لنقهر التدخين قبل أن يقهرنا
لقاء/ زكي الذبحانيملايين من الأرواح حول العالم يتخطفها الموت سنويا بسبب أمراض فتاكة تقتحم أجساد المدخنين ومن يستنشقون دخان التبغ قسرا من غير المدخنين.. قد سمع وعرف عنها وعن بعض أضرار التدخين المدمرة للصحة جل مدمني التبغ للأسف، لكنهم عن النصح أداروا الظهور - لا مبالين - وكأن المشكلة لا تمت لهم بصلة.إننا أمام قضية ساخنة لن تنتهي ما لم تتصد للتدخين قوانين نافذة أكثر صرامة ويتم تفعيل ما سن وشرع على النحو المطلوب .فأين نحن من هذه القضية.. لماذا ينتهك قانون التدخين في بعض المؤسسات والمرافق ووسائل المواصلات والمكاتب ؟ وماذا عن أضرار التبغ على متعاطيه ومدخنيه وعلى غير المدخنين على السواء؟أسئلة وتساؤلات تتضمن تفاصيل كثيرة تكشف الستار عن الواقع الحالي للتدخين في اليمن، نناقشها مع الدكتور/محمد محمد الخولاني - مدير البرنامج الوطني لمكافحة التدخين بوزارة الصحة العامة والسكان، في اللقاء التالي:واقع المشكلة> في كل الأوقات، أينما تذهب باستثناء أماكن محدودة نجد المدخنين يحيطون بنا من كل اتجاه.. فما تقييمك لمشكلة التدخين في اليمن ؟> > للتبغ ومنتجاته مشاكل صحية كثيرة وجسيمة، مثبتة علميا بما لا يدع مجالا للشك بحسب الأبحاث والدراسات العلمية العديدة، ومساوئه الاقتصادية والاجتماعية أيضا كثيرة. فالإنفاق على شراء هذه السموم - لاسيما إذا كان المدخن من ذوي الدخل المحدود- يستحوذ على جزء مهم من دخله، يأتي على حساب ما ينفقه على نفسه وعلى أسرته، بتدني مستوى المعيشة. فهو أحد أسباب الفقر للأسرة والمجتمع.كما أنه المسؤول عن التغيب عن العمل بسبب المرض الذي يقود إليه التدخين، بما ينعكس على ضعف قدرة المدخن - نتيجة لمرضه - على الأداء والإنتاج وضعف العائد المادي لعمله الآخذ في التدهور .ومن المضار الاقتصادية للتبغ والتدخين على المجتمع والدولة أعباء علاج الأمراض المستعصية والمزمنة الناتجة عن تدخين وتعاطي التبغ، إلى جانب ارتفاع نسبة غياب العاملين المدخنين عن العمل - كما أسلفت- نتيجة للأمراض التي يصابون بها بسبب الإدمان على التبغ، حسب ما أكدته الكثير من الدراسات والإحصاءات.والأكثر من ذلك كله هو فقدان أحد الكفاءات العاملة المؤهلة والبناءة نتيجة الإصابة بسرطان أو جلطة أو أزمة قلبية أودت بحياته وهو في مقتبل أو في منتصف العمر؛ وهذا يؤدي إلى خسارة فادحة على مستوى الأسرة والمجتمع والدولة.وقد أثبتت العديد من الدراسات والتحليلات أن ما ينفق لعلاج الأضرار الناتجة عن استعمال التبغ بكل أشكاله وأنواعه يفوق بكثير العائد الاقتصادي من ضرائب وغيرها لصناعة وتجارة التبغ ومنتجاته.إلى ذلك هناك من يدفع ثمنا باهظا من صحته، ثمنا قد يكلفه حياته وهو من غير المدخنين نتيجة تعرضه واستنشاقه مكرها لدخان التبغ مما ينبعث من السجائر أو المداعة أو الشيشة (الأرجيلة)، وأكثر ضحايا هذه المشكلة هم الأطفال والنساء الحوامل.وقد بينت الدراسات أن المدخن يستنشق ما بين (15-20%) من محتويات التبغ، والباقي وهو الأعلى نسبة ينتشر في البيئة المحيطة، مؤكدة أن التعرض القسري (اللاإرادي) للتدخين يزيد من خطورة الإصابة بسرطانات(الرئة- الدم- الثدي - الغدد اللمفاوية - عنق الرحم) ومن حالات الربو والالتهابات الشعبية والرئوية وتشمع الأذن لدى الأطفال..أي أن المدخن لا يجني بالتدخين على نفسه ولا يتسبب فقط بمضايقة الآخرين، بل ويكون سببا في مرض أهله أو أصدقائه أو أقاربه ممن يتعرضون ويستنشقون دخان التبغ المنبعث منه.فما ذنب المخالطين والمعايشين له: زوجته وأولاده وأهله وأحبائه وزملائه وأصدقائه وغيرهم.قال تعالى: « والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا »وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «كل مؤذ في النار».وأود أن أضيف أن الروائح الكريهة للتدخين تبقى على الثياب والأماكن والمنازل والمكاتب ووسائل المواصلات لفترة طويلة، فكيف بمن يستنشق الأدخنة ليل نهار لدى اختلاطه بالمدخنين؟ بالفعل إنها كارثة! ويا لها من كارثة!!القدوة السيئة> برأيك ما العوامل المساعدة على زيادة الإقبال على التدخين بين الجنسين (الذكور والإناث)؟> > ما أود قوله عن العوامل المساعدة على زيادة الإقبال على التدخين، أن هناك من يعتقد خطأ بأن تدخين السجائر أو الشيشة أسلوب حضاري وجذاب لافت للآخرين، خاصة المراهقين. ومن يمثلون القدوة السيئة، بما يقدم عليه المدخنون من بعض أعيان المجتمع والممثلين والشخصيات وذوي التأثير في الأسرة والمجتمع كالآباء والأقارب، من عدم التورع عن التدخين أمام الأطفال والمراهقين الذين بدورهم ينجذبون إلى التدخين ويتأثرون بما يفعله الكبار.عامل آخر هام هو سلوك تعاطي القات لدى المجتمع اليمني في الأفراح والأتراح وجميع المناسبات المختلفة في أماكن مغلقة.والقات معروف عنه أنه يزيد المدخن رغبة في التدخين، ولا تقف حدود هذه المشكلة فقط عند تعرض غير المدخنين واستنشاقهم لدخان التبغ، بل ويستدرج الكثير منهم من قبل بعض الجلساء المدخنين ويحملونهم على التجربة ليصبحوا مثلهم مدمنين على التدخين.أرقام وإحصاءات> ماذا عن إحصاءات التدخين والمدمنين عليه من الرجال والنساء.. بمعنى هل لي بسرد الإحصاءات التي تجسد مشكلة التدخين على المستوى العالمي والمحلي ؟> > منتجات التبغ بمختلف أشكالها وأنواعها منتشرة محليا وإقليميا وعالميا.. في الريف والحضر وغيرها وحتى في المناطق النائية جدا.فعلى الصعيد العالمي يوجد حوالي (1,1 بليون) مدخن، أي مدخن من كل ثلاثة أشخاص بالغين، أغلبهم - ويشكلون نسبة (80%) - يعيشون في البلدان النامية والأقل نموا (البلدان ذات الدخل المتوسط والأدنى).ومحليا بينت إحصائيات سابقة بأن نسبة المدخنين من بين البالغين (15 سنة فأكثر )يشكل فيها الذكور نسبة (34,5%) وتشكل فيها الإناث نسبة (12,8 %)، ونسبة تعاطي الشمة من (10 سنوات فأكثر) هي (15,1 %) ذكور و(6,2%) إناث (12,5 %) في الريف و(5,2 %) في الحضر.بينما يحتوي التبغ على أكثر من (4آلاف) مادة كيميائية، منها نحو (50 مادة) تسبب الإصابة بالسرطان (مواد مسرطنة)، ويؤدي إلى وفاة شخص واحد كل ( 8 ثوان) ووفاة ما يربو على (13 ألف) شخص في اليوم، أي أكثر من (5ملايين) شخص في العام الواحد.وبموجب التقديرات الإحصائية يتوقع وفاة (10 ملايين) شخص في العالم عام (2020م) بسبب التبغ إذا لم تتخذ إجراءات سريعة في مكافحة التدخين. الأنواع والأضرار> أنواع التدخين الشائعة في اليمن كثيرة، كالسيجارة، المداعة، الأرجيلة، وما يمضغ ويوضع في الفم.. فكيف تصنفون هذه المواد ؟ وما أضرارها على الصحة ؟> > منتجات التبغ إجمالا توجد على عدة أشكال :- القسم الأول : ما يدخن عن طريق الرئتين، مثل السجائر والغليون والمداعة والشيشة وغيرها .- القسم الثاني : ما يمضغ أو يوضع في الفم، مثل (الشمة، المضغة، التنبل، السوكة، الزردة) وغيرها من المواد التي تحتوي على التمباك (التبغ) .- القسم الثالث: وهو ما يستنشق عن طريق الأنف، مثل النشوق والصعوط وغيرها من المسميات.والأضرار العامة لجميعها تتركز في التأثيرات الضارة على القلب والأوعية الدموية والدماغ وسرطانات المثانة والغدد اللمفاوية. بالإضافة إلى ذلك (والنسبة للتدخين خاصة) أكدت الأبحاث بأنه المسؤول عن(30 %) من الإصابات بالسرطان، وعن (90 %) من وفيات سرطان الرئة، ونحو(85 %) من وفيات سرطان الحنجرة والفم، وأنه إذا تعاطينا التبغ نكون معرضين (عشرين مرة) أكثر للإصابة بسرطانات من أنماط أخرى، من ضمنها سرطان(الرأس - العنق - البلعوم - البنكرياس - الفم - الحنجرة- الجهاز التناسلي) . ومن جملة الأمراض الأخرى الخطيرة التي يسببها التدخين، أمراض الرئة الانسدادية وأمراض القلب والأوعية الدموية وتصلب الشرايين ؛ ونجده مسؤولا عن (20 %) من وفيات أمراض القلب، ومن جملة أسباب زيادة ترسب الكولسترول في الدم، وزيادة احتمال التعرض للذبحة الصدرية.كما أن ما يوضع في الفم له علاقة قوية بسرطانات الفم واللثة والحلق والحنجرة والبلعوم.قانون التدخين> سنت قوانين وتشريعات للحد من التدخين في أماكن العمل ووسائل المواصلات..متى سنت هذه التشريعات بما في ذلك القرارات الصادرة عن وزارة الصحة العامة والسكان ؟ وما الذي حققته حتى الآن ؟> > صدر القانون رقم 26 لسنة (2005م ) بشأن مكافحة التدخين ومعالجة أضراره، كان ذلك في (10 ربيع أول 1426هـ ) الموافق (19 إبريل 2005م).غير أن تنفيذ القانون يبقى محدودا لاسيما في المؤسسات والمرافق العامة ووسائل المواصلات وذلك لغياب القدوة الحسنة وهو أسوأ ما يعترض مسار مكافحة التدخين. إضافة إلى أن هناك حاجة إلى تضافر جهود الجهات الأمنية لتنفيذ هذا القانون ومنها الإدارة العامة للمرور، وبدوري أدعوها إلى أن تتمثل دورها في حماية المواطنين غير المدخنين من أضرار التدخين القسري. علاوة على ذلك أنه سبق هذا القانون صدور عدة قرارات عن مجلس الوزراء، كان آخرها عام 1999م. وبالنسبة لوزارة الصحة العامة والسكان فقد صدرت عنها عدة قرارات وزارية، وأبرزها القرار رقم (8/3) الصادر في ( 13 مارس2007م) وذلك بمنع التدخين منعا باتا في جميع الأروقة والمخازن والملحقات التابعة لوزارة الصحة العامة والسكان بديوان عام الوزارة والمكاتب التابعة له في عموم المحافظات، وفرض عقوبة على كل من يتم ضبطه وهو يدخن في الديوان العام أو أي من مرافقها ومكاتبها، بدفع غرامة قدرها (500) ريال أو الحبس لمدة (24 ساعة)، ومع الأسف لا يطبق هذا القرار بتاتا على الرغم من أن لافتة منع التدخين بالوزارة لا تزال معلقة في (طواريدها) حتى اليوم !المكافحة والصعوبات> ما الإستراتيجية والخطط العملية التي أنتم بصدد تنفيذها لمكافحة التدخين؟ و ما أوجه الصعوبات والعراقيل التي تعترض مسار عملكم ؟> > بعد الانتهاء من تجهيز المقر الخاص بالبرنامج الوطني لمكافحة التدخين والوصف الوظيفي للهيكل التنظيمي وتعيين وتدريب الكادر العامل في البرنامج بمن في ذلك منسقو المحافظات ستتركز جهودنا في إعداد إستراتيجية وخطة وطنية ستشارك فيها الجهات ذات العلاقة، وذلك من خلال ورشة عمل موسعة تنتهي بخطة شاملة واضحة.وحقيقة هناك تعاون جاد في دعم مكافحة التدخين من قبل قيادات الوزارة ممثلة بالأخ وزير الصحة العامة والسكان ووكيل قطاع الرعاية والمدير العام لمكافحة الأمراض، وكذلك الإخوة في منظمة الصحة العالمية. لكن أهم صعوبة تواجهنا جميعا هي توريد الضريبة المخصصة للبرنامج وهي(1%) حسب المادة رقم(16) من قانون مكافحة التدخين.في الختام.. أود أن ألفت إلى أن الإقلاع عن التدخين نقطة تحول في حياة كل مدخن عقد العزم على تدارك صحته قبل فوات الأوان، وبنية حقيقية وعزم لا ينثني وسيطرة لا تنزع بها الأهواء لم يشأ أن يظل أسير الإدمان.[c1]* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان[/c]