في الستينات من القرن الماضي، وفي النصف الثاني منه تحديداً، كانت بداية مشواري التعليمي في كلية بلقيس في الشيخ عثمان، حيث كنت وقتها أدرس في الفترة الصباحية، وأدرّس في فترة ما بعد الظهيرة، وكنت وقتها مدرساً للغة العربية وفقاً للمنهج المصري أيام الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت مناهج التعليم وقتها مشبعة بالروح القومية، ومليئة بالنصوص الأدبية التي تتغنى بالوحدة العربية، في وقت كان شعبنا يناضل للخلاص من الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن بعد أن نجح في الخلاص من نظام الإمامة المتخلف في شماله، وكانت الحركة الوطنية في عموم اليمن تناضل من أجل إفشال المشاريع الاستعمارية الرامية إلى إقامة اتحاد الجنوب العربي، وهو الكيان الذي أراد الاستعمار البريطاني إقامته في ما كان يعرف بالإمارات الجنوبية بما فيها في عدن، ولما كان شعبنا اليمني مدركاً خطورة تنفيذ مثل هذه المشاريع المشبوهة، فقد عمل جاهداً لإفشالها، والتصدي لمروجيها، وسعى في الوقت نفسه لتعزيز الثقافة الوطنية لدى الناشئة، وحب الوطن، والدعوة الحثيثة لتوحيد اليمن.ولما كانت حصص الأناشيد من الحصص المحببة لدى تلاميذي فقد كنت أختار لهم بعض النصوص التي تتغنى بالوطن، وتدعو لتحقيق وحدته، ومنها نشيد كان قد كتب كلماته الأستاذ أحمد حسين المروني، قال فيه:“بجدنا وعزمنا ينهض الوطن لا شمال ، لا جنوب، لا عدن، كله يمن”وللأسف لقد نسيت بقية كلمات هذا النشيد الذي استطعنا من خلاله نحن المدرسين أن نغرس في أذهان تلاميذنا روح الجد والمثابرة ونعمق في أذهانهم مفهوم الوحدة اليمنية عملاً لا قولاً، ولتعزيز روح الولاء للوطن وتعميق الاتجاه لدى التلاميذ، كنت وزملائي المخلصين نؤكد على أن حالة التشطير التي كانت قائمة وقتذاك إنما هي حالة مؤقتة، ستزول بزوال الاستعمار، وعلى التلاميذ أن يرفضوا كل الأفكار التي كان يروج لها عملاء الاستعمار، ممن كانوا يريدون إنجاح المشاريع الاستعمارية لتكريس التجزئة في أوساط أبناء المجتمع اليمني، ومن وسائلنا في ذلك التأكيد على حقيقة التلاحم الجماهيري لنصرة ثورة 26 سبتمبر، والتفاعل الشعبي مع العمل الفدائي الرامي إلى مقاومة الاحتلال وتحرير الجنوب، وصولاً إلى يمن ديمقراطي موحد.وكان المدرسون المخلصون قد نجحوا الى حد كبير في توعية تلاميذهم بخطر التعاطي مع المشاريع الاستعمارية، وما ينجم عن أوضاع التشطير والتجزئة التي كانت قائمة وقتذاك، وقد ساهم المدرسون الوحدويون في نشر الوعي الوحدوي، وتعزيز الروح الوطنية وحب الوطن لدى الناشئة، في الوقت الذي كانوا يتصدون لعملاء الاستعمار، ويكشفون نواياهم السيئة في شق الصف الوطني، وقد وجد المدرسون الوحدويون في طلبة وطالبات كلية بلقيس فرصة سانحة لتعميق مفهوم الوحدة في أذهانهم، مستفيدين من التنوع الذي كان حاصلاً في تشكيلة الطلاب، ذلك التنوع الفريد الذي كان يجمع الطلاب من جميع مناطق اليمن في مدرسة واحدة بل في صف واحد، فقد كان يلتقي في الصف الواحد تلاميذ من حضرموت وشبوة وأبين وتعز وإب والحديدة، وغيرها، ويدرسون جميعهم دروساً واحدة، وليس هناك ما يفرق بينهم، فكان التلميذ من تعز يجلس إلى جوار تلميذ من شبوة أو غيرها، ولم يسأل أي منهم زميله من أين هو، ولا ما قبيلته، لأن الجميع يسعون لغاية واحدة وهي طلب العلم، والجد فيه، ليكونوا لبنات صالحة في بناء الوطن.ولما كنت شخصياً قد حظيت بالقيام بمهام التدريس في كلية بلقيس، وبالذات تدريس اللغة العربية بفروعها المختلفة، فقد بذلت ما في وسعي لتعميق مفهوم الوحدة اليمنية لدى الناشئة من خلال الدروس التي كنت أقدمها، مستفيداً من بعض النصوص التي كنت أقدمها للتلاميذ وبالذات النصوص الشعرية الصالحة للإنشاد، فقد كنت أختارها بعناية فائقة، وأدرسها بحماس منقطع النظير، وأشرحها شرحاً مستفيضاً، ليتأثر التلاميذ بها، ويستوعبوا معانيها ويتفاعلوا مع ما ترمي اليه من اهداف ثم أطالبهم بعدها، بإنشادها، ومن ثم حفظها، ومن تلك النصوص على سبيل المثال لا الحصر، هذه الأنشودة التي كتب كلماتها الشاعر المصري أحمد شوقي، ولحنها مدرس الموسيقى في المدرسة، وتقول كلماتها:عصفورتان في الحجاز حلتا على فننفي خامل من الرياض لا ند ولا حسنمر على أيكهما ريح سرى من اليمنحيا، وقال: درتان في وعاء ممتهنلقد رأيت حول صنعاء وفي ظل عدنخمائلاً، كأنها بقية من ذي يزنالحب فيها سكّر والماء شهد ولبنلم يرها الطير ولم يسمع بها إلا افتتنهيا اركباني نأتها في ساعة من الزمنقالت له إحداهما والطير منهن الفطنيا ريح أنت ابن السبيل أما عرفت ما السكن؟هب جنة الخلد اليمن لا شيء يعدل الوطنفيا ليت الأساتذة الأفاضل في هذه الأيام يواصلون المسيرة ويعملون على بث الروح الوطنية وحب الوطن لدى الناشئة، ويبذلون ما في وسعهم من جهد للتوعية بمحاسن الوحدة، وأضرار التجزئة والتشطير، وأهمية التلاحم الاجتماعي، وضرورة الولاء للوطن.[c1] خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان [/c]
أخبار متعلقة