خالد سيف سعيد لقد صدمت النفوس وفجعت وبكت القلوب وارتعدت وذرفت الدموع بنبأ وفاة عميد الغناء اليمني طيب الله ثراه - الفنان المبدع والقدير محمد مرشد ناجي، فكان لهذه الفاجعة المؤلمة والمصاب الجلل حزن شديد في نفوس محبيه وعشاق فنه، لم يمت فناننا المرشدي بل سيظل خالداً مدى الدهر، لم يمت من ترك في كل بيت يمني أثراً لن ينسى وذكرى لن تمحى في مشوار حياته الفنية والأدبية على الساحة اليمنية وكسب الملايين من المعجبين بفنه وأغانيه العاطفية وأناشيده الوطنية التي تنبع من وجدانه على مختلف طبقاتهم باهتمامه بالأغنية اليمنية والكلمة اليمنية وإعطائها حقها ولعب دوراً في إحياء التراث الشعبي الذي وضعه في المكانة الفنية التي استحقها.. حقاً إنه عميد الغناء اليمني!. لذا ارتأيت أن أقدم للقارئ حواراً فنياً مع فقيدنا الفنان الكبير محمد مرشد ناجي أجرته صحيفة الأخبار العدنية في أبريل عام 1964م في صفحتها الفنية «أهل الفن».في مستهل اللقاء يتحدث مندوب الصحيفة بأنه حاول بالطريقة الصحفية أن يستخلص من الفنان القدير المرشدي حديثاً للقراء فلم يستطع «لأنه في الآونة الأخيرة كثيراً ما يؤثر الصمت على الكلام، حتى بالنسبة لأولئك الذين يهاجمونه.. وأخيراً اهتديت إلى حيلة أخرجته فيها عن صمته.. وأخذت مكاني إلى جانبه في المقيل الأسبوعي الذي يعقده في محله في المنصورة.وجاء الحديث من تلقاء نفسه كما يحدث في المقايل العادية! وإذا بمحمد مرشد ناجي يجيب على الأسئلة والاستفسارات بصورة تلقائية وبدأ حديثه عن رحلته فقال:لقد شعرت بالسعادة والأستاذ سعيد غزال، مدير ركن الجنوب في صوت العرب يقول لي عند زيارتي له في مكتبه بالقاهرة.. إنك في صوت العرب، وملحن معترف به، وقد أعفيت من الامتحان الذي يمر به كل مطرب يدخل ساحة صوت العرب.. وما عليك فقط إلا إن تقدم نصوص أغانيك لعرضها على لجنة نصوص الأغاني.. كما أننا مستعدون أن نعطيك كلمات لتلحنها إذا كنت ستبقى في القاهرة مدة أطول.. ربما لأن إقامتي قصيرة بالقاهرة، فقد قبل صوت العرب أغان مسجلة لي.. الأمر الذي لا يقبله لأي مطرب آخر.وعن زيارته للمكلا قال المرشدي:إن جمهور المكلا يتحمس كثيراً للأغنية الوطنية، ويحب أن يسمع الكثير منها.. والذي لفت نظري هو وعي الشبيبة النير ومنافستهم في صنع مستقبل وطننا الكبير.. وقد زرت أكثر القرى الحضرمية وعقدت العزم لزيارة حضرموت الداخل في العام القادم بعون الله للتعرف على جزء مهم من بلادنا.وعندما سألته عن أقوال يحيى مكي في أغنيته «داري هواك داري» التي تغنيها رجاء باسودان.. وما تكتبه بعض الصحف عن أغنية «عرفت الحب» أجاب المرشدي قائلاً:كل أغنية جديدة أو حتى صنعانية قديمة يضعها مرشد ناجي لابد أن تخرج الأقلام تتحدث عنها بصرف النظر عن الدوافع.. وهذه نعمة من الله خصني بها دون غيري.. وبصراحة أرتاح جداً للنقد المركز بوجه خاص لأنه يدفعني للعمل..!وعن اتهام يحيى مكي للمرشدي أجاب قائلاً:هذا كلام لا أظن الأخ يحيى قد قاله، لعل الأخ يحيى يعلم أن عمر هذه الأغنية أكثر من ثماني سنوات.. وقد سمعها مني بنفسه وقدمتها في أكثر من حفلة.. ولازالت مسجلة عند بعض الناس منذ ذلك الحين.. وإذا صح أنه قال فأنا أسامحه.. إذ أن المهاترات الصحفية في هذا الوقت، وفي موضوع تافه كهذا ليس إلا ملهاة للقراء الذين يهمهم أن يقرؤوا عن مستقبل بلادهم، لا عن داري هواك داري.. ومرشد ناجي.. أنا احترم يحيى مكي كثيراً.وكما سألته عن رأي السنيدار في أغنية (يا غارة الله) أجاب قائلاً:لقد أكد لي السنيدار في القاهرة، وفي أكثر من لقاء دون أن أسأله بحرية الرأي النزيه، إنه لم يقل ما نشر عنه، وقال أيضاً أننا نفخر فيك في صنعاء لأدائك الجديد في اللحن الصنعاني.. أنك تضع ألحاناً صنعانية.. وجميلة أكثر تطوراً. وينبغي القول إن فقيدنا المرشدي - رحمه الله وطيب ثراه - ذو مكانة رفيعة كأستاذ لأكثر من جيل من المطربين، ومثقف له انتماؤه الجذري إلى عالم الثقافة الواسع، وإنه يظل ذلك الإنسان الرقيق والعذب الذي هذبت مسلكياته الحياتية الثقافة العميقة، وهنا يتجلى تأثير الثقافة وانعكاساتها، الثقافة على مستوى النظرية والممارسة الحية النابعة من تراكم التجارب والخبرات الزمنية.وختاماً سلام ورحمة لروحه الطاهرة بقدر ما قدم وضحى في مشوار حياته الفنية سيظل في قلوب محبيه وعشاق فنه ساطعاً ومشرقاً على الدوام.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
|
ثقافة
رحيل المرشدي .. عميد الغناء اليمني
أخبار متعلقة