نبض القلم
يروى أن ملكا من ملوك الصين القدماء استقبل ذات يوم رسولا من ملك كوريا يحمل اليه رسائل خطيرة مكتوبة بلغة غير مفهومه، ولم يستطع أحد من وزرائه ومستشاريه ورجال حاشيته أن يعرف مضمونها، ويفهم محتواها، فصاح الملك غاضبا: ما هذا الذي أراه؟ ألا يوجد بين هذا العدد الكبير من الوزراء ورجال الحاشية والقادة والحكام رجل واحد ينجينا من هذه الورطة؟ ثم اقسم اليمين المغلظة على انه ان لم يجد بعد ثلاثة أيام من يستطيع أن يفك له الرسالة، أو يحل لغزها، فانه سيقصيهم جميعا من مناصبهم الرفيعة.وقضى الوزراء والحكام والقواد يومين كاملين يتشاورون في الأمر، ويبحثون عن مخرج لهذا الموقف، وهم يخشون أن تطيح منهم مناصبهم، أو يفقدوا امتيازاتهم ان لم يجدوا مخرجا.ثم تقدم أحدهم الى الملك قائلا: هل تأذن يا مولاي لواحد من رعاياك أن يبلغ جلالتك ان هناك رجلا في مملكتك جليل الشأن عظيم القدرة وهو متبحر في أكثر من علم، وله دراية بفك الرموز ومعرفة اسرارها، فاطلبه ان يأتي اليك، ومره أن يقرأ هذه الرسالة إذ ليس ثمة شيء يعجز عنه.وأمر الملك من فوره باستدعاء ذلك الرجل للمثول بين يديه، ولكن الرجل أبى أن يحضر بحجة انه غير جدير بالقيام بالمهمة الموكلة اليه، خاصة انه سبق أن رفض طلبه حين تقدم لوظيفة شاغرة في القصر، وانه رسب في آخر امتحان عقد لطالبي الوظائف العامة، غير أن الوزراء والقادة والحكام يؤكدون ان لا احد في البلاد غيره قادر على قراءة تلك الرسالة لما يمتاز به من ذكاء وقدرات متميزة ومعارف متنوعة، لكن الرجل ظل مصرا على رفضه قراءة تلك الرسائل- على أهميتها- الى ان استرضاه الملك بنفسه، ومنحه لقب دكتور من الدرجة الأولى وخلع عليه الأوسمة والنياشين الرفيعة.فتقدم الرجل لقراءة الرسالة تلو الرسالة وقام بفك رموزها وكشف اسرارها في وجود جمع من رجال حاشية الملك ومستشاريه ووزرائه، والغريب ان بعضا من هؤلاء هم الذين امتحنوه وقرروا رسوبه في الامتحان.وبعد أن قرأ الرجل الرسائل طلب اليه الملك ان يرد على كل منها بالرد المناسب. فكان فصيحا في رده، بليغا في تعبيره، ينم عن علم غزير، وثقافة واسعة ودراية بالأمور السياسية وقدرة فائقة في التعاطي مع الأمور الخطيرة. فقربه الملك اليه وجعله كبير مستشاريه، غير ان الرجل رفض قبول هذا العرض الا بشرط واحد وهو ان يختار بنفسه مساعديه الذين لابد ان يخضعوا لامتحان المفاضلة ليختار منهم الأصلح، وذلك هو الذي صار.