واقع اليمن منذ توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وحتى اليوم يكاد يكون مؤلما بالرغم من انه حدث بعض التحسن في جانب بعض الخدمات الضرورية كالكهرباء, ومع ذلك لا ينفي هذا النجاح الجزئي بعد مضي عامين على الثورة الشبابية الشعبية السلمية حقيقة أن أغلبية اليمنيين يرون بلادهم مازالت في المنطقة الرمادية ولم تبدد تلك النجاحات البسيطة مخاوفهم لاسيما وأن النظام القديم مازال على حاله ولم تظهر بعد ملامح الجديد معمقاً هذا الوضع شعور أن الثورة اختطفت وبل وانتقلت من مرحلة الاختطاف إلى مرحلة الإجهاض في ظل تسابق القوى السياسية والدينية والعشائرية القبلية والعسكرية التقليدية التي خرجت من عباءة السلطة القديمة أو تلك التي تحالفت معها في سيطرتها وهيمنتها على كل منظومة الحكم وفقاً لقاعدتها القديمة التحاصصية التقاسمية للوظيفة العامة ومراكز النفوذ في مفاصلها العسكرية والأمنية والمدنية،لتصبح المعادلة جديدنا قديم وقديمنا جديد ,فالتعيينات التي تمت منذ انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي في 21فبراير 2012 تأتي جميعها في إطار الدوران داخل حلقة التوازنات السابقة مع فارق إحلال عناصر تلك القوى التي تسعى للسيطرة على السلطة بالكامل إلى جانب تعيينات الإرضاءً والمجاملة هنا وهناك لبعض الأطراف السياسية والحزبية لتبقى مراكز النفوذ القبلي والعسكري والمناطقي على حالها، مع أن بعض التعيينات التي جرت وتجري اليوم جاءت كما قيل لمعالجة الأوضاع التي خلفتها السياسات السلبية والقمعية والاقصائية والتهميشية للنظام السابق، كهيكلة الجيش والأمن أو تحت مسميات تصحيح الاختلال الإداري أو من أجل الاستجابة لمطالب الشباب في التغيير,ولكن كل هذا مازال في طابعه الشكلي الصرف، ولم يلامس مضمون التغيير الذي يريده ويتطلع إليه اليمنيون, إلا أن الحاصل اليوم في بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية من إحلال وإقصاء وظيفي لا يندرج تحت أي مسمى من مسميات التغيير أو عملية الإصلاح ولا يرقى حتى إلى مفهوم تدوير الوظيفة العامة وهذا النموذج الصارخ لما يجري نعرفه نحن ومعنا الكثيرون من أبناء شعبنا..واقع ما يحدث يعكس (محاصصة وفيد) يلبي طموحات تلك القوى التقليدية المتعطشة للسلطة والتي لا ترى في الدولة وإداراتها إلا غنيمة لها معتبرة ذلك استحقاقاً سياسياً وحزبياً وعسكرياً لانتصارها الموهوم الذي تريد أن تفرضه كواقع على اليمنيين أن يقبلوا به في إطار مفهوم لعبة السياسة التي انتهت إلا أن هناك طرفاً ربح فيها وآخر خسر, ووفقاً لمنظورهم هذا فإن ثورة الشباب والتضحيات التي قدمت فيها لم تكن إلاَّ أوراقاً في هذه اللعبة أو أدوات في أزمة .ما يجري اليوم هو في واقع الأمر نفس نهج النظام السابق الذي كرس وجوده في السلطة من أجل السيطرة والهيمنة على الوظيفة العامة ومنحها للأتباع والشلة والأقارب ما أدى إلى ظهور جيل من شاغلي الوظائف العامة يفتقرون للتأهيل والخبرة وليس لديهم أية قدرات أو مهارات أو كفاءات تبرر ما حصلوا عليه ووصلوا إليه سوى القرابة والمحسوبية والانتماء القبلي والمناطقي, وهذا هو الجانب العميق الذي وصل إليه الفساد وخرج ضده الشعب اليمني في 11 فبراير 2011م,في ثورة يحتفل بعامها الثاني ورجالها الحقيقيون يتعرضون لإقصاء وتصفية حساب صورته الواضحة تجلت في ما تعرض له جرحاها ومعوقوها من تنكر وقلب ظهر المجن لهم لتصل إلى حد محاولة تصفية احد رموزها وضمير الثورة الشبابية الأستاذ البرلماني والناشط الحقوقي المناضل احمد سيف حاشد أمام بوابة مقرها العتيد, وقياساً على هذا يمكن النظر إلى تعاملها مع شعب بكامله, مستبدلة مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية بمبدأ انتهازية عقلية الفيد الأصولية الاستحواذية لنخلص إلى أن هذا الوضع لا ينبغي السماح به والسكوت عنه قبل أن يصل التمادي إلى حدود لا يمكن عندها مقاومته, وبالتالي الفشل من جديد في تحقيق التغيير المنشود الذي يتطلع إليه الشعب اليمني وبناء الدولة المدنية الحديثة, ويكون مصير ثورة الشباب الشعبية السلمية هو مصير ثورة سبتمبر واكتوبر ذاته.
طموح التغيير ومخاطر الإجهاض
أخبار متعلقة