عشرات الوثائق السرية تؤكد :
القاهرة/ متابعات:«الإخوان يتصلون بواشنطن بانتظام منذ منتصف 2007، وهذا ليس عيبا، ولهم صلات بالمخابرات البريطانية تعود للأربعينات»، هذا ما قاله شيخ الصحفيين المصريين محمد حسنين هيكل، مؤخرا في إحدى حلقات حواره مع الإعلامية لميس الحديدي على تليفزيون «سي بي سي»، رافعا بيديه كتاب «الشئون السرية» الذي صدر عام 2010 وحظي بتغطية سطحية ركزت على عناوين ساخنة مثل دعم المخابرات البريطانية للشيخ حسن البنا وتمويلها لجماعته فقط لا أكثر، لكن الكتاب فيه من التفاصيل ما يستحق إعادة قراءته.الكتاب يقول ببساطة، عبر مئات من الأمثلة المدعومة بعشرات من الوثائق السرية، إن حركات الإسلام السياسي من إخوان وسلفيين وغيرهم في بلدان العالم، كانوا لأكثر من 60 عاما لعبة في أيدي المخابرات الأمريكية والبريطانية التي وظفت هذه الجماعات لتحقيق وخدمة مصالحها في مختلف الدول.وتوقع مارك كرتيس في كتابه، الذي نشر قبل عام واحد من الثورة المصرية، تحالفاً بين النخب العالمية والإخوان المسلمين، وهو ما تحقق بالفعل في مصر وتونس وسوريا مؤخراً، واستند إلى سوابق تاريخية، ساقها «كرتيس» في كتابه، على هذا «التعاون، أو على نحو أدق، التواطؤ بين النخب السياسية البريطانية والإسلام المتطرف»، ويعتقد «كرتيس» أن هذه العلاقة ليست مجرد تحالف تاريخي وانتهى، بل تعاون ما زالت أسبابه قائمة حتى اليوم، خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي.ومنذ منتصف الأربعينات، تواطأت الحكومات البريطانية المختلفة مع القوى الإسلامية الراديكالية و«عملوا معهم بشكل وثيق ودربوهم ومولوهم في بعض الأحيان» لتحقيق هدفي بريطانيا الرئيسيين في السياسة الخارجية: تحقيق النفوذ والسيطرة على موارد الطاقة الرئيسية في العالم، والحفاظ على وضع بريطانيا كمركز للنظام المالي العالمي.وكان ساسة بريطانيا يعتبرون الإسلاميين مفيدين من 5 أوجه، أولها: تقويض العلمانية والتيارات القومية في العالم العربي وجنوب آسيا، وثانيها استخدامهم كـ«قوات صاعقة» لزعزعة استقرار الحكومات المناوئة، وثالثها: العمل عند الضرورة كقوات عسكرية لخوض حروب نيابة عنها كما حدث في إندونيسيا في الخمسينات، وفي أفغانستان في الثمانينات، ورابعها: استخدامهم كـ«أدوت سياسية» لإحداث التغييرات من جانب الحكومات المستهدفة، مثل إيران، ضد محمد مصدق عام 1953، وخامسها: تقويض النظم القومية والعلمانية ودعم الأنظمة الموالية للغرب، خصوصا في السعودية وباكستان.ويركز «كرتيس» على باكستان التي يعتبر انفصالها عن الهند أحد أهم نقاط التحول في تاريخ الإسلام السياسة، وترحيب ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الشهير، بدعوات بعض الإسلاميين بالاستقلال عن الهند -الذى كان أمرا غريبا وقتها- لأن باكستان في حقيقتها دولة صناعية، ليس بها مقومات تحفظ وحدتها، غير هويتها الإسلامية، والبريطانيون كانوا يدركون ذلك جيدا، لكن تشرشل رحب بانفصالها للاحتفاظ بجزء صغير من الهند، التى اضطرت بريطانيا للرحيل عنها بعد استقلالها عام 1947.ولتحقيق هذا الهدف شجعت بريطانيا تيارات الإسلام المتشدد ورموزه ومنهم أبوالأعلى المودودى صاحب نظرية «الحاكمية لله» التى تبناها لاحقا سيد قطب، ولاحقا تعلمت الولايات المتحدة، خليفة بريطانيا في قيادة العالم، الدرس ووظفت الجهاديين في أفغانستان لضرب السوفيت.ولم يقتصر دعم بريطانيا للإسلاميين على باكستان، فدعمها للمملكة العربية السعودية «الوهابية» أكثر وضوحا، وكان الهدف من هذا الدعم، الذي واصلته الولايات المتحدة لاحقا، مكافحة «فيروس القومية العربية»، بعد صعود «عبدالناصر» وتأميمه قناة السويس.وأدت السعودية دورها في رعاية الإخوان والسلفيين عقودا طويلة، وأنفقت بين عامى 1970 و2007 نحو 50 مليار دولار لنشر «الوهابية» في جميع أنحاء العالم، وهو ما وصفه أحد المراكز البحثية الأمريكية بـ«أكبر حملة دعائية في التاريخ»، وجرت بمباركة ورضا بريطانيا والولايات المتحدة اللتين رأتا في أفكار الوهابيين حائطا دفاعيا ضد أفكار «عبدالناصر» التى كانت تهدد مصالح الدولتين خصوصا في منابع النفط.ويضرب الكتاب عشرات الأمثلة على استخدام الغرب للإسلاميين في تحقيق أجندتهم، فحين حاول محمد مصدق، رئيس آخر حكومة منتخبة ديمقراطيا في إيران، تأميم شركة النفط البريطانية الإيرانية، قررت بريطانيا والولايات المتحدة الإطاحة به عن طريق دعم ما وصفوه وقتها بـ«دكتاتور مستعد لتسوية مسألة النفط بشروط معقولة».وكان الدكتاتور هو «آية الله سيد كشانى» الذي نظم أتباعه المتشددون احتجاجات واسعة مهدت الطريق لانقلاب 1953، الذي جاء بالشاه الموالى للغرب، وتتلمذ على يدى «كشانى» آية الله الخمينى، الذي أطاح بالشاه عام 1979، وأقام دولة دينية قمعية حتى اليوم، ومن الطريف أن الولايات المتحدة دعمت «الخمينى» اعتقادا منها أنه زعيم إسلامي معتدل يمكن «التفاهم معه»، حتى حين ظهر أن الخمينى خطر على مصالح الغرب، سعت أمريكا لاستخدامه في تصفية اليسار في إيران التى كانت وما زالت تعتبره الخطر الأكبر على مصالحها.وفي 1982، حصل البريطانيون على قائمة أعضاء الحزب الشيوعى الإيرانى «توده» من عميل سوفيتي سابق يدعى فلاديمير كوشكان، ومررت المخابرات البريطانية «MI6» ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «CIA»، القائمة إلى طهران التي سارعت بحل الحزب وإعدام عشرات منهم وألقت القبض على أكثر من ألف شخص.وتكرر السيناريو نفسه في إندونيسيا، بصورة أبشع، حين دعم الغرب الجماعات الإسلامية، المدربة والمسلحة من قبل الجيش الإندونيسى لارتكاب مذبحة إندونيسيا الشهيرة، التى راح ضحيتها نحو مليون شيوعى عام 1966، إلا أن أشهر صور التعاون بين الغرب والإسلاميين كانت في أفغانستان بعد غزو الروس لها عام 1979.وسعت الـ«CIA» والمخابرات الباكستانية، في هذه الفترة، للعمل بشكل وثيق مع تيارات إسلامية مختلفة، ومنها إخوان باكستان المعروفون باسم «جماعة الإسلام»، بهدف استنزاف «الجيش الأحمر» هناك.وجعل هذا التعاون من الولايات المتحدة، فيما بعد، متهما بإطلاق شيطان الجهاد الإسلامي المسلح، إلا أن كثيرا من السياسيين الأمريكان رأوا التعاون فكرة عبقرية لا يقلل منها وجود آثار جانبية مثل ميلاد تنظيم القاعدة، وهو ما عبر عنه زبيجنيو بريجنسكى، مستشار الرئيس كارتر لشئون الأمن القومى، ذات مرة لصحيفة «نوفيل أوبزرفتوار»، التى سألته: «هل تشعر بالندم على رعاية الجماعات الإسلامية أثناء حرب أفغانستان؟»، فأجاب: كيف أندم على فكرة ممتازة؟! وما أهمية مقارنة «طالبان» بـ«سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفيتى»؟! وما أهمية وجود بعض المسلمين الغاضبين مقارنة بتحرير وسط أوروبا وإنهاء الحرب الباردة؟!وإذا كان تحالف الإسلاميين والـ CIA في أفغانستان قصة معروفة، فما لا يعرفه كثيرون أن بريطانيا والولايات المتحدة هما من سهلا لاحقا إيفاد كثير من هؤلاء المجاهدين للمشاركة في حروب البلقان وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى، والمناطق الإسلامية في الصين، بدعم سخي من حليفهم الغنى السعودية، التى كانت أيضاً الممول الرئيس لحرب إدارة «ريجان» السرية لدعم المجالس العسكرية القمعية في أمريكا اللاتينية، مقابل أن تغض أمريكا الطرف عن جهودها في نشر المذهب الوهابى الذي تعتبره المملكة أحد أسلحتها لمواجهة دعوات الإصلاح وتداول السلطة في الداخل.وفي كتابه «لعبة الشيطان.. كيف أطلقت أمريكا الأصولية الإسلامية»، الصادر عام 2006، قال مؤلفه روبرت دريفوس: «هناك فصل غير مكتوب في تاريخ الحرب الباردة، يتناول خطة أمريكا المجهولة لدعم وتمويل -سرا وأحيانا علنا- الإسلاميين المتشددين، هذه الخطة المجهولة، التى نفذت على مدار 6 عقود، مسئولة جزئيا عن ظهور الإرهاب الإسلامي كظاهرة في جميع أنحاء العالم، بل إن امبراطورية أمريكا في الشرق مصممة وتقوم على عدة دعائم إحداها الإسلام السياسى».ويضيف «دريفوس» في مقدمة كتابه الشهير: «أنفقت الولايات المتحدة عقودا في رعاية الإسلاميين ودعمهم، والتلاعب بهم وخداعهم، باستخدامهم كحلفاء لها في الحرب الباردة، لكن السحر انقلب على الساحر بعد أن تحول هؤلاء الأئمة والملالى والدعاة إلى وحوش، ليس فقط ضد الولايات المتحدة، بل ضد حرية الفكر والعلوم الإنسانية القومية واليسار وحقوق المرأة. بعضهم إرهابيون، لكن أكثرهم متعصبون لأفكار تعود للقرون الوسطى ويتمنون العودة للقرن السابع الميلادي». ويوضح «لعبة الشيطان» أنه خلال سنوات الحرب الباردة بين عامي 1945 و1991، لم يكن الاتحاد السوفيتي هو العدو الوحيد لأمريكا وحلفائها، وسعت الولايات المتحدة لـ«شيطنة» وتجريح كل الأفكار والأيديولوجيات التي يمكن أن تهدد الأجندة الأمريكية والنفوذ الغربى مثل التيارات القومية والعلمانية والاشتراكية، وكانت هذه الأفكار هي أيضاً أكثر ما يخشاه الإسلاميون، ويضرب الكتاب مثلا واضحا بتحالف الغرب مع الإسلاميين لضرب الحركات القومية في العالم العربي وإيران وتركيا والهند، فالحركات القومية الناشئة في دول العالم الثالث كانت تهديدا كبيرا على مصالحها، واتخذ هذا التهديد أشكالا مختلفة، أشهرها جمال عبدالناصر الذي تواطأت بريطانيا والمخابرات الأمريكية مع الإخوان لاغتياله عام 1954.وفي محاولاتها لاحتواء هذه الأفكار في الخمسينات تحالفت واشنطن مع المملكة العربية السعودية، ووظف الأمريكان «الوهابية» للدفاع عن مصالحهم، واتفقوا مع الملك سعود والأمير فيصل -لاحقا الملك فيصل- لتأسيس كتلة إسلامية من شمال أفريقيا إلى باكستان وأفغانستان. وبالفعل مولت الأسرة السعودية مؤسسات كثيرة لنشر الوهابية ودعم جماعة الإخوان، ومولت بناء المركز الإسلامي في جنيف 1961، ورابطة مسلمى العالم 1962، ومنظمة المؤتمر الإسلامي 1969، وغيرها من المنظمات التى شكلت جوهر الإسلام السياسي في العالم.وفي السبعينات ومع وفاة «عبدالناصر» وتراجع القومية العربية، ظل الإسلاميون دعامة أساسية للعديد من الأنظمة الموالية للولايات المتحدة، ومنها مصر في عهد الرئيس السادات الذي تحالف مع الإسلاميين للقضاء على «الناصريين» والتقرب من أمريكا التي قال إنها «تمتلك 99 % من أوراق اللعبة السياسية».وفي كتابه الشهير «مسجد في ميونخ: النازيون ووكالة المخابرات المركزية وصعود الإخوان المسلمين في الغرب»، كشف مؤلفه الصحفي الكندي إيان جونسون، الحائز على جائزة بوليتزر، عن أبعاد أخرى لتحالف الإسلاميين والغرب الذي لم يقتصر، حسب وثائق المؤلف، على الولايات المتحدة وبريطانيا، فالولايات المتحدة استثمرت وبنت على مخطط ألماني نازي بدأه هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، لتوظيف الإسلاميين لضرب الاتحاد السوفيتي.القصة بإيجاز أن النازيين وجدوا أن عدداً كبيراً من الجنود السوفيت، الذين وقعوا في أسرهم، مسلمون ساخطون على الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين وكارهون لنظامه - شارك بين 150 و300 ألف سوفيتي في الحرب العالمية الثانية- ففكروا في استخدام المسلمين كطابور خامس داخل الجمهوريات الروسية المسلمة، وتولى هذه المهمة رجل يدعى «جيرهارد فون» الذي بدأ في رسم مخطط واسع لاستغلال الإسلاميين لصالح النازيين، وبعد هزيمة ألمانيا واصل «فون» نشاطه المعادي للشيوعية.ولم تنجح الشبكة التي كونها «فون» عسكرياً في تهديد السوفيت لكنهم أثبتوا أنهم أكثر كفاءة في تنفيذ الأجندة السياسية والدينية بعد أن تحولوا من جنود إلـى «إسلاميين»، وتحولت مدينة ميونخ، بسبب وجود عدد كبير من المسلمين السوفيت فيها، لمركز لهؤلاء الإسلاميين الذين انضم إليهم عدد من النازيين السابقين والمنظمات التابعة للمخابرات الأمريكية.ويوضح «جونسون» في كتابه كيف استطاع الأمريكيون سرقة مشروع «شبكة فون مندى» وتسليمها للقيادي الإخواني سعيد رمضان لمساعدته في تكوين شبكة من التنظيمات الإسلامية بدعم من أمريكا وبريطانيا، وتمويل سعودي، لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي في مصر، وخطر عبدالناصر، وكان مسجد، تحول لاحقا للمركز الإسلامي في جنيف 1961، هو نواة هذا المشروع.واتضح فيما بعد، أن المركز الإسلامي كان مجرد بداية، ففي عام 1962، ساعد سعيد رمضان في إنشاء «رابطة مسلمي العالم» التي أصبحت الجهاز العصبي المركزي للحركة الوهابية في العالم، بتمويل سعودى سخي تكفّل بإرسال الدعاة والدعاية المطبوعة، وتمويل بناء مساجد ومراكز وهابية مختلفة بطول شمال أفريقيا وآسيا الوسطى، وحتى خارج العالم الإسلامي.ووفقاً لـ«جيل كيبيل» مؤلف كتاب «الجهاد: تعقب أصول الإسلام السياسى»، خدمت هذه الرابطة أيضاً كقناة لعبور الأموال السعودية إلى إسلاميين متطرفين، في باكستان وأفغانستان، وجماعة الإخوان نفسها.ويضيف الباحث الفرنسي المتخصص في تاريخ الإسلام السياسي: «حددت الرابطة المؤسسات والأشخاص المستحقين لدعمها ودعتهم لزيارة المملكة العربية السعودية، وأعطتهم دعما إضافيا من أحد أعضاء العائلة المالكة أو أحد رجال الأعمال»، وأدار هذه الرابطة، إضافة للقيادى الإخوانى سعيد رمضان، علماء من المؤسسة الدينية السعودية ودعاة هنود من مدارس «ديوبند» التى أسسها «أبوالأعلى المودودي»، وفي هذه المدارس تخرج لاحقا زعماء حركة طالبان الحالية في أفغانستان.وفي عام 1970، بعد وفاة «عبدالناصر»، قاد رمضان وفدا للإخوان، نظمته ومولته السعودية، للتوسط لدى السادات لإعادة إحياء الجماعة التي جرى حظرها عام 1954، حسب قول روبرت باير، ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية: «المملكة العربية السعودية لعبت دور القواد للإخوان»، ووافق السادات الذي كان يرغب في التنصل من الروس والتخلص من الناصريين، والتحالف مع الأمريكيين، وانتشرت الحركة الإسلامية بصورة كبيرة في عهد السادات وسرعان ما ردت هذه الحركات الجميل للأمريكان والسعوديين بالجهاد ضد الروس في أفغانستان عام 1979.قصة سعيد رمضان، في حد ذاتها، أحد أكثر فصول العلاقة بين الإسلاميين، خصوصا الإخوان، وأجهزة الاستخبارات الغربية غموضا وإثارة. رمضان بإيجاز شديد هو الذراع اليمنى لمؤسس جماعة الإخوان الشيخ حسن البنا، وزوج ابنته ووزير خارجية الجماعة الذي تولى تأسيس فروع الجماعة في الخارج والتنظيم الدولى للإخوان.وبدأ الاهتمام العالمى بـ «رمضان» عام 1953، حين دعاه البيت الأبيض مع 5 أشخاص من دعاة وعلماء المسلمين من دول مختلفة للقاء مع الرئيس الأمريكي آيزنهاور، وجاء اللقاء كجزء من مؤتمر إسلامي في الولايات المتحدة، إلا أن وثيقة سرية أمريكية، وقعت في يد روبرت دريفوس، كشفت عن أن إدارة المعلومات الدولية، التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية -وهو فرع له اتصال مباشر بوكالة المخابرات المركزية- هي الجهة التي نظمت المؤتمر وتكفلت بتكاليف نقل هؤلاء العلماء من مصر والبحرين ولبنان والهند وبلدان أخرى، التي بلغت 25 ألف دولار خلاف مصاريف إضافية تكفلت بها شركة «أرامكو» السعودية الأمريكية.وطبقا للوثيقة نفسها، وتصنيفها «سرى.. معلومات أمنية»، فإن هدف المؤتمر، في الظاهر، مجرد تجمع علمى بحت، إلا أن الهدف الحقيقى هو «تجميع عدد من الأشخاص، من ذوى النفوذ في تشكيل الرأى العام في البلاد الإسلامية في قطاعات مختلفة مثل التعليم والعلم والقانون والفلسفة، ما يعزز بشكل غير مباشر النفوذ السياسي للولايات المتحدة في المنطقة»، ومن بين الأهداف المتوقعة للمؤتمر خلق قوة دافعة لحركة النهضة الإسلامية.ويوضح مؤلف كتاب «لعبة الشيطان»: «كانت الولايات المتحدة وقتها تتحسس طريقها لدول الشرق الأوسط، ويتباحث مفكروها إلى أى مدى يمكن للإسلام السياسي أن يكون قناة للنفوذ الأمريكي في المنطقة. ولم تكن الولايات المتحدة قلقة من أفكار الإخوان ولا طموحاتهم وتنظيمهم السري، فكل ما كان يعنيها هو الاتحاد السوفيتي، فأي جماعة أو شخص يعادي الشيوعية، هو حليف محتمل»، وأكد الفكرة هيرمان إيلتس، دبلوماسي أمريكي عمل في المملكة العربية السعودية أواخر الأربعينات، بعد أن قابل الشيخ حسن البنا وقال: «وجدناه متعاطفا».ويشرح الكتاب تفاصيل كثيرة عن دور سعيد رمضان وعلاقاته المتشابكة مع أجهزة مخابرات غربية مختلفة ودوره في إنشاء عشرات التنظيمات الإسلامية التي باركتها أمريكا ومولتها السعودية لتحقيق أهدافها.ويطرح «دريفوس» سؤالاً مباشراً: هل جندت الـCIA سعيد رمضان عام 1953 في أمريكا؟، حسب وثائق مفرج عنها من أرشيف الوثائق السويسرى، وانفردت بنشرها صحيفة «Geneva's Le Temps»، فإن السلطات السويسرية في الستينات «كانت تعتبره، ضمن أشياء أخرى، عميلا للمخابرات البريطانية والأمريكية».وفي يوليو 2005، قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، بعد تحقيق استقصائي موسع في محفوظات أرشيفي سويسرا وألمانيا: «الدلائل التاريخية تشير إلى أن السيد رمضان عمل مع وكالة المخابرات المركزية»، وكشفت وثائق من أرشيفات مخابرات ألمانيا الغربية -عرضتها الصحيفة الأمريكية- عن أن رمضان استخدم جواز سفر دبلوماسيا أردنيا، وفرته له وكالة الاستخبارات المركزية وأن «نفقاته يجرى تمويلها من قبل الجانب الأمريكى»، وأضافت الصحيفة أن رمضان كان على علاقة وثيقة مع «لجنة التحرر من البلشفية» المعروفة اختصارا بـ «Amcomlib» التي كانت تدير إذاعة أوروبا الحرة و«راديو ليبرتي» وكلاهما تابع لـCIA في الخمسينات والستينات.ووفقاً للصحيفة، فإن مسؤولاً في الـ CIA، يعمل مع هذه اللجنة، التقى رمضان في مايو 1961، لوضع خطة لـ «حملة دعائية ضد الاتحاد السوفيتى».أياً كانت حقيقة علاقة سعيد رمضان بأجهزة المخابرات الغربية، فهناك شيء واحد مؤكد، حسب مؤلف «لعبة الشيطان»، هو أن الغرب ولعقود طويلة فضل التحالف مع الإسلاميين لضرب الحركات القومية واليسارية، وحتى بعد 11 سبتمبر، كان التغيير الرئيسي لدى دول الغرب هو التحالف مع الإسلاميين الذين لا يرفعون السلاح، وأن واشنطن وجدت في الإسلام السياسي شريكاً مريحاً خلال كل مرحلة من مراحل بناء الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط.ويبرر روبرت مالي، مستشار سابق للرئيس الأمريكى للشئون العربية الإسرائيلية بين أعوام 1998 و2001، هذا التحالف في دراسة له بعنوان «ليست ثورة» بأن «الإسلاميين جاهزون دائماً بصفقة يرونها مُرضية للغرب: المساعدات الاقتصادية والدعم السياسي من الغرب، مقابل عدم تهديد ما يعتقدون أنها مصالح غربية أساسية، أي الاستقرار الإقليمى، والحفاظ على السلام مع إسرائيل، ومكافحة الإرهاب، وتدفق الطاقة، وعدم شن أي حروب تجارية، والمواجهة مع الدولة اليهودية يمكن أن تنتظر، ففي مخططات الإسلاميين لا وجود لدولة يهودية لكن مشكلة إسرائيل ستظل دائما آخر قرار يتخذه الإسلاميون، بل يمكن ألا يتخذه أحد أبدا».