د/ زينب حزام :عالم مفعم محتشد يضيق بما يحمله من عواطف كبتت وأحلام أجهضت ومشاعر وانفعالات نسجت حتى سممت نفوس صاحبيها ذلك هو حال أبطال قصة الحذاء للكاتب الراحل عبدالله با وزير حيث نتحول كل منهم إلى متهم ينتظر الإدلاء بأقواله في مواجهة شريك يتآكل في انتظار لحظة تتاح له كي يبرئ نفسه من تهمة ملتصقة به وبالطبع قصة الحذاء للكاتب عبدالله با وزير ضمن مجموعة قصصية قطع غيار للسيدات، الحذاء، اسود وابيض، الضيف الكبير صندوق جدتي نفيسة ( الكنز ، الحريق ، المعركة ، الفقيد ، امنية، أطفال وفئران). قدم الكاتب الراحل عبدالله با وزير عدداً من القصص التي تشرح العادات والتقاليد في عدن وحضرموت وكان قنديلاً في سماء الأدب اليمني ولم ينطفئ يوماً .. فكنا على جناح أدبه نتكئ ونحلق في سماء قصصه دون حدود وكان رجلاً يعرف بطبعة الهادئ وطموحه المستمر في تطوير الأدب اليمني . الكاتب الراحل عبدالله با وزير من مواليد 1938م بمدينة غيل با وزير حضرموت ، لظروف مادية واجتماعية قاهرة لم يستطع مواصلة دراسته واكتفى بالمرحلة المتوسطة التي أكملها بالمعهد الديني بغيل با وزير . وبدأ معترك الحياة العملية وهو في السادسة عشرة من عمره زاول عدة أعمال متنوعة عمل في متاجر القطاع الخاص بعدن وكان عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومن رواد القصة القصيرة. وقد نشرت أول قصة قصيرة له بصحيفة الطليعة بالمكلا محافظة حضرموت في ديسمبر 1961م وهو في الثالثة والعشرين من عمره ومن قصصه الرمال الذهبية الطبعة الثانية 1982م وثورة البركان الطبعة الثانية 1983م وسفينة نوح الطبعة الأولى 1981م . يقول الأستاذ محمد عبدالقادر با مطرف في مقدمة قصص الحذاء .. أن كاتب القصة القصيرة الموهوب ذو القدرة على التخيل الذي يتقن اللغة التي يكتب لها . يروي قصته على هدى من سليقته ويجعل من إبداعاته الأدبية الرفيعة في كتابة القصة مثلاً يحتذي به ومنارا يسار في ضوئه وأمامنا مثل لكاتب القصة القصيرة الموهوب المتفنن الأستاذ عبدالله با وزير مؤلف هذه المجموعة التي بين أيدينا.إن القارئ الذواق للقصة القصيرة الذي يقرأ قصص الأستاذ « با وزير « ويتفحص تركيب كل قصة من قصصه من خلال النظرة الفاحصة إلى « التكنيك « المتميز الذي يكتب به قصصه القصيرة سوف يجد نفسه أمام يد ماهرة في فنها وسوف يستفيد في مخيلته القوية ومن أسلوبه الأدبي المشرق في معالجة قصصه. ولربما وافقني القارئ كلمتي هذه أن الأستاذ « باوزير « بالإمكان أن يوصف بحق أنه فكر خلاق ووقاد قلم ألمعي فراس - ولكل مجتهد نصيب . يقول الكاتب الراحل عبدالله باوزير في قصة الحذاء التي تدور أحداثها حول جندي يعمل في الجيش استأجر شقة فوق أسرة حيث تحدث الزوجة زوجها عن هذا الجندي الذي يتميز بالصرامة والعنف : «...استسلمت للنوم . نمت . لا ادري كم من الوقت مضى عندما استيقظت مذعوراً على اثر ضربات عنيفة على سلم المنزل طاخ .. طاخ .. التفت مذعوراً فإذا بزوجتي تهمس في أذني قائلة: ها هو طالع السلم. قلت في حنق : من هو ؟ أجابت باختصار : « الجندي « قلت : ومن اعلمك بذلك ؟ أجابت: وهل تراني نمت حتى الآن لقد كنت أراقبه من خلال النافذة التي أمامك حتى دخل المنزل. قلت : وكم الساعة الآن ؟ قالت : الواحدة بعد منتصف الليل. قلت : وما هذه الطرقات التي على السلم ؟ قلت في ثقة العارف بالأمور: حذاؤه لقد كان لابساً حذاء ضخماً لم ارى مثيلاً له من قبل. تهالكت على فراشي وصوت الحذاء يعلو ويعلو وكأنه يهوي على راسي. اقتربت زوجتي مني وقالت. لقد حذرتك من قبل فماذا نعمل الآن؟ قلت لها في تبرم: ننام وفي الصباح ننظر في الأمر. يواصل الكاتب با وزير أحداث قصة الحذاء : “ ... “ مر اسبوع كامل منذ تلك الليلة والحذاء “ يزمجر “ فوق رؤوسنا كل ليلة حتى تعودنا أن لا نمضي للنوم إلا بعد أن يدخل الجندي غرفته ويرمي حذاءه فوق رؤوسنا فرده بعد أخرى بعد ذلك ننام مطمئنين. وكنت خلال ذلك الأسبوع احدث نفسي كل ليلة بأنني في صباح اليوم التالي سأفاتح الجندي في الموضوع فتلهيني مشاغلي عن ذلك وفي صباح ذات يوم التقيت صدفة بجارنا “ الحاج جمعة “ تحدثنا عن أمور كثيرة ثم عرضنا إلى موضوع ذلك الحذاء . عند ذلك طمأنني الرجل وقال “ لا تقلق يا بني سأتوسط أنا في الأمر وسأخبره أن يبطل عنتريته في مثل تلك الساعة المتأخرة من الليل. وسأعلمه كيف يطلع السلم في هدوء. ويختتم القاص عبدالله باوزير قصة الحذاء ، حيث تنتهي بالحدث التالي : “ ... مر أسبوع بعد تلك “ الهدنة “ كنا خلاله قد نسينا قصة ذلك الحذاء وهكذا نحن دائماً - وفي ذات ليلة - وفيما نحن في سبات عميق وإذا بنا نهب من نومنا مرعوبين اثر صوت ارتطام ذلك الحذاء بسقف الغرفة في ضربة قوية أعادت إلى نفوسنا الخوف والقلق ولم تحتمل أعصاب زوجتي سماع الضربة الثانية فانهارت وارتمت على فراشها وهي تصم أذنيها بيديها بينما طاطات أنا رأسي في انتظار الحذاء الأخرى. أن قصة الحذاء جاءت ضمن مجموعة قصصية للكاتب الراحل عبدالله باوزير وهي تعالج بعض التصرفات غير المستحبة من قبل فئة من رجال الأمن والجيش وهذه القصة تعالج هموم المواطن العادي في المجتمع اليمني ولقد أعطى الكاتب با وزير الفرصة الكاملة للمواطن العادي في التعبير عن معاناته وتطلعاته للمستقبل الأمن والمشرق والكاتب الراحل عبدالله باوزير كان قبل هذا وذاك عاشقاً لشعبه ووطنه وهو القائل :” أنا رجل انتمي للوطن وهذه الأرض الطيبة التي يتوسد في كل مناحيها القلب ونبض الجوانح فانا إذن بدوي الثقافة والجذور . تأسرني قيم الثقافة في حضرموت وعدن بوثاقها الإنساني وبهذه المقاييس احمل مصابيح المحبة وحب الوطن . وكان رحمه الله مؤمناً صادقاً بدور الفن في بناء عقل ووجدان الناس، ومجموعة الحذاء القصصية تطل منها على العادات والتقاليد اليمنية وهي نافذة سحرية تجعلنا نطل من الوعي واللاوعي على صورتنا وصورة غيرنا في عيون الحضارة.
|
ثقافة
قراءة نقدية في قصة الحذاء للكاتب الراحل عبدالله با وزير
أخبار متعلقة