الحاجة زهرة قائد أحمد التي أنستها عتمة الليل وظلمة الأيام لا تعلم أو بمعنى أدق لا تهتم بكم تبلغ من العمر ففقدانها للبصر ووفاة زوجها ومعاناة ابنها لم تجعلها تهتم بعدّ الأيام وكم مضى من العمر فالأيام والأشهر والسنون أصبحت عندها سواء.دون دعوة من أحد ذهبت إلى منزل الحاجة زهرة التي تقطن في حي من أحياء منطقة كريتر يدعى (كود الحشيش) لأتحدث معها قليلاً وكم كانت كريمة معي عندما استضافتني وأعطتني حرية الكلام وجعلتني التمس دفء المكان الذي تعيش فيه على الرغم من ذهولي عندما تفحصته ووجدت بأنه لا يتعدى أمتاراً معدودة وليس فيه الشيء الكثير فهذا هو منزل الحاجة زهرة بأكمله صغير ولكنه بوجودها فيه كبير فهو مأواها الوحيد ويعني لها الكثير هي وابنها (من ذوي الاحتياجات الخاصة) عصام.في البداية لا أخفيكم سراً بأنه انتابني شعور غريب ممزوج بين غصة وحزن على وضع هذه المرأة وتفاؤل وسعادة لرؤيتي لنموذج يصارع من أجل الحياة بأمل وابتسامة وتحد على الرغم مما تعاني[c1]بداية الحكاية[/c]كانت الحاجة زهرة تسكن في قرية من محافظات الشمال قبل أن تأتي إلى محافظة عدن لتستقر فيها هي وزوجها وابنها فهي لم تخلق فاقدة للبصر (عمياء) ولكنها فقدت والديها عندما كان عمرها خمس سنوات فعاشت في بيت عماتها اللاتي كن يضربنها على رأسها ويعاملنها بقسوة دون علمهن بمخاطر ذلك الفعل، وقالت: أن الضربات لربما تكون قد أثرت على عينيها خاصة أنها بعدما كبرت ذهبت لتتعالج من عدم رؤيتها بشكل واضح فقال لها الأطباء إنها مصابة بالماء الأزرق وعملت عملية لإزالته ولكنها منذ ذلك الحين لم تر النور وفقدت بصرها كاملاً ولم يمنعها ذلك من الاستمرار في الحياة بأمل العيش كان ذلك في فترة حرب 1994م وبعد أن تزوجت كان زوجها يساعدها بكل شيء وعلمها أموراً كثيرة استفادت منها وقد أنجبت ولداً أسمته (عصام) الذي له حكاية أخرى ستعرفونها في الأسطر القادمة.وبعد القليل من الراحة والسكون أكملت الحاجة زهرة حكايتها وقالت: بعد ذلك جئنا إلى عدن لنعيش فيها منذ حوالي (13) عاماً تقريباً وأكثر وهناك شخص فاعل خير قام ببناء بيت لنا نسكن فيه وهو عبارة عن (صندقة) صغيرة حيث كانت الفئران - عندما يسدل الظلام أجنحته - تمشي وتقفز أمامنا وكم عانينا الكثير ولكن جزاه الله كل خير على فعله هذا.. فنحن عايشون على الله ثم على البركة إذا امتلكنا قوت يومنا تناولنا الطعام وإن لم يكن معنا جلست ادعو الله والصبر حسيبنا على ما ابتلانا به» وكما فهمت أن عزة نفسها تمنعها من أن تمد يدها أو تشحت من أحد». وتقول «ربنا أمرنا بالستر ونحن نؤمن بقضائه».كما أخبرتني الحاجة زهرة بأنها تستلم من الضمان الاجتماعي كل ثلاثة أشهر معاش ابنها عصام الذي احتسبوه ضمن فئة (المعاقين) بعد أن قامت امرأة (دعت لها كثيراً بالستر) بأخذه والمتابعة له حتى وفقت في ذلك وتنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر فمنه تدفع أقساط الكهرباء والماء صحيح أنه لا يبقى منه شيء ولكنها تقول الحمدلله على كل حال.. فهي لا تملك من يعولها أو يأخذ بيدها أو حتى يذهب معها إلى الضمان الاجتماعي حتى تسجل اسمها ضمن كشوفات المستحقين فالمواصلات تحتاج إلى المال أيضاً ولا يوجد من يذهب معها وهذا ما تتمناه حالياً في ظل هذه الأوضاع الصعبة ووضعها الأصعب..[c1]معاناة أخرى ومرارة وحسرة[/c]عصام ابنها ولد معاق بعد أن فقد الأطباء الأمل من خروجه إلى الحياة سالماً وتوقعوا وفاته ولكن إصراره على العيش أخرجه إلى الحياة يحمل إعاقة تكبر معه على مر الأيام وزاد الطين بلة عندما كان يلعب مع أطفال في مثل عمره فسقط من فوق عمارة على لوح كبير أثر على رأسه فعملوا له كحلاً وربطوا رأسه وبسبب الطريقة الخاطئة في علاجه بعد ثلاثة أيام كان عصام يبكي ويصرخ من شدة الألم فأخذته والدته إلى أخيها لأن أباه كان في محافظة تعز ففتح له الرباط ووجد الديدان تخرج من رأسه وتلك المادة البيضاء المسماة بالـ(قيح) وهو ما يزال يصرخ وأحضر له ضمادة وبنسلين وقام بتنظيف الجرح وربطه وكان كل يومين يقوم بتفقده وكل ما ذهبت والدته لتعالجه يقول لها الأطباء إن لديه رجة بالدماغ ويحتاج إلى جهاز ولكن الظروف صعبة ولا تمتلك حق ذلك حيث أن إعاقته كانت نتيجة لسوء التغذية وعدم الاهتمام والرعاية أثناء الحمل هذا ما قاله لها الأطباء.. ومن يومها وقلب الحجة زهرة يؤلمها على ابنها فعصام بات الآن مراهقاً ولكنه بوضعه هذا تراه طفلاً كبيراً ووصفته بأنه طيب وذكي ولكنه لا يفهم الظروف التي نعيش فيها كونه مريضاً.. وبقليل من الدموع الخارجة عن إرادتها التي حاولت أن تحبسها قالت: «بعض الأحيان عندما يشعر بالجوع يغضب ويصرخ علي ويطلب أن يأكل أو أن يأخذ مصروفاً وأنا كما تشاهدين لا أملك لأعطيه ما يريده ولكني أدعو له دائماً ربي بأن يرعاه ويشفيه ويرزقه فنحن ليس لدينا أحد سوى الله فوالد عصام توفي بعد مجيئنا إلى عدن حيث كان يعمل بأحد الأعمال الحرفية (حمالاً) بالأجر اليومي ويصرف علينا ولكن المرض لم يرحم أبا عصام وتوفي ليتركني أعاني لوحدي وأنا (عمياء) وليس بيدي شيء أفعله وليس لدي أقارب أو حتى أهل أو من يعول علي ودائماً اتكالي هو على الله وعلى بعض فاعلي الخير الذين يأتون ويساعدوني (جزآهم الله كل خير)..بنظرات حائرة كانت تترقب كلامي وفي الآخر كسرت حاجز الصمت الذي خيم على الجلسة لدقائق لتأثري بكلامها وكغيرها من الأمهات تمنت الحاجة زهرة أن تكون مستورة في بيتها وأن تعالج ابنها حتى يطمئن قلبها عليه.. فهي تحمل في داخلها قلباً طيباً يدل على حبها للحياة بالرغم من معاناتها فهي لم تشتك لأحد من أنها تعاني من مرضي السكر والضغط إلا أني عندما لمحت كيس الأدوية بجانب فراشها الذي كنت جالسة عليه وبفضول مني استأذنتها كي أرى نوع الأدوية التي تتناولها فوجدتها مكلفة فعلاً وأخبرتني أنها متى ما توفر لديها المال لشرائها تشتريها وإذا لم يتوفر تتسلف أحياناً من جيرانها ولكنها بعد ما ضاق الحال عليها أصبحت تستخدم البدائل الأخرى مثل الثوم كبديل لعلاج الضغط وغيرها من الوصفات العشبية.وبعد مرور بعض الوقت وقبل انتهاء الحديث بيننا ومغادرتي لمنزلها المتواضع بقيت أنظر إلى ابتسامتها الباهتة ودمعتها الجافة التي لم تغادرها والتي وأنت تنظر إليها تستطيع أن توصف بالفعل ما تعانيه هذه المرأة التي لم تنفك من القول أن كل شيء بخير مادام الله معنا وبهذا غادرت منزل الحاجة زهرة حيث ودعتني ملوحة بيدها قائلة حاولي زيارتي مرة أخرى..[c1]كلمات حائرة ترتجي منكم خيراً[/c]الخير بالإمكان أن يكون دعوة صادقة بظهر الغيب لهذه المرأة بالصبر والفرج وأن يأخذ ربي بيدها ففي بعض الأحيان تخذلنا الكلمات للتعبير عن صدق المشاعر ويظل قلمنا عاجزاً عن توصيل أصدق المعاني ولكن مازال هناك بصيص أمل قادم وعشمنا في الآخر هو تساؤل بسيط..هل هناك أياد ستمتد لتنسي الحاجة زهرة ومن مثلها قسوة الأيام ومعاناتها المريرة وهل بالفعل سيأتي يوم نقول فيه إن الدنيا (لسه) بخير أم سنقول العوض على الله وعلى الدنيا السلام؟..
مشاعر متضاربة بين الحزن والألم ومرارة الأيام والتفاؤل ومقولة (لسه الدنيا بخير)
أخبار متعلقة