أولى هذه الثوابت هي : الإسلام عقيدة أساسها الإيمان بالله، وشريعة رسوله، فالإسلام كان ولايزال أساس التكوين الفكري والروحي لشعبنا اليمني فهو بمبادئه الأخلاقية وقيمه السامية ضمير الشعب الذي يستحيل تجاهله، أو استبداله بضمير آخر، لأن النظرة الإسلامية للكون والإنسان تتميز بالشمول لكل جوانب الحياة المادية والروحية. إن الإسلام دين قيم، شامل لكل مناحي الحياة، يتفق مع العقل، ويسير جنباً إلى جنب مع منطق التفكير، فهو لايدعو إلى إهمال العقل، بل يحتكم إلى العقل في كثير من قضاياه، وفي كثير من الآيات القرآنية نجد آيات حافلات بالدعوة إلى النظر في ملكوت الله في السماوات والأرض، وآيات تستحث الوجدان لإقامة البرهان، ومنها قوله تعالى : (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب). والإسلام يشتمل على كل ما يمس حاجة الناس، ففيه ما ينظم أمور معاشهم وأمور معادهم، وما يتوقف عليه سعادتهم في دنياهم وأخراهم، فلم يدع ناحية من نواحي الإصلاح إلا وتناولها، ورسم لها أحسن الطرق وأصدقها وأقومها، قال تعالى : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: ( لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به، لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي ).والإسلام قانون شامل للقوانين المدنية والتجارية والحربية والقضائية والجنائية والجزائية، ثم هو قانون في محوره كل أمر من الأمور الدينية والدنيوية. والإسلام دين الوسطية، يدعو إلى التوسط في الأمور، فيجمع بين مطالب الروح ومطالب الجسم، ويوفق بين مصالح الفرد والمجتمع، ويسعى لخير الدنيا وسعادة الآخرة : قال تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً). والإسلام دين خالد صالح لكل زمان ومكان، وهو ما يجعله يتماشى مع مصالح الناس في كل عصر، ويتناسب مع كل بيئة، وفيه من المبادئ السامية ما يكفل تنظيم الحياة الإنسانية، وما يحقق في أوساط الناس الحرية والعدالة والإخاء والمساواة. ولذلك فكل تصوراتنا للإنسان والكون والحياة ينبغي أن تنبثق من التصور الإسلامي الشامل، وأن ننتهج في حياتنا العملية سلوكاً مستقيماً يؤكد هويتنا الإسلامية، انطلاقاً من الثقة المطلقة بشمولية المنهج الإسلامي، الذي نظم عملياً علاقة الفرد بنفسه، وعلاقته بخالقه، وعلاقته بأسرته، وعلاقته بمجتمعه، وعلاقة مجتمعه به وبين الأصول والقواعد التي تحكم سير الحياة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً. وعليه، فإن مجتمعنا اليمني المسلم المؤمن بالله، يرفض آية نظرية في الحكم أو الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع تتناقض مع عقيدته، وشريعته الإسلامية، ولكنه في الوقت نفسه يعتقد أن من حق أي مواطن أو جماعة في هذا الوطن امتلاك الحرية في إعلان الآراء والأفكار، وانتهاج العمل الديمقراطي السليم لتحقيقه، بشرط عدم خروجه عن الإطار الإسلامي العام. ولتحقيق ذلك علينا أن نعود إلى المنابع الصافية للعقيدة الإسلامية والمتمثلة في العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله، ومقاومة البدع الفاسدة، والأباطيل الدخيلة على الدين، وإحياء رسالة المسجد، ومقاومة نزعات الإلحاد والشرك، ومركز هذه هو سمو العلاقات الاجتماعية بين الناس. وثاني هذه الثوابت هو: حب الوطن والولاء له، والحفاظ على سيادته والعمل على رفعته ورقيه والدفاع عنه، باعتبار ذلك شطراً من الإيمان الذي يعد الركيزة الأولى للثوابت الوطنية، وقد جاء في الأثر: (حب الوطن من الإيمان). والوطن الذي علينا أن نحبه هو هذه الأرض السعيدة التي تسمى (اليمن) والتي اتسعت بعون الله تعالى ، واتحدت أصقاعها، وتجمع شتاتها في الثاني والعشرين من مايو 1990م أنه الأرض التي نعيش عليها، وننتسب لها، ونستغل مرافقها، ونعمل جاهدين على استثمار خيراتها، وتوفير أسباب رفاهيتها، ونحافظ على وحدتها، وحمايتها من الغادرين، ونحرص على توفير الأمن والاستقرار في ربوعها. ولكل مواطن وسائله وطرائقه في التعامل مع هذا الوطن، وله أساليبه في عمارته وترقيته، تختلف باختلاف إمكانياته المادية وقدراته الذهنية، وخبرته العملية، وتجاربه الخاصة، وإخلاصه للوطن من عدمه. والحياة السعيدة الهانئة لا تتحقق إلا في وطن حر مستقل ليس فيه مستغل ولا فاجر، ولا مستبد ولا ظالم، لأنه إذا وجد هؤلاء في الوطن، دل وجودهم على ضعف إيمان مواطني الوطن. وهناك علاقة وطيدة بين إيمان الإنسان وحبه لوطنه، فالوطن لن يبنى أو يزدهر أو يتقدم إلا بالمواطنين المؤمنين الذين اقترن إيمانهم بالله بحب الوطن، لأن من صفات المؤمن ألا يكون مستغلاً ولا فاجراً، ولايكون مستبداً ظالماً، بل من شأن المؤمن أن يكون رحيماً بالناس، عادلاً بين إخوانه، مستجيباً لدعوة الحق، ملتزماً بالقوانين التي تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض، وأن تكون علاقاته بغيره قائمة على الصدق والإخاء والمحبة والوفاء ويحب الخير للناس كما يحبه لنفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ). ومن صفات المواطن الصالح أن يحب وطنه ومواطنيه، وأن يؤمن إيماناً صادقاً أن للوطن عليه حقاً، حق الدفاع عنه، حق العمل على رفعته، حق السعي للنهوض به، حق المحافظة على أمنه واستقراره. والولاء الوطني مبدأ شريف ، لا ينسجم بأي حال من الأحوال مع التبعية أو العمالة والارتهان للخارج تحت أي ظرف أو مبرر. ففي ظل الولاء الوطني، يتمكن الشعب من التفاعل والتلاحم الطبيعيين انطلاقاً من تمسكه بأهداف الثورة اليمنية، ومن شعور المواطن بالانتماء إلى وحدة اجتماعية متماسكة متميزة بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، تتحقق فيها الممارسات الديمقراطية البناءة والحياة الحرة الكريمة. والولاء الوطني بمفهومه هذا ولاء لله، وعلى ذلك كان حب الوطن من الإيمان، والدفاع عن الوطن وعن العقيدة، فإذا ما تخلى المرء عن وطنه إنما يتخلى عن عقيدته. وثالث هذه الثوابت هو: الحفاظ على منجزات الثورة اليمنية: الثورة اليمنية لم تكن ثورة ضد نظام حكم مستبد فاسد، أو ضد مستعمر دخيل فحسب، بل كانت أيضاً ثورة إنسانية ضد ركود الحياة على الأرض اليمنية، ذلك الركود الذي أبقاها تعيش في عهد من العهود المظلمة، ولذلك فإن الثورة اليمنية عندما قضت على الحكم الفردي المستبد المتخلف، الذي استغل اسم الدين لتضليل الشعب وإخضاعه، وأعلنت قيام النظام الجمهوري بأهدافه الديمقراطية سياسياً واجتماعياً، وأنهت الاحتلال الأجنبي، جاءت لتعيد للدين جوهره ونقاءه، وجاءت في الوقت نفسه لتحرك جمود الزمن وتقفز بالحياة قفزة هائلة، تنقلها من العهود المظلمة إلى الحياة المتطورة في القرن العشرين، وعلى الرغم مما واجهها في اندفاعها السريع والعنيف إلى الأمام ، فقد استطاعت تجنب الردة إلى الخلف. ولقد استطاعت الثورة خلال مسيرتها الطويلة أن تحقق جملة من الإنجازات الهامة التي لابد من الحفاظ عليها، وفقاً لعدد من المعايير منها: الحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله، باعتبار ذلك قمة المصلحة العليا للوطن وعقيدته، وأن أية تبعية للخارج سواء كانت تبعية مادية أو فكرية أو التزاماً تنظيمياً تعتبر خيانة، لما تجره من إضرار بالوطن وبمصلحته العليا. التمسك بأهداف الثورة اليمنية وتجسيدها فكراً وسلوكاً وفي المحافظة على النظام الجمهوري، وإرساء قواعده، وأسسه الديمقراطية، والالتزام بها قولاً وعملاً، والوفاء لشهداء الوطن الأبرار الذين ضحوا بحياتهم عبر مراحل النضال الوطني والذين فجروا الثورة وحموها بأرواحهم ودمائهم، حتى انتصرت إرادة الشعب اليمني المتجسدة في النظام الجمهوري الديمقراطي. إن الوحدة الوطنية هي القوة التي نواجه بها كل المخاطر التي تهدد كياننا واستقرارنا وسيادتنا الوطنية. وبلادنا اليوم تمر بمرحلة هامة الأمر الذي يقتضي ضرورة توحيد الجبهة الداخلية في موقف وطني موحد، يقوم على أسس محددة المعالم في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تختفي معها التناقضات ، وتغيب الصراعات ليطغي على الموقف هدف واحد، هو توفير الضمانات الضرورية لحماية كيان اليمن أرضاً وشعباً من أي خطر خارجي أو داخلي يهدده، وهذا يتطلب التجرد الكامل على مستوى الشعب والسلطة من كل الطموحات الذاتية المنحرفة التي تهدف إلى سلب السلطة أو تهدف إلى الاستئثار بها، ومن كل رواسب الانتماءات الضيقة والقضاء على مظاهر التفرقة والعصبيات، وعلى كل الارتباطات التي يترتب عليها الولاءات التي لاتخدم اليمن، بل تفرق أبناء الشعب، وتمزق صفوفه. ورابع هذه الثوابت هو الوحدة اليمنية أرضاً وشعباً: إن وحدانية الله تعالى أساس عقيدة شعبنا اليمني المسلم، و (لا إله إلا الله) شعار هذا التوحيد، وهي الأساس الأول للعقيدة التي أتى بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وجاءت الوحدة اليمنية لتجمع اليمنيين وتصهرهم في بوتقة الوطن الواحد وجاءت أيضاً لتوجههم نحو المثل العليا في الحق والخير والفضيلة، وجاءت لتجمعهم على المبادئ السامية التي تنفعهم في معاشهم، وتهيئ لهم أسباب السعادة والنجاح. وعملت الوحدة اليمنية منذ بزغت شمسها المضيئة في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م على لم شتات اليمنيين، وتوحيد شملهم، وجمع كلمتهم وبناء صرح وطنهم العزيز والغالي ، ليكون شامخاً يتحدى المعاندين من أعداء الوطن والدين. لقد جمعت الوحدة اليمنية بين اليمنيين على اختلاف مناطقهم، وتعدد قبائلهم وعشائرهم، وارتبطوا جميعهم بمصالح مشتركة، رغم المؤامرات الداخلية والخارجية، التي تسببت في خلق كثير من المصاعب والمشكلات والمآسي التي عانى منها شعبنا طويلاً، ولكنها في الوقت نفسه قد خلقت في شعبنا روح التحدي، فتماسك وناضل حتى انتصرت الثورة، واستقر النظام الجمهوري. ولعل من أهم منجزات الشعب اليمني قيام ثورتي 26 سبتمبر 1962م و 14 أكتوبر 1963م واللتين مهدتا للوحدة اليمنية المباركة، حيث التحم شعبنا اليمني في اصطفاف وطني رائع لمنازلة الاستعمار في الجنوب، ففتحت جبهات القتال في مختلف المناطق وفتح أبناء الشعب بيوتهم لإيواء المقاتلين الفدائيين في جبهات القتال المختلفة.وكان من الطبيعي أن يتوحد اليمن، أو يستعيد وحدته فور جلاء المستعمر عام 1967م ولأسباب داخلية وخارجية ، استمرت حالة التجزئة التي كانت سبباً لإهدار الطاقات الوطنية، وسبباً لإتلاف الموارد الاقتصادية، وعاملاً للصراع ، وتكريساً لواقع التجزئة والعزلة. وتتويجاً لكل المكاسب الوطنية التي تحققت لشعبنا عن طريق السعي الدؤوب لتحقيق وحدته الوطنية فقد تم في الثاني والعشرين من مايو 1990م إعلان قيام الجمهورية اليمنية، وارتفع علم الوحدة خفاقاً فوق ربوع اليمن الموحد. وإنه على الرغم من حصول بعض الأخطاء والسلبيات من جراء سوء ممارسة السلطة في مرحلة ما بعد الوحدة ، إلا أن ذلك يمكن معالجته عن طريق مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ويمكن تصحيح كل سلبيات ممارسة السلطة عن طريق الاعتراف بالأخطاء، ومعالجة أضرارها بشفافية، وصدق ، وتعويض المتضررين، ومحاسبة المتسببين في الإضرار بمصالح أبناء الجنوب والشمال على حد سواء، دون تمييز أو تفرقة. ولابد من العمل على تجاوز سلبيات الماضي، وتناسي الماضي بكل ما فيه من أحقاد وضغائن الناجمة عن الممارسات الخاطئة للسلطة، ولابد في الوقت نفسه من البحث عن وسائل أخرى لمعالجة القضية الجنوبية، بما من شأنه الحفاظ على الوحدة ، والحيلولة دون تجزئة اليمن مرة أخرى. وبنفس العزم والمثابرة التي واجه بها شعبنا كل الصعوبات والمعوقات التي حالت دون تحقيق الوحدة، حتى استطاع استعادة وحدته، فإنه لزام على شعبنا بجميع فئاته في المرحلة الراهنة الحفاظ على وحدته الوطنية، ونبذ كل وسائل الفرقة والتجزئة.
|
آراء
الثوابت الوطنية
أخبار متعلقة