نبض القلم
الأطفال هم فلذات الأكباد، وثمار الحياة، وبوجودهم يشعر الإنسان بقيمة الحياة وبهجتها، ويحس بمتعتها لأنهم زينتها.ومن واجب الأسرة والمجتمع رعاية الأطفال وتنشئتهم تنشئة سليمة، وتربيتهم تربية صحيحة، ووقايتهم من الأمراض، وتغذيتهم تغذية صحية، لينموا نمواً سليماً.والأسرة هي البيئة الطبيعية الأولى التي يحيا فيها الطفل، ولذا فهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن نموه وصحته وتربيته وتأهيله وتعليمه وإعداده للحياة، ليكون عضواً نافعاً في المجتمع، ويسهم بنصيب وافر في خدمة الوطن.إن تأثير الأسرة في تربية الطفل كبير جداً، ويتجلى هذا التأثير في جميع جوانب نمو الطفل، فهي تؤثر في لغته، وفي سلوكه، وفي تدينه أو انحرافه.وقد برزت في مجتمعنا اليمني بعض الأساليب الخاطئة في تربية الأطفال، بسبب جهل الآباء في التربية، ذلك أن بعض الآباء أو الأمهات لا يفكرون جيداً عندما يعالجون مشكلات أطفالهم، فتكون مواقفهم التربوية غير منطقية أحياناً. فهم يعاملون الطفل وكأنه غير مرغوب فيه، بما يجعله يحس أنه شخص منبوذ، يشعر أن والديه لم يعتنيا به، وأن إخوته يضربونه، وأصدقاءه يهزؤون به، أو يسخرون منه. فلا عجب أن يكون الطفل الذي ينشأ في مثل هذه الأسرة معقداً نفسياً، لأنه لا يشعر بالأمن في البيت، ولا يجد الحب بين أهله، فيضطر للبحث عن الحب الذي يحتاج إليه بوسائل أخرى، كالهروب من المنزل والتشرد، مما يؤدي إلى انحرافه.ومن أخطاء التربية في بلادنا أن بعض الأسر تتحكم في كل عمل من أعمال الطفل، فيتدخل الأبوان في كل شأن من شؤونه في جميع الأوقات وفي جميع مراحل النمو، فهما ينوبان عنه، أو يقومان بما يجب أن يقوم به هو، فيجعلانه يشعر بالاستبداد وفقدان الإرادة وضياع الشخصية. وربما يكون بعض هؤلاء الآباء قد تربوا تربية استبدادية فيعاملون أبناءهم بمثل ما كان آباؤهم يعاملونهم به، دون أن يدركوا ما يقعون فيه من خطأ تربوي، ذلك أن الطفل الذي ينشأ في مثل هذه البيئة التربوية الاستبدادية ربما يبدو عليه الهدوء والوقار والسكينة المؤقتة، فيتصنع أمام والديه بالسلوك الحسن، والأخلاق الجيدة، ويتصرف أمامهما تصرفات مهذبة نوعاً ما، ولكن ذلك كله سرعان ما يتلاشى، لأنه سلوك غير طبيعي لارتباطه بالاستبداد. وقد أثبتت تجارب الحياة أن الطفل الذي يتربى تربية استبدادية منذ صغره، فإنه عندما يصل إلى مرحلة المراهقة ربما يشعر بالضعف في مواجهة المواقف، ويرى نفسه ناقصاً أمام زملائه مما يجعله مرتبكاً، وغير قادر على اتخاذ أي قرار، مما يسهل على أصدقاء السوء قيادته إلى الضلال مما قد يؤدي إلى انحرافه.وعلى العكس من ذلك فإن بعض الأسر في بلادنا قد تبالغ كثيراً في عنايتها بالطفل، وتغالي في إظهار الحب له، فتعطيه ما يشاء من النقود ليصرفها في ألعاب الإيتاري والقمار وغيرها من الألعاب الضارة، أو أنها تسرف في التساهل معه، فتظهر حرصاً شديداً عليه، فتدلله أكثر من اللازم، وتظل تعامله في مرحلة المراهقة كما كانت تعامله في مرحلة الطفولة، دون مراعاة للتغييرات الطبيعية التي طرأت على نموه، ربما أنها لا تعرف أنها بذلك قد أبقته في مرحلة نمو أدنى من المرحلة التي وصل إليها،متجاهلة أنه قد أصبح كبيراً وهو بحاجة إلى نوع من الحرية. وقد أثبتت تجارب الحياة أن الطفل الذي ينشأ في مثل هذه البيئة التربوية ربما يكون شخصاً فاشلاً في مستقبل حياته،وفاقد الثقة بنفسه، فيصعب عليه مواجهة مواقف الحياة المختلفة، أو أنه لا يستطيع تحمل المسؤولية ويتهرب منها.ومن أجل ذلك دعا الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى مراعاة مراحل نمو الطفل، وأمر الأب أن يلاعب ابنه ويداعبه ويدخل عليه السرور في مرحلة الطفولة المبكرة، إلى أن يأتي دور التأديب والتعليم في مرحلة الطفولة المتوسطة، حتى يأتي دور النصح والإرشاد في مرحلة الطفولة المتأخرة، أما في مرحلة المراهقة فيكتفي بالتوجيه والتعريف بحقائق الأشياء، وبعد اجتيازه لمرحله المراهقة يترك وشأنه، لأنه قد أصبح شاباً ناضجاً يعرف ما له وما عليه من الحقوق والواجبات.قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):” لاعب ولدك سبعا، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم أترك حبله على غاربه”.وقد اعتمد علماء الشريعة والقانون على هذا الحديث الشريف حين جعلوا سن الرشد الذي ترفع فيه الوصاية عن الأفراد إحدى وعشرين سنة.