لا يختلف اثنان على أن الحوار هو الوسيلة الحضارية الوحيدة التي يلجأ إليها الفرقاء المختلفون على شيء ما في نهاية المطاف بعد أن يكونوا قد استنفدوا كل الوسائل والأساليب الملتوية والمتنوعة .. ولكن لماذا يعود الناس في النهاية إلى التفاهم والتحاور والنقاش لحل المشاكل والقضايا الكبرى عن طريق اللسان واللغة والمنطق والعقل والحكمة ؟ لأن الإنسان تميز عن سائر المخلوقات الأدنى منه بهذه الصفات السامية والراقية والحضارية ولا يلجأ إلى لغة العنف والقتل والتدمير ورفض الآخر وإقصائه إلا نادراً وعندما لا يكون له أي خيار غير العنف أو عندما يضيق تفكيره وأفق عقله وعندما تأخذه العزة بالإثم وتأخذه حمية الجاهلية والعواطف والانفعالات الجياشة والنعرات القبلية والعنجهية والعنصرية وعندما يتصف بالتهور والتخلف ويفتقر للحكمة والفطنة والكياسة والسياسة . لو نظرنا إلى سلوك الثور والكبش مثلاً لوجدنا أن سلوكهما مع من يثيرهما هو النطح بالقرون التي في الرؤوس ولو شاهدنا حيواناً مثل الكلب فإننا نجده يتفاهم بالعض بأسنانه وكذلك لو شاهدنا الحمار لوجدناه يرفس برجليه وهكذا بقية الحيوانات كل حيوان له رد فعل تجاه من يثيره أو يقف في طريقه أو يحاول إيذاءه يختلف عن ردود الأفعال التي تكون بواسطة الحوار بينما الإنسان الذي منحه الله الخالق العظيم العقل والقلب والسمع والبصر والإحساس والمشاعر والإبداع وآتاه الحكمة والعلم والمعرفة والبصيرة يلجأ إلى الحوار والنقاش وتبادل الآراء والتفاهم بلسانه وقلمه وإبداعه وفنه وفكره وثقافته التي تعبر عن آدميته وإنسانيته لا عن حيوانيته وإذا اضطر أو لجأ هذا الإنسان إلى أساليب الدفاع عن النفس وحل المشاكل بلغة المخلوقات الأدنى منه فإنه قد رضي لنفسه بالنزول إلى مرتبة ومستوى هذه العجماوات وتنازل عن مرتبة الإنسانية والسمو والارتقاء التي جعله الله بها خليفة في الأرض وحط من قدره ومكانته العالية وقد سخر الله له ما بين السموات والأرض بما في ذلك المخلوقات الأدنى منه مرتبة لكنه لم يعتبر أو يتعظ من ذلك ونسي انه أرفع من لغة النطح والعض والرفس وأن مجاله هو مجال الحوار والجدال بالتي هي أحسن. أما من يرفض الحوار متذرعاً بأن الحوار الحاصل أو الدائر في صنعاء لا يهمه ولا يعنيه من قريب ولا من بعيد لأنه يظن ويعتقد بأن ذلك يخص الناس في صنعاء ومن حولها ولا يخص من يسكنون في المناطق الشرقية والجنوبية من الوطن الواحد.. فهذا الاعتقاد غير مسؤول ولا يدل على أن قائله يستشعر ما قد يحدث لا سمح الله إن فشل الحوار الوطني في اليمن من تفتت وشرذمة وقلاقل وحروب ودمار والذي يحدث في سوريا والصومال خير دليل على ذلك، ويدل على أن صاحبه غير مكترث بإيجاد حاول ومخارج سليمة لقضيته العادلة عن طريق الحوار الذي تتعامل به أغلب الدول والشعوب والمجتمعات والأمم. إن الحوار السلمي كوسيلة حضارية لا يختلف عن بقية الطرق والوسائل التي ينتهجها النضال السلمي كالندوات والمحاضرات والاجتماعات والاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات والمهرجانات والعصيان المدني وخلافه لكن وسيلة الحوار السلمي الهادئ والموضوعي تتفوق على كل هذه الوسائل والطرق التي تعتبر من وسائل النضال السلمي الحضاري.. إن ما حدث في البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها هو نتاج أخطاء وسلبيات حدثت منذ بداية وحدة 22 مايو 1990م وأخطاء وسلبيات حدثت بعد الحرب المشؤومة عام 94م وما تلاها من تجاهل وتهميش ومظالم وانتهاكات في الجنوب وفي غير الجنوب كان من نتيجة ذلك كل التراكمات التي أوصلت البلاد إلى الأزمة والانفجار ومن هنا لابد من تذكير الشخص أو الفئة أو الجماعة التي تظن بأن الحوار الدائر في صنعاء في الوقت الراهن هو شيء يخص أهل صنعاء فقط وما حولها ولا يعني أهل الجنوب ينبغي أن نذكرهم جميعاً بأن الجمهورية اليمنية قد انبثقت عن الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهذا قول ممثل الأمين العام للأمم المتحدة باليمن جمال بن عمر وأن قراري مجلس الأمن أثناء وفي نهاية حرب 94م عنوانهما الحالة في الجمهورية اليمنية وليس بين دولتين بل هو صراع سياسي بين فرقاء سياسيين في دولة واحدة اسمها الجمهورية اليمنية وليس بين طرفين (شمال وجنوب) ومن أراد أن يتأكد من ذلك فليرجع إلى صيغة قراري مجلس الأمن بشأن الحالة في الجمهورية اليمنية عام 1994م وأن على جميع الأطراف المتنازعة على السلطة أن يلجأوا إلى طاولة الحوار وأن يحلوا مشاكلهم بالحوار لا بالقوة وهاهو اليوم الذي جاء بالحوار الوطني الشامل والمفتوح بلا سقف فلينخرط الجميع فيه وليدلوا بدلوهم فيه ويعبروا من خلاله عن وجه من أوجه نضالهم السلمي وهو الحوار السلمي الحضاري الراقي بدلاً من أخذ حقوقهم وانتزاعها بلغة السلاح والحرب والدمار والقوة.
|
تقارير
الحوار .. من وسائل النضال السلمي
أخبار متعلقة