ليس بـ(الإنترنت) وحده تختصر أزمة الإعلام اليوم
لندن/ متابعات:كشف الإضراب الذي نفذه منتسبو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)عن الأزمة الداخلية المتفاقمة التي يعانيها الإعلام المعاصر في العالم.وسبب الإضراب الذي دعمته نقابة للصحافيين البريطانيين في شل أكبر مؤسسة إعلامية تمول من دافعي الضرائب، وأثار تساؤلات عن حقيقة الأزمة التي لا يمكن اختصارها في تصاعد الإعلام الالكتروني على حساب الورقي.ويبرز الإعلام المعاصر كواحد من ضحايا التقنية والمعلوماتية والشبكات الاجتماعية كما هو ضحية للسياسيين والأزمة الاقتصادية.وكل ساعة يقضيها المستخدم أمام (فيسبوك) أو (يوتيوب) أو (تويتر) هي منقوصة من شاشة التلفزيون وصفحة الجريدة أو المجلة المطبوعة.ويرى المراقبون إن الإعلام المعاصر على الرغم من الهالة التي تحيط به، يعاني بشكل حقيقي بجوانبه الإخبارية والوثائقية والترفيهية، بسبب تداعيات مرتبطة بعوامل اقتصادية وتكنولوجية وحتى فردية.وشبه محلل إعلامي سطوة المواقع الاجتماعية على المستخدمين بأكثر مما يمكن توقعه، قائلاً: «أن عين الناس على (تويتر) و (فيسبوك) أكثر من شاشة (بي.بي.سي)، لأنها تهتم بأخبار أسرهم وأصدقائهم التي يتداولونها أكثر من صناعة أعلام المشاهير».وقال: «إن المستخدم المعاصر صار يهتم بمشاهدة صور ابنه أو أخيه.. في حفل تخرجه على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس صورة المطربة والسياسي».وسمحت مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات ببلورة إعلام لم يكن متوفرا في الماضي.وكان مقتل أسامة بن لادن مثلا قد نقله أولاً باكستاني على شبكة (تويتر) وتسونامي اليابان في 2011م الذي نقل الكثير من تفاصيله شهود عيان على الانترنت.ولخصت الأمينة العامة لنقابة الصحفيين البريطانيين ميشال ستانيستريت إضراب منتسبي هيئة الإذاعة البريطانية بأزمة وظائف، من دون أن تتطرق إلى التداعيات الأخرى، قائلة «المنتسبون إلى نقابة الصحافيين يقومون بتحركهم دفاعاً عن الوظائف وعن صحافة عــالية النوعية في المجموعة».وأضافت: «إنهم غاضبون ومحبطون إزاء القرارات المؤسفة التي اتخذت عند أعلى هرمية الـ (بي.بي.سي) قرارات يجد الصحافيون أنفسهم على أثرها مرغمين على ترك وظائفهم وتهديد الصحافة والبرامج العالية النوعية».وذكرت أرقام نقابة الصحفيين: «أن هيئة الإذاعة البريطانية خسرت سبعة آلاف وظيفة منذ 2004م». وطالبت بتجميد عمليات التسريح ستة أشهر. ومن المقرر إلغاء ألفي وظيفة بحلول 2017م وإعادة النظر في شكل معمق في برمجة الشبكة في سياق خطة واسعة تهدف إلى خفض النفقات.وسبق ان قال غريج هيود الرئيس التنفيذي لمجموعة (فير فاكس ميديا ليمتد) في تعليقه على أزمة الإعلام في العالم إنه «لا أحد يشكك في أننا نعمل في أوقات عصيبة للغاية».وأضاف: أن «سلوك القراء تغير ولن يعود كما كان، ونتيجة لذلك فإننا نتخذ خطوات حاسمة لكي نغير بصورة جذرية الطريقة التي نعمل بها».فيما يرى المدير التنفيذي لشبكة (جوجل) أريك شميدت وجهاً آخر للأزمة أكثر تفاؤلاً، عندما شبه الأمر بحس فلسفي مبسط وملاحظة لافتة للنظر عبر قوله «ببساطة، الشبكة ربطت العالم لإطلاق سراح العالم!» في إشارة إلى شبكة الانترنت وعلاقتها بالإعلام المعاصر.وقال في محاضرة له في العاصمة البريطانية مؤخراً مخاطباً الجمهور «لكم أن تتخيلوا كم سيكون العالم أفضل عندما يصل (شعب الانترنت) إلى رقم (5) وأمامه تسعة أصفار! هذا يعني المزيد من الابتكار، المزيد من الإبداع، المزيد من الفرص».ومضى الرجل الذي وفر المعلومة عند أطراف الأصابع في محرك البحث العملاق بالقول «إذا كان العقد الماضي قد علمنا شيئاً، فهو أن ربط الناس مع المعلومات من شأنه أن يغير العالم». وأضاف: «إن المفهوم التقليدي لاستخدام الشبكة العنكبوتية قد تغير، فلم يعد الأمر الاطلاع على محتويات هذا الموقع أو ذاك، وإنما باتت ترتبط به مجموعة كبيرة من الخدمات بدءاً من تبادل البريد الإلكتروني ومروراً بالصور الاجتماعية وحتى إدارة الأمور المالية».وأشار إلى أن الأسئلة التي تبرز اليوم حول الآفاق التي يمكن أن نصل إليها إعلامياً من خلال تقنيات العصر والكمبيوتر، تتحدد إجاباتها في أربع نقاط الأولى تتعلق بأن الإنترنت هي وسيلة متحركة يمكن الدخول إليها من أي مكان وعدد غير محدود من البشر.فيما رأت دراسة نشرت مؤخراً في الولايات المتحدة إن المدونات والمقالات المكتوبة بأجهزة الكمبيوتر ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تساهم في قطاع الصحافة الإخبارية لن تقضي على الصحافة المهنية.وأوضح معدو هذا البحث بعنوان (صحافة ما بعد العهد الصناعي) من «تو سنتر فور ديجيتال جورناليزم» من جامعة كولومبيا إن الثورة التكنولوجية أدت إلى انفجار الإعلام وما واكب ذلك من عواقب سلبية وايجابية على وسائل الإعلام.ويرى الباحثون أن هناك العديد من المجالات التي لا يمكن الاستغناء فيها على الصحافيين المهنيين واستخدام أجهزة أو متطوعين من مستخدمي الانترنت بدلا منهم.وأوضح معدو التحقيق سي. دبليو اندرسن وايميلي بيل وكلاي شيركي: «أن الصحفي الذي يعتبر انه من يكشف الحقيقة، يشرح المعاني والواقع ولا يمكن استبداله بجهاز كمبيوتر قابل للتغيير».لكن زمن الرقمية أدى إلى تدهور نوعية الإعلام في الولايات المتحدة وسيتفاقم الوضع قبل أن يتحسن بينما في بعض المدن الصغيرة التي ليس لديها صحف محلية سيتدهور بشكل كبير كما يتوقع الباحثون.وترى النائبة البريطانية المحافظة أنجي بري المعارضة لخطط تنظيم الصحافة من قبل الحكومة البريطانية: «إن اعتماد نظام جديد مستقل ليكون الحل لمشكلة الصحافة لا يمكن أن يحدث تغييرات في كل شيء، غير أنه سيبقي الناس المعارضين لانخراط الدولة في تنظيم الصحافة سعداء».