كتب/ المحرر السياسي في لحظة تاريخية مهمة وظرف تاريخي مهم استلهم الرئيس عبد ربه منصور هادي معطيات تاريخية مهمة للقيام بزيارة لجمهورية روسيا الاتحادية يمكن الحديث عنها بأنها تاريخية بتوقيتها وأهميتها وجدواها واعتباراتها.فجمهورية روسيا الاتحادية بثقلها السياسي الدولي وقوتها الاقتصادية وقدراتها الإستراتيجية تمتلك حضوراً فاعلاً ومؤثراً لتحقيق وفرض حدود معقولة من التوازن الدولي في ظل معطيات تقذف بالمشاريع المتطرفة إلى واجهة السياسة الدولية من كل صوب ..والثابت أن جمهورية روسيا الاتحادية -- المولودة من رحم متغيرات كادت تعصف بقطب سياسي كان ينافس على نصف القرار الدولي والحضور الدولي والقوة الإستراتيجية -- استطاعت أن تعيد إنتاج نفسها وتفرض حضورها بآليات وسياسات وأدوات ورؤى حديثة تواكب المتغيرات وتتعاطى مع مفردات البناء والنمو والحضور بما يتطلبه حاضر ومستقبل البشرية ..استفادت روسيا من إرث ضخم للقوة والحضور والسياسة، وانتهجت التوازن وتعاطت مع التقنية وطورت الاقتصاد واستحدثت كل مفردات القوة الحديثة ، واختارت النظام الديمقراطي وأعادت تركيب دولة موحدة قائمة على النظام الاتحادي واختطت سياسات تحقق التوازن وتؤمن بالمصالح المشتركة وتدعم إقامة السلام العالمي وتجابه المشاريع الأحادية والاقصائية والاستقوائية المتطرفة ، فحصدت بذلك احترام العالم وأثبتت أنها وريث شرعي متعقل ومستحق للمكانة الفاعلة في المحيط وفي الكرة الأرضية ليس فقط من خلال حضورها المؤثر في المنظمات والهيئات الأممية القائمة ، بل ومن خلال أدوار إقليمية ومشاريع وعلاقات متعددة مع الهيئات والمنظمات والدول ..وما أكدته الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبدربه منصور هادي أنه يدرك هذه الاعتبارات جيداً ويحمل إلى جانبها اعتبارات ومعطيات أخرى تتعلق باليمن ومسار العلاقات التاريخية بين اليمن وروسيا في الماضي والحاضر، حيث كانت ولا تزال روسيا حاضرة بقوة وبحرص على التوازن في كافة مراحل تداول ملف اليمن في أروقة الهيئة الأممية ( الأمم المتحدة ) ومجلس الأمن الدولي ، ولا نكشف سرًّا إذا ما أشرنا إلى أن الصياغة النهائية لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 2014 ) لم تكن لتصل إلى ذلك المستوى من التوازن والتعقل والحرص على التسوية السياسة تحت سقف يمن واحد يتسع للجميع لولا التدخل الروسي الذي تصدى لمشاريع ورؤى صيغت على أسس غير واقعية وغير مراعية لما شهدته ويمكن أن تشهده اليمن ، بل إن بعض الصيغ والمشاريع التي طُرحت ابتداءً للقرار (2014) ولكثير من الوثائق المتعلقة باليمن غالبا ما كانت تحمل بذور التعصب ونكهات التطرف والانشداد لتصفية حسابات حقبة الكفاح ضد الاستعمار القديم.وبالعودة إلى مفردات التاريخ اليمني نجد روسيا بما هي عليها اليوم ( جمهورية اتحادية ) وبما كانت عليه بالأمس ( الاتحاد السوفيتي ) لم تكن لها مواقف سياسية معادية أو حتى مضادة لخيارات اليمنيين ، بل مناصرة لمشاريعهم المصيرية بدءاً بثورة 26 سبتمبر 1962 م و ثورة 14 أكتوبر 1963 م ومروراً بإعادة تحقيق الوحدة عام 1990 م وصولاً إلى دعم التسوية السياسية للأزمة السياسية والصراع السياسي الذي شهدته اليمن ، حيث جاءت المواقف الروسية في صدارة المواقف الداعمة للتسوية على أسس العدالة وقيم التعايش ودعم السلام وتشجيع الشراكة والحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار واستقلال اليمن أرضاً وإنساناً وقرارًاً ..هذه المعطيات كافية للقول بأن زيارة الرئيس عبد ربه منصور هادي لروسيا عمل سياسي وطني تاريخي يعزز المواقف المبدئية لهذا البلد الصديق الداعم لقيم العدالة والتعايش والسلام ، ويؤكد أصالة الشعب اليمني الذي يحمل الجميل لأصدقائه التاريخيين الذين وقفوا إلى جانب اليمن قرابة قرن من الزمان والى جانب ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر أكثر من نصف قرن ، ويؤكد استيعاب القيادة السياسية اليمنية لمفردات الدبلوماسية الحاضرة ومتطلبات العمل السياسي الذي يخدم اليمن والمنطقة ، ويعزز التوجهات الهادفة إلى تحقيق العدالة والسلام لدى كل الشركاء الإقليميين والدوليين .وبالنظر إلى أهم مفردات برنامج الزيارة التاريخية المثمرة نلاحظ الهم الاقتصادي الذي يتصدر هموم ومشاكل اليمن كان حاضراً وحظي بتداولات ومشاورات وأطروحات عملية مستوعبة لواقع اليمن واحتياجاته ومراعية لإمكانات وقدرات الطرف الذي نبحث عن الشراكة معه في مشاريع إستراتيجية تحقق المصالح المشتركة . ويبقى أهم ما يلفت الانتباه في مفردات البرنامج حرص الرئيس عبد ربه منصور هادي على الاستفادة من تجربة سياسية ديمقراطية متميزة أبدى إعجابه بنجاحها وهو يتأمل أعلام الأقاليم التي ترفرف فوق أراضي جمهورية روسيا الاتحادية الجديدة والقوية والفاعلة ، التي استطاع قادتها وسياسيوها أن يحققوا في إطارها وحدة جاذبة وتعايشاً خلاقاً وشراكة فاعلة في السلطة والثروة ووئاماً يحقق السلام وعدالةً ترسخ المحبة وتدفع إلى التنافس الشريف للبناء والإنتاج وتحقيق القوة والمنعة والاستقرار .إن تعزيز العلاقات مع دولة بحجم وتأثير روسيا الاتحادية، وإقامة شراكة اقتصادية وتعاون استراتيجي مع شريك يؤمن بقيم التعايش والعدالة والديمقراطية ويحترم مقامات وخصوصيات الشركاء ويرفض مفردات التفرد والتسلط كما هو الحال في سياسات روسيا الاتحادية ، والاستفادة من تجربة أخذت بأفضل وسائل التقنية وأرقى أساليب الحكم وأرقى قيم السياسة ، لهو عمل سياسي عظيم يدركه ويأخذ به السياسيون والقادة العظماء الذين يدركون مهامهم ومتطلبات بلدانهم ومفردات ما يحيط بهم ، ولا نحسب الرئيس عبد ربه منصور هادي إلاَّ سائرا في هذا الدرب ، مدفوعاً بهم وطني بحت يستدعي من كل عقلاء اليمن أن يكونوا سنداً له في تجاوز مرحلة من أخطر مراحل اليمن تعقيداً ، ولا يمكن تجاوزها إلاَّ بالتوحد والصدق والتكامل والوعي والإخلاص والإيمان باستحقاق وقدرة إنسان اليمن على الخروج قوياً شامخاً من أحلك الظروف .وإذا كان حديثنا اليوم ينصب على التأمل في تجربة روسيا والحرص على الاستفادة منها وتعزيز الصلة بمفرداتها والاقتراب من عواملها وصناعها ، فان اليمنيين مطالبون بالاستفادة من التجارب التاريخية والنظر إلى ما حولنا وما بين أيدينا وما يتطلبه غدنا لنعيد صياغة واقعنا برؤى ناضجة وقيم نبيلة وتطلعات تعيدنا إلى واجهة المجد الذي طالما كنا في صدارة عناوينه على مر التاريخ .
بين يدي فعل سياسي عظيم
أخبار متعلقة