كانت الدكتورة كريمة الحفناوي والدكتور عماد جاد يتحدثان مع تامر أمين، عندما قدم عماد جاد ورقة فيها اسم وتليفون عضو مجلس شعب بحدائق القبة، ويطلب الاتصال به، فلديه كل التفاصيل الخاصة بمساومة جماعة الإخوان لأهل الشهيد. ليقولوا إن الشهيد كان منضماً للجماعة، وعندما رفض أهل الشهيد عرضوا عليهم أموالاً طائلة حتى يلبوا للجماعة طلبها.بعد تقديم الورقة التى أتمنى أن يكون تامر أمين قد احتفظ بها لنفسه ولم يكن قد سلمها لضيفين آخرين كانا يجلسان، أحدهما من جماعة الإخوان، والثانى من الجماعة الإسلامية يظهر كثيراً فى التليفزيونات مرتدياً زياً باكستانياً أو أفغانياً. وهذا الزى يمثل عدواناً على الزى الذى ارتبطت به الشخصية المصرية. سواء كان البلدى أم الإفرنجى؛ لأن وصول الورقة لأحدهما يمكن أن يسبب أضراراً لمن يعرف الحقيقة.قبل أن أكمل الحكاية، لا بد من تحية حارة من حبة قلبي لكريمة الحفناوى وعماد جاد على انسحابهما من البرنامج على الهواء؛ لأن الأمور عندما تصل للدماء، فما قيمة الحوار فى وطن يشرب دماء أبنائه فى كل لحظة، كان انسحابهما مؤثراً ورسم أمامى صورة محزنة ومخيفة لبعض برامج التوك شو التى تصر على وجود نصف الضيوف من التيار الإسلامى، مع أنهم لا يمثلون نصف المصريين؛ لكنها حكاية أخرى قد أكتب عنها فيما بعد.المصرى يقدس الموت، فما بالك إن كانت شهادة. للموت حرمة عند المصريين، فهل وصل الأمر بنا الآن للتجارة فى جثث الشهداء؟ هل وصل الإجرام وعدم احترام إنسانية الإنسان واستشهاده، لمحاولة تغيير هوية إنسان استشهد دفاعاً عما يؤمن به، بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ما يؤمن به؟خلال ملاحم حروبنا، كان «كله كوم» والشهداء «كوم آخر». يرتعش جسم الإنسان بمجرد ذكر اسم شهيد، وعندما كنت أكتب روايتى: الحرب فى بر مصر فى سبعينات القرن الماضى، وتدور حول عمدة إقطاعى طلبوا ابنه للتجنيد قبيل حرب أكتوبر، فأرسل «مصرى» ابن الخفير الخاص به بدلاً منه. وبعد استشهاد «مصرى» فى حربنا مع العدو الصهيونى أصبحت هناك معركة لمن يعود مجد الاستشهاد، ولمن تعود الأموال التى تدفع لأهل الشهيد؟ وكما انتصر العمدة فى البداية، فإنه ينتصر فى النهاية.عندما كتبت الرواية كنت خائفاً من الاقتراب من دم الشهداء، فهو دم مقدس. قداسته لا يجب الاقتراب منها على الإطلاق. ولولا مسار الاستثمار السياسى لحرب أكتوبر الذى قدم أكبر خيانة سياسية لدماء الشهداء لندمت طول عمرى على كتابة الرواية.لكنها -جماعة الإخوان المسلمين- لا تحترم دم الشهداء، وتحاول شراء شهيد من أجل أن تقول للناس إن لديها شهداء فى موقعة الاتحادية التى تعد أخطر من موقعة الجمل الأولى.الواقعة لم تكن الوحيدة.ثمة واقعة أخرى وشهيد آخر.
أخبار متعلقة