحبسين) وهما (المنزل والعمى) ثم هو: ( شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء).. ومن غير المنطقي أن نخطئ في سياق أخذنا بأشعاره..وعلينا الرجوع إلى ما هو مثبت بالكتب حال استشهادنا بالبيت الذي أوصى بكتابته على قبره. وهدفنا من ذلك عدم ورود الخطأ في نية ما تناوله الآخرون، حرصاً على سلامة التناول ودقة المعلومة واحتراماً للشاعر والقارئ، ثم الكاتب.. الخ.(هذا جناه أبي عليَ وما جنيت على أحد)..هذا البيت نستشهد به دائماً كدفع شيء عملناه ونتهم به آباءنا،كنوع من إسقاط الفعل ورميه على الآخر..وهو مبرر غير مقبول، رغم أن المعري استخدمه لمرضه عندما أصيب بالمرض ولم يعالجه أبوه ساعتها، وتلك مرحلة معروفة ومعلوم واقعها.. آنذاك ولا جدال في ذلك!استخدمت البيت أعلاه في مقال لي نشر في (14 أكتوبر، وعدن الغد) الأسبوع الماضي ويتحدث المقال عن (القضية الجنوبية.. والانفصال والفيدرالية.. الخ) وقد ورد البيت أعلاه في الصحيفتين كما يلي:1ـ في (14 أكتوبر) تم تصحيح البيت إلى الآتي:«هذا ما جناه أبي علي..وما جنيت على أحد» بحيث أضيفت (ما) اعتقاداً أنها سقطت على الكاتب، فاختل السياق.. ولا نقاش هنا..2ـ في (عدن الغد) تصحيح البيت على النحو التالي:«هذا جناه علي ابي.. وما جنيت على أحد».. بحيث قدم (عليً) في السياق كمفعول به مقدم في اللغة وأخر (أبي) ظاناً أنه السياق الصحيح، ونسي أن الضرورة الشعرية لدى الشاعر قد كانت سليمة وعلى وزن قويم.. ولكن هو الاجتهاد وحسن النية، ولا عتب على الصحيفتين إلا من حيث عدم العودة إلى المرجع في هذا السياق.. بمثلما نعود للمصحف الشريف عند الاستشهاد بآية، لأن كلام الله يُعلى ولا يُعلى عليه.. ونرى أن الشعر ينبغي الدقة في استخدامه، قدر الإمكان.