محمـد حسـين هيكل فـــــــي أحـدث حـوار صحفـي
قال الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، إن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإسرائيل تأتى على أعتاب مبادرة يتوقع تقديمها خلال مؤتمر القمة العربية المقبل بشأن تسوية نهائية لأزمات الشرق الأوسط بقبول الدول العربية التطبيع الكامل مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضى الفلسطينية، موضحاً أن «أوباما» لن يلعب في مدته الرئاسية الثانية دور الوسيط بين «إسرائيل وفلسطين» بسبب اهتمامه بإعادة التوازن للوضع الأمريكي الداخلي الذي يشهد تراجع «قوة وقدرة».وأضاف «هيكل»، في سياق حواره مع الإعلامية لميس الحديدى على قناة «سى بى سى»، في ثانى حلقات برنامج «مصر أين؟ ومصر إلى أين؟» يوم امس الاول «الخميس»، إن الدعوات التي خرجت من البعض لعودة الجيش للسياسة جاءت من منطلق فقدان الشعب للأمان الذي يمثل أهمية تطغى على «الأزمات السياسية والاقتصادية»، موضحاً أن تنظيم الإخوان يدرك أن الجيش لا يريد العودة للسياسة ولن «يغدر بهم» ولكن الأمر الأصعب هو أنه تأكد لدى الرأى العام بأنه بلا قائد يستطيع الحديث معه في ظل تراجع شعبية وفقدان مواقع قوتهم مثل خسارة انتخابات اتحادات الطلاب والنقابات العمالية.وأوضح «هيكل» أن على قيادات مكتب الإرشاد أن يسألوا أنفسهم حالياً: «لماذا فقدنا الشعبية التي عرفنا بها في تلك الفترة البسيطة؟»، كاشفاً عن أنه اطلع على ورقة قبل 4 سنوات خلال زيارته لدولة الفاتيكان تتضمن 11 سبباً لدعم النظام الأمريكي لجماعة الإخوان كونها البديل القادم حال سقوط نظام «مبارك»، منها أنهم معادون للأفكار القومية ولهم جذر ثقافي ثابت، مشيراً إلى أن تعليق الاتحاد الأوروبي مساعداته المالية لمصر جاء لإدراك أوروبا أن مصر فقدت ملامح الحضارة والرقي التي تمتعت بها على مدار السنوات السابقة، خاصة ما يتعلق بقضايا المرأة، موضحاً أن محاولات «الإخوان» لقتل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ثابتة برغم محاولات إنكارها، مؤكداً أن «عبدالناصر» قال له في اجتماع مشترك: «الإخوان قتلة».ونظرا لأهمية الحوار تعيد ( 14 اكتوبر ) نشره تعميما للفائدة .[c1] بداية، كيف ترى زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمنطقة، بدءاً من الأراضي المحتلة وصولاً للأردن ولماذا برأيك لم تتضمن الزيارة مصر؟[/c]* علينا أن نحدد في البداية مقصد «أوباما» من تلك الزيارة، فهو في المدة الثانية من رئاسته، وأي رئيس أمريكي عادة ما يسعى لوضع بصمة له في تاريخ الولايات المتحدة خلال المدة الرئاسية الأخيرة له، وأظن أن منطقة الشرق الأوسط ليست ضمن أولويات «أوباما» لأن الشأن الداخلى يشهد «تراجع قدرة وقوة»، فأمريكا تنازلت في قوتها كثيراً جداً، وعنصر القوة مرهون بـ«المال والسلاح»، فعلى صعيد التسليح بلاد كثيرة في الوقت الحالى باتت تملك السلاح النووي وليست الولايات المتحدة فقط، أما ما يتعلق بالمال وملحقاته بالتطور العلمي وغيره، فلا بد أن نعلم أن أمريكا باتت تحتل الآن المركز السابع أو الثامن على مستوى البلاد الأكثر تقدماً في مجال التعليم، فضلاً عن أن ديونها الخارجية بلغت 20 تريليون دولار، بالإضافة لعجزها السنوى الذي بلغ 4 تريليونات دولار، ولذلك فإن أولويات «أوباما» الأولى للشأن الداخلي.[c1] ماذا عن سيناريو المرحلة المقبلة في ظل زيارة «أوباما» للمنطقة؟[/c]* هناك قمة عربية خلال أيام، وأرى أننا بصدد تسوية نهائية لأزمات الشرق الأوسط، وأظن خلال مؤتمر القمة العربية أن بعض الدول ستقول إننا نقبل التطبيع الكامل مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة، والحقيقة أن العالم العربي حالياً يعاني كله من حالة تدمير، وإسرائيل تتصور أن هذه هي اللحظة المناسبة، وأتصور خلال مؤتمر القمة ستطرح هذه المبادرة وسيحدث شد وجذب حول سحب المبادرة من عدمه، بالتزامن مع زيارة «أوباما» لإسرائيل، لتخرج إسرائيل لتعلن قبولها المبادرة لفترة زمنية محددة وتبدأ عمليات التفاوض مع الدول العربية مثلاً «هتفاوض مع سوريا على إيه وما وضع الجولان وماذا عن وضع فلسطين»، وإذا طلبت إسرائيل أن تتفاوض مع كل دولة عربية على حدة أظن أننا سنصل لتسوية كاملة وتنتهى الأزمة، ولكن الوضع في مجمله صعب، وأرى أنه في أعقاب هذه الزيارة سيعود جون كيرى وزير الخارجية الأمريكي لزيارة مصر مجدداً لمناقشة تلك المبادرة، فمهمة «أوباما» الحالية هي أن ينأى بنفسه عن أزمات الشرق الأوسط من أجل أن يتفرغ لحل أزمات أمريكا الداخلية فهو لن يلعب دور الوسيط كـ«جورج بوش أو بيل كلينتون»، فهو الآن «محرك ولا يحل» مستغلاً المبادرة العربية، وإسرائيل ستتفاوض من مبدأ القوة بأنها الدولة الوحيدة في المنطقة غير المدمرة.[c1] تحديداً لماذا لم يزُر «أوباما» مصر ضمن رحلته الحالية؟[/c]* لأن مصر الآن خرجت من صراع الأراضي، وعلينا أن نعلم أن هناك اعتبارات لزيارة «أوباما» التي جاءت بضغوط من اللوبي الإسرائيلي الذين يرونه موالياً للعرب وغير متحمس لإسرائيل، فهو لا يريد الدخول في تلك الشبهات، خصوصاً أن مصر الآن ليست طرفاً في الأزمة.[c1] لكنك تحدثت سابقاً عن أن مصر لاعب رئيسي في تلك العملية؟[/c]* نعم هي ما زالت لاعباً رئيسياً ولكن بالتحركات والمراقبة للمشهد.[c1]أو في التحكم بـ«حماس» مثلاً؟[/c]* «حماس» قضية مختلفة، فهي نفسها ليست طرفاً إذا قَبِل الرئيس الفلسطيني محمود عباس حدوداً من نوع معين، والإسرائيليون لديهم كتلة من المستوطنات، والسؤال الآن لماذا لم يرضَ ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل بكتابة دستور للبلاد، فهو قالها: «لا أريد تحديد هوية الدولة ولا تحديد حدودها لأن الحدود ترسمها دبابات الجيش»، فالأزمة الآن هي تسوية الأوضاع في الضفة الغربية والوضع في غزة التي ربما تنضم لحدود الضفة من خلال إنشاء جسر علوي، فمصر الآن ليست وسيطاً في المفاوضات ولكنها ستعلب دور «المُسهل ولو بالصمت»، فاللاعب الرئيسي أحياناً كثيرة يؤدى دوره ببراعة من خلال الصمت.[c1] منذ أيام اكتشف الجيش المصري قماشاً ينتمي للزي العسكري من خلال الأنفاق بين رفح وغزة، مما جعل الأمر مقلقاً وسط أنباء متواترة حول ضلوع «حماس» في مذبحة رفح؟[/c]* أنا أعتقد أننا نبالغ كثيراً في قوة «حماس»، فالحركة نفسها تدرك أن قطاع غزة مرتبط تاريخياً بمصر وأي فرد فيه يدرك أنه لا يستطيع تجاوز حدود معينة مع «مصر»، فضلاً عن أن القطاع تعامل مع قوة تسمى «الجيش المصرى» وأظن أن «حماس» لا تريد استفزازه، أما فيما يتعلق بأزمة الأقمشة العسكرية أعتقد أنها تحتاج لتقصٍّ أكثر، فأنا لا أنكر أو أؤكد «وجود مؤامرة»، وربما هناك عناصر لا تنتمي لـ«غزة» تريد إحداث فتنة ووقيعة ومن الممكن أن تكون تلك العناصر من «الإخوان».[c1]عناصر من «الإخوان».. كيف؟[/c]* أقول من الممكن، والأمر يحتاج تقصياً أكثر وأدق وفي جميع الأحوال الشبهات واردة.[c1] كيف ترى وقائع القبض على أحمد قذاف الدم المنسق السابق للعلاقات المصرية - الليبية؟[/c]هناك وجهتا نظر؛ الأولى أن هناك معاهدات بين مصر وليبيا تنص على تسليم المطلوبين أمنياً، ووجهة نظر أخرى [c1]تتحدث عن أن هناك صفقة حول تسليم رموز نظام القذافى مقابل إعادة العمالة المصرية إلى ليبيا؟[/c]* أحمد قذاف الدم كان موجودا بمكتبي منذ شهر تقريباً، والحقيقة أنه ليس صديقي، لكن الواقع أنه لعب دوراً رئيسياً في التسليح المصري بصرف النظر عما شاب صفقات التسليح، فهو كان موجوداً بمصر خلال حرب أكتوبر وأعرف أنه في عام 1973 كان مسئولاً عن مليار دولار أرسلتها ليبيا لمصر بشأن شراء المعدات النهائية للحرب وتحديداً القوارب المطاطية من إيطاليا، الأمر الثاني أن «قذاف الدم» كان مصنفاً كسفير فوق العادة لدولة ليبيا وحينما وقعت ثورة يناير ربما يتحدث البعض عن أن مدته انتهت بسقوط «القذافى» ولكن هناك شبهة أنه موجود بالقاهرة كلاجئ سياسي والشواهد تؤكد ذلك، وكانت هناك حراسة خاصة له من الدولة المصرية، ولكن هناك نقطة هامة جرى ترسيخها منذ زمن الخديوي إسماعيل أن مصر بدأت تقبل «استقبال اللاجئين» من سوريا ولبنان وكان لهم دور كبير في التحول المصري في مهنة الإعلام، وملك ليبيا نفسه «السنونسي» استقبله الجيش المصري كلاجئ سياسي في أعقاب الثورة الليبية، ومنذ وقتها شعر كل لاجئ عربى أن مصر لن تؤذيه ولكنها إذا شعرت بخطر ستقول له «اتفضل امشي».[c1] ماذا عن زيارة «قذاف الدم» لك قبل شهر؟[/c]* الرجل قال لي: «أنا ممنوع من السفر»، وأوضح أنه تلقى رسمياً عرضاً من فرنسا للجوء إليها، فكيف تمنع من يطلب الخروج من البلاد لعدم إحراجك كونه يمتلك شبهة لاجئ سياسي وفي نفس الوقت تلقي القبض عليه، وربما لن أقف كثيراً فيما يتعلق بمسألة القبض عليه، ولكن الأزمة في تسليمه، فهناك واقعة قديمة في عهد «مبارك» اسمها «منصور الكيخيا» ذلك المعارض الليبي وكان الرجل مطمئناً جداً في مصر وفجأة عقدت صفقة لتسليمه، والأمر المحزن أنه طوال 15 عاماً من تسليمه احتفظ «القذافى» بجثته حتى شيعت جنازته في أعقاب الثورة الليبية، ولا أتصور تسليم شخص يملك شبهة اللاجئ السياسى.[c1]لكن البعض ربما يتحدث عن أن مصر الآن غير ملتزمة بالاتفاقات السياسية التي عقدها المجلس العسكري في الفترة الانتقالية، فالوضع الاقتصادي صعب ومن الممكن أن تأتى مليارات لحل الأزمة من جراء الاتفاقات الجديدة حول مثلاً تسليم «قذاف الدم» وغيره؟[/c]* هناك فارق بين تعهدات دولة وأي شخص آخر، فهل مثلاً يستطيع أحد أن يقول إن اتفاقية السلام «ملناش دعوة بيها»، ولماذا تظل جملة «احترام الاتفاقات الدولية» هي الأبرز حينما يسقط نظام ويحل محله آخر، وهنا لا أقصد «قذاف الدم» بعينه ولكن ببساطة لا يستطيع أحد أن يتنصل من اتفاقات سابقة، وأنا لا أطالب الدولة المصرية بالاحتفاظ بـ«قذاف الدم» على أرضها لكن على الأقل «لا تمنعه من السفر».[c1] هل تزعجك فكرة الصفقات؟[/c]* أنا لا أرضى بصفقات، فالغايات لا تبرر الوسائل، رغم أننى أعلم أن الدولة لها أحكام وظروف لكن «قذاف الدم» طلب السفر خارج مصر في أكثر من مناسبة والدولة رفضت السماح له بذلك.[c1]ماذا عن قرار البرلمان الأوروبي بتعليق إرسال المساعدات لمصر على خلفية أزمات المرأة والحريات؟[/c]* البرلمان الأوروبي كان أسرع من أمريكا في التعامل مع أزمات البلاد الحالية، فواشنطن قدمت تسهيلات من أجل وصول هذا النظام للحكم و«تصبر عليه» لأنه الحل الأمثل لأزمات المنطقةوفي مقدمتها الصراع العربي الاسرائيلي ، لكن أوروبا اتخذت هذا القرار بسبب «خيبة أملهم» في الإخوان، وليس هم فقط بل أنا أيضاً فمثلاً اعتقدت أن الإخوان سينجحون بامتياز في مسألة عودة الأمن لعبور الأزمة الاقتصادية ولكن الأمر تفاقم.[c1] تحديداً فيما يتعلق بقضايا انتهاكات حقوق المرأة؟[/c]* بالتأكيد قضايا المرأة حيوية، بالإضافة لحقوق جميع الطوائف والأديان الأخرى، فأزمة مصر الحالية هي الشعور بـ«ضياع الأمان»، فالشعب المصري لم يضَع في حسبانه يوماً ما «الخوف والقلق»، وأتذكر أن السيدة «هيملتون» زوجة رئيس مجموعة إدارة جريدة «التايمز» البريطانية كانت تتنزه في مصر بمفردها وكانت دائماً تقول لي «أستغرب من ذلك الشعور بالأمان»، فأوروبا ترى أن مصر فقدت روح الحضارة والإنسانية.[c1] حتى وسط ضغوط وزير الخارجية الأمريكي على الدول الأوروبية؟[/c]* ليعلم الجميع أن أمريكا لا تستطيع الضغط حالياً على دول أوروبا، فالشخصية الأقوى في أوروبا هي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وزمن ضغوط الرئيس الأمريكي «إيزنهاور» انتهى.[c1]الشأن الداخلي ملتهب، فاليوم تخرج تظاهرات باتجاه مكتب إرشاد الإخوان للتنديد بوقائع الاعتداء على المتظاهرين والصحفيين الأسبوع الماضي، هل ترى أن قيادات الإخوان تسأل أنفسها كيف وصلنا بهذه السرعة للغضب الشعبى؟[/c]* هناك تخوفات من الإخوان، ولكنني شخصياً خائف على الإخوان، فالظروف دفعت بهم للسلطة من حيث لا يعلمون، وأنا أظن أنهم لم يتوقعوا وصولهم للسلطة بهذه السرعة، أخشى على «الجماعة» في هذه الأوقات لأن حاضر مصر بين أيديهم، أخاف من تصرفاتهم انطلاقاً من الخوف على البلاد، فسياسات تيار الإسلام السياسي التي درستها تؤكد أن اختلاط الدين بالسياسة «مسألة لا بد أن تؤخذ بحذر»، فمثلاً وضع الآيات القرآنية والمصطلحات الإلهية في الدستور خطأ، فالدستور هو عمل إنساني لا يصح أن نقحم فيه دين الله المنزه عن الأخطاء.[c1] ماذا عن الأوضاع داخل مكتب الإرشاد حالياً؟[/c]* الحقيقة أن الجميع يظلم الإخوان حالياً، فأتذكر جملة للمناضل الوطنى مكرم عبيد (العنيف ضعيف.. حتى وإن غطى ضعفه بالتخويف)، فما يفعله الإخوان حالياً من العجلة في «الأخونة» ليس دليل فقه ولكن دليل على نزعة شمولية تتناقض مع الديمقراطية ويمهد للانفراد والاستبداد.[c1] لكن وسط هذا القلق الإخواني هناك تدمير لمؤسسات الدولة؟[/c]* علينا أن نتذكر جيداً أن «الإخوان» سابقاً كان طرفاً سياسياً مقبولاً في المجتمع لأنه أظهر نفسه كطرف مستضعف ولكنه في الوقت نفسه كان يقدم مساعدات للناس من «الإسعاف والسكر والزيت» والآن وصلوا للسلطة وتحول الأمر من مجرد مساعدات يطلبها الناس لقرارات لا يستطيعون اتخاذها، ولذلك خيبة الأمل عند الناس جاءت ممن توسم الخير فيهم، لكن علينا أيضاً أن نرى أن معارضي الإخوان رفضوهم منذ اللحظة الأولى ولم يمنحوهم الفرصة، فالجماعة تحتاج مناقشة صريحة حول إدارة البلاد، وأعتقد أن الأوضاع في «الإرشاد» حالياً تدور حول تساؤلات بين القيادات وبعضهم البعض حول ماذا حدث لفقدان الشعبية ولكل هذا الغضب.[c1] تقصد في نقطة الشعبية ما يتعلق بخسارة الإخوان في انتخابات اتحادات طلاب الجامعات؟[/c]* بمعنى أدق أن «الجماعة» وجدت أن لحظة المجد التي تتنظرها باتت في الوقت نفسه هي لحظة الأزمة، فهم وصلوا للسلطة وسط وعود وصلت لحد «الفردوس»، فالإخوان الآن لديها أسباب حقيقية للقلق وعليهم أن يراجعوا أنفسهم، فانتخابات اتحادات الطلاب والاتحادات العمالية كانت سابقاً المنطلق الحقيقي للإخوان نحو السلطة، وحينما نأتي لمقارنة الماضي بالحاضر نجد أن هناك إعراضاً عنهم في المواقع الأساسية للزحف الإخوانى سابقاً.[c1] الانتخابات التكميلية لنقابة الصحفيين لم تشهد نجاح أي عنصر ينتمى للإخوان، هل ترى ذلك استمراراً لفقدان المواقع الأساسية للزحف، وهل نستطيع أن نربط نجاح ضياء رشوان كنقيب للصحفيين بالاعتداء على وسائل الإعلام أمام «الإرشاد»؟[/c]* خسارة الإخوان لهذه المواقع «أكثر ما يقلقهم حالياً»، لأن ـ«الجماعة» حالياً ًترى أن كل منحنى بالأرض يتربص به قاتل.[c1] هل ينزعج الإخوان من دعوات البعض لعودة الجيش للسياسة؟[/c]* دعوات الجيش للعودة هي «صرخة أمينة من الشعب» لفقدان الأمن وليس السياسة، فالحد الأدنى من المجتمعات هو الأمن، فالشعب هنا لا يستغرق تفكيراً في السياسة والاقتصاد وغيرهما من أزمات، ولو دققنا في المشهد تفصيلياً سنجد أن الأزمات نفسها ستواجه القوات المسلحة حال عودته، وتلك المطالب التي تخرج بعودة الجيش لحفظ الأمن تخلق نوعاً من الطمأنة لدى البعض، والجيش بالنسبة لقيادات «الإرشاد» هو طرف تستطيع التعامل معه وهم على يقين بأنه لن يعود للسياسة ولن «يغدر بأحد» لكن الأمر المخيف هو الرأي العام الذي ربما وصل الأمر لديه لنوع من الكراهية مع فصيل الإخوان، فالجيش له قيادة بعينها ربما تستطيع التفاهم معه لكن الشارع ليس لديه قيادة.[c1]هل الإخوان جماعة تتواكب مع العصر الحديث؟[/c]* منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 أصبح البعض مؤمناً بأن حكم الإسلام ممكناً في ذلك العصر الحديث، فالإخوان وجميع تيارات الإسلام السياسي وصلوا للحكم ولكنهم ليسوا قادرين على تحقيق مطالب الناس، وكان علينا أن نمر بتلك التجربة، ويجب على جماعات الإسلام السياسي أن تحذر إن لم تستطِع التواؤم مع العصر فسيخرجون من «التاريخ والعصر معاً».[c1] هل على أرض الواقع «الإخوان» تتعامل وتتواكب مع العصر؟[/c]* حتى هذه اللحظة الوقائع تؤكد أن الإخوان لم يدركوا قيمة العصر أو اللحظة، ولذلك جاء الانزلاق الشعبى، فكنت أتصور أن حكم الإخوان سيقدم خطة عاجلة فورية لضبط الأمن بالبلاد وأن الحكم ليس «غزوة» ولكن أستطيع أن أقول إن جماعة «الإخوان» بدأت العد التنازلي للخروج من العصر والتاريخ ولكنني أتمنى أن يتداركوا أخطاءهم.[c1] تنظيم الإخوان الذي نشأ عام 1928 هل وضع في حساباته الانتقال من الوضع الدعوى للعمل بالسياسة؟[/c]* علينا أن نتذكر التاريخ، ونسترجع بدايات حركات الإسلام السياسى، بدءاً من الخلافة العثمانية التي كانت رمزاً للإسلام ووقتها الاحتجاجات المضادة للخلافة العثمانية كانت مدنية تطالب بالتطور المواكب للتطور الأوروبي ولذلك كانت حركات تنويرية، فالإسلام في السياسة سابقاً بدأ من خلال الحرب العالمية الأولى، من خلال مصر عن طريق الملك فؤاد فضلاً عن دخول «السعودية» على الخط ذاته، وللعلم مصر كانت تدفع الجزية للدولة العثمانية آنذاك بمقدار 6 ملايين جنيه استرلينى حتى عام 1952، ومع تداعي وإعلان سقوط الخلافة الإسلامية ظهر حسن البنا وجماعته بإيعاز من الشيخ رشيد رضا من أجل إحياء فكرة الخلافة الإسلامية، ومن هنا انطلق دور الإسلام السياسي في العصر الحديث.[c1]هل اختلفت علاقة الإخوان مع النظام الحاكم بدءاً من الملكية وصولاً لجمال عبدالناصر ومتى بدأ العنف في سلوك «الجماعة»؟[/c]*الإخوان منذ ظهورهم أدركوا أنهم لا يستطيعون أن يكونوا «جهة مستقلة» بل ظلوا محسوبين طوال تاريخهم على أحد أطراف المعادلة السياسية، فعلاقة «الجماعة» ثابتة بشكل ما مع المملكة العربية السعودية طوال تاريخها، بمعنى أدق أن رئيس الوزراء الأسبق «على ماهر» بعد معاهدة 26 وجد أن شعبية حزب الوفد باتت كبيرة في الشارع فاتجه عن طريق مجموعة وزراء إسلاميين في حكومته للاستعانة بقوة أخرى لها وجود شعبي «ليست سياسية» في ذلك الوقت، خصوصاً أنه في ذلك الوقت ظهر ما يسمى «الميليشيات» تأثراً بالأفكار النازية لـ«هتلر» فظهر ما يسمى «القمصان الخضراء والزرقاء» لحزب مصر الفتاة وأصبح لدينا وقتها 3 قوى هى: «الإخوان وحزبا مصر الفتاة والوفد».[c1]إذن الإخوان كانوا دائماً مساعداً لطرف ما؟[/c]*استخدمهم «علي ماهر»، في وقت الحرب العالمية الثانية، كان هناك تواصل مع إنجلترا والوثائق تثبت ذلك، ولا يستطيع أحد الإنكار، وأتذكر واقعة أن أحد الأصدقاء خلال زيارتي لروما والفاتيكان منذ 4 سنوات، قدم لي ورقة تتحدث عن أن القيادة في مصر للإخوان وأن التيار الإسلامى هو البديل حال سقوط نظام مبارك، وسألنى بصراحة «هل ترى تلك العناصر صادقة؟»، وتضمنت تلك الورقة معلومات تتحدث عن دعم أمريكا للإخوان بسبب ما يسمى «الجذر الثقافي الثابت في الأرض» فضلاً عن قاعدة تصويتية عالية ومعادين لأفكار القومية الناصرية، بالإضافة لشعبيتهم لدى الناس بسبب خدماتهم، وتضمنت الورقة 12 سبباً أن تكون الإخوان هي البديل لنظام «مبارك»، ولم أعطِ لتلك الورقة أهمية كبرى في ذلك الوقت.[c1] متى بدأ العنف يظهر في سلوك «الجماعة»؟[/c]* العنف يبدأ من الميليشيات التي تؤدي لوجود تنظيمات، وتصاعد الأمر مع حرب فلسطين في عام 1948 وتصوروا وقتها أنهم يستطيعون تجنيد الشباب تحت شعار الجهاد.[c1]لكن الجهاد في فلسطين يختلف كثيراً عن محاولة اغتيال «عبدالناصر»؟[/c]* أنا كنت شاهد عيان على حرب فلسطين، ودور الإخوان في الحرب أنهم كانوا موجودين فقط في المعارك ولكنهم «لم يقاتلوا حسب ما يتصور الناس»، فالمعارك وقتها كانت في الجزء المخصص للتقسيم، فجميع الحكومات العربية قبلت قرار التقسيم ولم يكن أمامنا وقتها سوى مجموعة مستعمرات الجنوب، فعناصر الإخوان لم تحقق «معجزات» في حرب فلسطين، أو كما قال قائد الإخوان في الحرب كمال الدين حسين، إن الإخوان «حموا مؤخرة الجيش المصرى» أثناء الانسحاب.[c1] ماذا عن لقاءاتك مع مرشدي الإخوان؟[/c]* تقابلت في أكثر من مناسبة مع حسن البنا وأيضاً مع مأمون الهضيبى في السجن بعد تسليمه لنفسه في أعقاب محاولة اغتيال «عبدالناصر»، فضلاً عن عمر التلمسانى في السجن أيضاً وسط مناقشات مطولة.[c1] هل يختلف «البنا والتلمساني والهضيبي» عن «عاكف وبديع»؟[/c]* لا أعرف محمد بديع، ولكن من خلال اللقاءات المصورة لمرشد الإخوان السابق مهدي عاكف أجده رجلاً متكلماً، «البنا» هو مؤسس النظام الخاص وأعتقد أنه «نادم عليها».[c1] هل مصطلح النظام الخاص المقصود به «الميليشيات»؟[/c]* التنظيم الخاص هو تنظيم سري مقصود به محاربة الاحتلال الإنجليزى ولكنه لم يظهر مع «الإنجليز» ولكن ظهرت آثاره في وقائع العنف بالداخل في وقائع اغتيالات «النقراشى وأحمد ماهر».[c1] كنت شاهداً على محاولة اغتيال «عبدالناصر»، لماذا تحاول جماعة الإخوان إنكارها؟[/c]* حينما تحاول «الجماعة» الإنكار فهي تستهتر بـ«العقل والرؤية»، فالإخوان عليهم في هذه اللحظة أن يجتمعوا للاعتراف بأخطائهم السابقة.[c1] هل كان «عبدالناصر» عنيفاً مع الإخوان بعد محاولة الاغتيال أكثر مما ينبغى؟[/c]* «عبد الناصر» قال لي بالإنجليزية «إنهم قتلة» وكان يعرفهم جيداً، والأمر كذلك لأنور السادات الذي كتب مؤلفين عن الإخوان، وتنظيم القاعدة هو أحد تفرعات الإخوان، خصوصاً أن الانشقاقات طبيعية في حركات الإسلام السياسي.[c1] أخيراً.. هل من الممكن أن يخرج الرئيس مرسي عن عباءة «الجماعة»؟[/c]*أظن أن المنصب يعطيه المسافة التي يتحرك فيها حراً من أجل إنجاح مشروع الحزب الذي يمثله، ولكنني أخشى أن يكون الالتزام شبه عقائدي وليس سياسياً، يعطي نوعاً من التجميد الذي لا يحتمل بالسياسة.