ماجد الهتاريليس في العالم إنسان لم يسمع باسم ليوناردو دافنشي .. أليس هو صاحب أشهر كنز فني عالمي منذ عصور إلى يومنا هذا ؟، إنها اللوحة الفنية التي سميت بالجوكندا والمشهورة باسم (الموناليزا) نسبة إلى السيدة التي تمثلها هذه اللوحة .. ومن المعروف أن هذه اللوحة من أثمن الكنوز الفنية التي تزين متحف اللوفر في باريس ، وقد يتساءل المرء عن ثمن هذا الكنز .. انه يبلغ بضعة ملايين من الدولارات ، ومثل هذا المبلغ يعتبر ثروة طائلة يغري لصوص ومافيا المتاحف ويدفعهم لسرقة هذه اللوحة ، وقد حاولوا مراراً لكن محاولاتهم قد بأت بالفشل بسبب الحراسة المشددة التي تفرضها فرنسا على هذا الكنز الفني الثمين .وكما تحظى هذه التحفة الفنية بالغ في عصرنا فلا شك في أن الفنان الذي صورها جديراً باهتمام أكبر منها ، فشخصية ليوناردو دي فينشي تستحق الإعجاب الشديد وكذا الدراسة والتحليل الدقيق والتأمل بعمق فقد كان هذا الرجل ذا عبقرية متنوعة إلى حد مدهش فلم تكن عبقريته في حدود عالم الفن بل تجاوزه إلى ميادين عدة في العلم والمعرفة .يذكر التاريخ عن هذا الفنان أنه كان مهندساً معمارياً فذاً ومخترعاً لأسلحة حربية فتاكة وخبيراً في علم التشريح والنباتات وكذا أتقن في زمنه الرياضيات وبناء السدود وكان موسيقياً وأخيراً صاحب الجوكندا .ياله من عبقري!ولعل ما يثير الدهشة في أمر ليوناردو أنه عاش في عصر غارق في الجهل. وهكذا لم يحصل علومه من جامعة ولا كلية ولم يكن هناك شيء من ذلك وإنما كان ذلك بجهوده الشخصية وذكائه المتوقد وعظيم شغفه باكتشاف ما يحيط به من أسرار فكان يقرن المعرفة بالعمل.فمن هو ليوناردو دا فنشي هذا؟في إحدى ضواحي بلدة (فنشي) القريبة من مدينة (فلورنسا) بإيطاليا ولد الطفل الذي سماه أبواه (ليوناردو). وكانت فلورنسا شهيرة بقصورها الفخمة وأمرائها الأغنياء كان ذلك في عام 1452 وهو العام الأخير من عهد القرون الوسطى .. وكان أبو ليوناردو اسمه بيرودافنشي ويشغل وظيفة (كاتب عدل) قد ورثها من أبيه وأجداده وكان مولعاً بعقد الصفقات التجارية خارج حدود وظيفته فاستطاع أن يجمع لنفسه بعض المال .وقد صرفه على ابنه البكر ليوناردو، فعاش الطفل محروماً من عطف أبيه ولم يمض وقت قصير حتى حرم من عطف أمه أيضاً عندما هجرت زوجها بعد أشهر من ولادته وتزوجت من رجل آخر .في هذا الجو الكئيب عاش ليوناردو . وحين بلغ السابعة من عمره ذهب إلى المدرسة. وهناك لاحت عليه أمارات التفوق على أقرانه . كان يتعلم دروس الصرف والنحو وتعاليم الدين ومبادئ الحساب وقد كان استوعبها جميعاً بسرعة أذهلت معلميه ما جعله يشعر بتفوقه المبكر فانصرف عن مدرسته الابتدائية على أساس أنها لن تعلمه شيئاً يطمح إليه وهكذا بقي يتغيب عن المدرسة في معظم الأحيان ويقضي نهاره متجولاً في الحقول وبين الصخور والتلال المحيطة بالقرية .وفي هذه البيئة من جمال الريف وما فيه من أصناف النبات والحيوانات الأليفة والحشرات العجيبة . وجد ليوناردو مدرسة جديدة تختلف عن مدرسته السابقة . لم يكن هناك معلمون ولا كراريس ولا أوراق ولا أقلام ، وكان كل ما فيها من نبات وجماد وحيوان يدفعه إلى مراقبته .. إنه يوقد في عقله المتفتح حب المعرفة ويملأ ذهنه بالأسئلة المحيرة التي تحثه على أن يبحث لها عن أجوبة مقنعة . ها هو الآن غلام .. لكن ما له يجوب الحقول ؟ .. أهاه إنه يركض وراء فراشة جميلة ويدركها . جلس الآن على صخرة يتأمل جندباً ألتقطه بيده .. ويمل من الجلوس فيصعد على رأس تله كي يطلق بصره الذاهل وراء الطيور المحلقة في السماء . ومن بعيد تلوح له قطعان الغنم عند الأفق فيكاد يلتهمها بعينيه . إنها كتل سوداء تتحرك وسط مرج أخضر .. ثم يهبط إلى كهف مظلم محملق عينيه خوفاً من العتمة وخشية الحيوانات المؤذية والأفاعي السامة التي قد توجد هناك لكنه لا يتردد في الدخول لأن حب المعرفة والاستطلاع في نفسه أقوى من أي خوف ..و يظهر لنا هذا أن الغلام تحيره الأسئلة المتزاحمة في ذهنه ، من أين للفراشة الجميلة ألوانها ولماذا يقفز الجندب ولا يزحف كالديدان ولا يطير كالطيور ولماذا.. ولماذا ولماذا.. ؟؟؟لقد شاهد ليوناردو ذات يوم هيكلاً متحجراً داخل أحد الكهوف وكان لسمكة كبيرة .. فوقف أمامه يتأمله طويلاً وهو يتساءل في حيرة شديدة كيف استطاعت هذه السمكة أن تصل إلى هذا المكان البعيد عن شاطئ البحر ؟؟..سؤال لم يكن في وسع ليوناردو أن يجيب عنه في مثل هذا السن وفي مثل ذلك العصر الغارق في الجهل .. كذلك لم يكن في وسع ليوناردو أن يجيب عن كثير من الأسئلة الأخرى التي تتزاحم في ذهنه .. فهذه الأسئلة التي كانت توقد قواه العقلية وتدفعه إلى التفكير . وبذلك كانت تهيئه لحياة المعرفة و العلم و الفن في المستقبل .كان ليوناردو يتمتع بذاكرة عجيبة نادرة جداً . إنه لم يكن ينسى شيئاً حتى صور الحيوانات والحشرات والنباتات التي تلحظها عيناه كان يختزنها في ذاكرته . بل قد بلغ من أمره أنه كان يرسم هذه الصور من ذاكرته بكل تفصيلات أعضائها الدقيقة وكأنها حاضرة أمامه . وهكذا ساعدته ذاكرته كثيراً في تنمية موهبة الرسم لديه .وإلى هذه الموهبة الفنية كان ليوناردو مغرماً بالغناء والعزف على القيثارة . وكثيراً ما سحر سامعيه بفصاحة نطقه وتدفقه في الحديث كما سحرهم بجمال صوته ومهاراته في عزف الألحان . وكان فوق هذا كله جميل الوجه إلى حد لا يوصف ، حتى أن معاصريه كانوا يعدونه أجمل إنسان خلقه الله على وجه الأرض .إن ما سبق كلها صفات تلفت الأنظار إلى صاحبها . وها هو أبوه أول من يفطن إلى ذلك ، فقد دهش بيرو دافنشي لرسوم ولده ليوناردو وسرعان ما أدرك بحسه التجاري الخبير أهمية الكنز الذي يملكه ابنه في أنامله الطرية. كيف لا، والرسم في تلك الأيام مهنة رابحة تدر على صاحبها المال الكثير .. أليس الأمراء والنبلاء وكبار رجال الدين مولعين بشراء اللوحات الفنية والتنافس في اقتناء أجملها ؟ بلى ، إذن فليربح بيرودافنشي .ولم يتردد الرجل في تحقيق ما خطر له حين رأى رسوم ابنه الجميلة ولأول مرة. لقد حملها إلى فلورنسا ليعرضها على (فيروكيو) أشهر رسام هناك. فأعجب بها فيروكيو كثيرا وأبدى رغبته في أن يتتلمذ صاحبها على يديه.وهكذا سافر ليوناردو لأول مرة في حياته إلى فلورنسا، مدينة القصور والأمراء والثروات الطائلة وهو في الرابعة عشرة من عمره . [c1] المرجع : من سلسلة الناجحين [/c]
|
فنون
ما هي المدرسة الأولى للطفل ليوناردو دا فنشي
أخبار متعلقة