الأغنية اليمنية الوطنية
إعداد / سلوى الصنعاني بلادنا تحتفل بالعيد الـ (49) لثورة 14اكتوبر المجيدة و العيد الخامس والأربعين للاستقلال الوطني عام 1967م يوم الثلاثين من نوفمبر الذي انتزع بدماء وتضحيات أبنائنا بعد كفاح دام لأكثر من أربع سنوات وجلاء الاستعمار البريطاني وعملائه.وما كان لهذه الانتصارات أن تتكلل بالنجاح لولا هذه التضحيات التي قام بها أحرارنا ولولا ذلك الأثر الذي تركته في أنفسهم ما خطته أقلام شعرائنا وأذكت روح الثورة في وجدانهم .. وتلك الاغنيات والاناشيد الخالدة المفعمة بحب الوطن وبذل الغالي والنفيس من أجله. هنا يبرز دور الأغنية اليمنية في بلورة فكرة الكفاح ضد الاستعمار بكل اشكاله وابقاء نارها في وجدان الناس . عن تلك الفترة كان للأستاذ الراحل الفنان محمد سعد الصنعاني حديث بهذا الخصوص ، فلم تكن البندقية وحدها قد حققت ذلك الانتصار بل والكلمة والأغنية قائلاً : للأغنية اليمنية الوطنية دور كبير في تأجيج حماس الناس وتصوير فقرهم وظلمهم في كثير من الاغاني رددتها ربات البيوت والفلاحين وهم في حقولهم وهي شواهد على بؤس الحياة في تلك الايام من تاريخ بلادنا التي كانت رازحة تحت سيطرة الإمامة والإنجليز والسلاطين. ونحن بحاجة إلى فريق من الباحثين يجوب البلاد لجمع هذه الأغاني والأهازيج كشواهد صوتية عما يجول في الوجدان من قهر واضطهاد وملاحقات واعتقالات وإعدامات سواء في شمال الوطن أو جنوبه ما أدى الى تشريد ابنائنا الى المنافي وقد تجد ذلك في أغنية الفنان أيوب طارش “ أرجع لحولك” والفنان اسكندر ثابت وأغانيه الوطنية التي بثتها إذاعة صوت العرب من مصر العروبة وابرز ما غنى (( يامسافر من بساط النيل إلى وادي تبن بلغ الأحباب في الحوطة ومن فيها سكن)) .وقد كانت الاغنية الوطنية في بداياتها تحمل طابعاً رمزياً وتوجهاً اصلاحياً لواقع الحياة البائسة للناس وكان للفنان أحمد فضل القمندان قصيدة غاية في التعبير عن الحال ألقاها في حفل استقبال أخيه السلطان عبدالكريم فضل يقول فيها : كيف أوروبا وما شاهدتموا *** اسويسرلند وحش كاليمنأعراة أجياع اهلها *** في شقى كرب ومحنأم رجال احرزوا العلم *** وفازوا بسعد فتلقوا كل فنادريتم كيف فاقونا وهل *** بذلتم في التحري من ثمنوكيف طاروا في السماء واستعملوا*** البرق حتى إذ عن البرق وذن هل جلبتم معكم من قبس *** حجرة من ناره تكوي المحنمن لقحطان وعدنان الى المجد *** داع بالهدى في الناس من ؟ إن قلبي لم يزل في اضلعي *** كلما حس شقاء الارض أن ولأغنية “ شراح” للاستاذ صالح فقيه الاتجاه نفسه التي اثرت كثيراً في وجدان الناس والتي يطالب فيها الشاعر بإصلاح الحال من خلال رمزيته في هذه الاغنية التي لحنها وغناها الفنان محمد علي الدباشي:شراح كيه سمعوا لا وظافباعطي شراحه لا توكنوني وإلاّ طرحت الطين باجيب شراح شراح لا يخدعوكم خاف بعد الحماسة تفضحونيوبايقولوا الناس ياخس شراحشراح واتخبروا العراف وإلاّ تعالوا واسألوني من قبل ما تبكوا على أموال وأرواحشراح باقول ياقلة الانصاف يانفس عزي ولا تهوني وين الذي للخير والشرح مفتاحشراح من بعد مايتملكوا لاطراف قهري عليكم ياغبوني ما فايده ياسين من بعد مضياح شراح وبعد ما تنفع الاوظاف لا قد توكل بن حسونيبانسمع صياح في كل مشراحشراح وبعد ما تطرحوا الأوظاف وبايرد الجيد دوني وباتضيع الهنجمة والتمداحومن الاغاني التي حملت طابع الرمزية اغنية الفنان الكبير أحمد بن أحمد قاسم “ هربواجا الليل” وأغنية “ حولاه الليله السماء تمطر” للفنان حسن صالح باحشوان التي استمع لها الناس وأعجبوا بها أيما إعجاب .ولكن الاغنية المشهورة التي نسج كلماتها السيد عبدالرحمن علوي العراشة كانت ابلغ في التعبير وإن كانت أعمق في رمزيتها : الهاشمي قال هذه مسألة *** والثانية عادها لما تكون عندك خطأ ما قرأت البسملة *** ولا تبارك ولا عم ونون ولا دريت أن هذه مشكلة *** والقرش يلعب بحمران العيونهذه مخبرة لك نشوفها الاولة *** عادك بالطرف أوبه للبطونوكل من قام لك كن قوم له *** فالعيب مقرون في ضحك السنونالارملة بنت والبنت أرملة *** تهاونوا في شقورها والدخون وكيف من هي أموره معطلة *** هل يستطع أن يركب ميكروفون وقد مثلت الاغنية الوطنية حالة متقدمة مطلع الخمسينات وخصوصاً بعد ميلاد ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم العربي جمال عبدالناصر التي وجدت لها صدى في عدن .. والتي تجاوبت معها بل وراحت لابعد من التجاوب الروحي فقد شهدت عدن احتفالات نظمها عدد من الفنانين الاجلاء المناضلين لجمع التبرعات لصالح فدائيي بورسعيد وكذا الاحتفالات التي وظف ريعها لصالح الثورة الجزائرية وبالاضافة الى جمع التبرعات لها .وعندما استشعرت خطورتها بريطانيا اصدرت أوامرها بإلغاء تلك الحفلات ومنعها وكذلك منع مضغ القات الذي تجمع تجمع مجالسه الناس فانتقلت تلك النخبة مواصلة نشاطها الى منطقة دار سعد التي تتبع انذاك في التقسيم الاداري والسياسي منطقة لحج.وأبرز تلك الاغاني الوطنية كانت الاغنية الشهيرة “ صرخة المجد التليد” للفنان أحمد قاسم والاغنية التي قلبت الدنيا رأسا على عقب لأخي وزميلي الفنان محمد مرشد ناجي بعنوان “ أخي كبلوني” من كلمات الشاعر الوطني الكبير لطفي جعفر أمان والتي على أثر سماعها منعت بريطانيا تلك الحفلات وتقول الاغنية:أخي كبلوني *** وغل لساني واتهمونيبأني تعاليت في *** عفتي ووزعت روحي على تربتيستخفق انفاسهم قبضتي *** لأنني أقدس حريتي لذا كبلوني *** وغل لساني واتهمونيوالى جانب هذه الرائعة برزت روائع الاستاذ عبدالله هادي سبيت الرجل الاديب العروبي الاصيل في حفلات التبرع التي أنتقلت من عدن الى دار سعد “ والله قرب دورك يابن الجنوب” ورائعته الكبيرة كان لها بليغ الاثر في النفوس الى يومنا هذا بعنوان “ ياشاكي السلاح” نأخذ بعضاً منها :ياشكي السلاح *** شوف الفجر لاححط يدك على المدفع *** زمان الــــــــذل راح هذا الغير سيد *** واحناله عبيد يامن مات والله *** إنه من الهم استراحهذا الماء سأل *** هذا الغصن مالهذا الزهر يتبسم *** على ضو الصباحارضي والنبي *** ويل للأجنبي ديني مذهبي *** يأمرني أن أحمل سلاحيدك يا أخي *** يدك ياسخيكم على جسمي *** وجسمك جراحإيمانك سلاح *** ضامن بالنجاحلا تحيا على الايام *** مقصوص الجناحإن صاح النفير *** كم حر الضميربايمشي مع الموكب *** على أذلاق الرماحباتلقى السماء *** في لون الدماء يوم الدم يتطير *** ملأ هذا البراحوفعلاً تطير الدم في كل البراح بعد أن أدت الاغنية اليمنية دورها الكبير في إذكاء الروح الوطنية في وجدان هذا الشعب.وبالعودة الى تلك الفترة خصوصاً عند إعلان الاتحاد الفيدرالي المزيف انتفض الشعراء والادباء وقالوا قصائدهم واغانيهم بوضوح ومنهم الاستاذ صالح فقيه في أغنيته التي لحنها الامير عبده عبدالكريم قال بوزيد :قال بوزيد جاني علم ماهوه سوىنكد عليّ هيج اشجاني وعطل مزاجي يوم قالوا عجبتوا ماتردوا الجوابماهكذا كان ظني وارجال المحاجيوين ذي مايهم اللوم عند الحساب من بيعة الرخص لا تمت بسوق الحراجيصبحوا تحت أمر الديك يلعب بهم وإن حد تعرض بكلمة قال ذولا دجاجيقرح الطبل ركب شرح بايشترحقلنا على إيش هذا قال حفلة زواجيكيف بانسمح لمن جانا بحيلة جديديريد يعلق سراجه لأجل يطفي سراجيكما نسج رائعته العظيمة على اللحن نفسه في قصيدته عصماء بعنوان قال بن سعد وهو الفنان الفذ تلميذي محمد سعد عبدالله الفنان الشجاع الذي لا يبالي بلومة لائم تأتي هذه القصيدة أو الأغنية ضمن الاغاني الوطنية الرمزية الرافضة للاتحاد الفيدرالي المزيف الذي أعلنته بريطانيا عام 58 يقول فيها :قال بن سعد قلبي فوش ياماصبر *** وذاق بالكأس تعذيبه وطعم المرارةوالذي حبهم ما عاد باينفعوه *** والفائدة منهم أما اليوم قدها خسارةضيعوني وهم ضاعوا معي كلهم *** قولوا لهم وين ذيك الهنجمة والشطارةقولوا لهم ناس حد يضحك وحد يبتسم*** وانتوا المساكين بعد اليوم رهن الاشارةصدقوا كذبة الدجال طمّع لهم *** لذاك بأبور والثاني هباله عمارةلا تصدق ولا تطمع وتمسك بهم *** قدك على الفقر أحسن لك ولا ذي التجارةودفوا قلهم إيش الذي ساقهم *** ليد نجار ما يعرف أصول النجارة جاب المنشار والقدوم بايشتغل *** وإنه لقي الكل قدامه مضاريب فارةقد حفر تحتهم من حيث لا يشعروا *** حفرة كبيرة وغطاها وسوى ستارةومن تركى على قرطه وهو ه يعرفه *** يستاهل الموت ذي للغير فرّق سبارهتزوج الست وجا يخطب عروسه جديد *** خايف على ذي العروسة لا تقع في المدارةلا رضت زو ج عجبها الزوج بايفرحوا *** أهل العرس بايسوا يوم حامي غبارهقل لأهل العروسة حسكم تقبلوا *** حاموا على بنتكم ما أحد يفرط بعارهذي خطب عندكم ذا شخص ما يأتمن *** ياويل من صاهره أو قربه وسط دارهيصبح من غبش يطرده *** ويدعي أن الجمارك كلها ملك له والإدارةقل لابن سعد تمت خطبة السابعة *** ذي كنت خايف عليها لا تقع في المدارة كلفسهوها وزفوها على مطربين *** وعطروها وباعوها وتمت صهارهوالذي قد فهم قولي وذاق الكلام *** ما عاد بافهمه تكفي الحليم الاشارةهذه القصيدة التي نسج مفرداتها كما اسلفت الفنان محمد سعد عبدالله على اللحن المشهور للفنان الامير عبده عبدالكريم لأغنية عاطفية هي :”قال ابوبكر سالم سبتك يافهيد. وشذى بها بن سعد بصوته الجميل معبراً عن تخاذل الضعفاء الذين أعطوا ولاءهم للمستعمر البريطاني بقبولهم الدخول في عضوية الاتحاد الفيدرالي المزيف .وعلى اللحن نفس نسج الاستاذ الشاعر الكبير صالح فقيه قصيدته الرائعة “ الدهر كله عماره متى بايكون السكون” وهي القصيدة الثانية بعد الأغنية التي ذاع صيتها واوردناها سلفاً “ قال بوزيد جاني علم ماهوه سوى وقام بغناء أغنية “الدهر عماره” الفنان عبدالكريم عبدالله توفيق :ياضارب الرمل قالوا الرمل تحته عيون باكنز مدفون والتنجيم حقك جنون أن كان ذا صدق جاك المال فوق البنونأفرح وغني وذيع العلم بالميكرفونالدهر كله عماره متى بايكون السكونأنظر كم من مشرد غير ذي في السجونوبعضهم نال ما نالت مدينة ليون وبايجي الدور دورك يوم هز الدقونيابيعة الرخص من بعد الغلا والزبونالدهر كله عماره متى بايكون السكونثم يمضي ليخاطب الشعب مباشرة بالثورة :وانية على كيف ساكت واجليل القرون والمدعي جا يطالب بك وساهن سهون أحزم أمورك على أرضك وحافظ وصونمن قبل تدفع على النعجة وبنت اللبونواصبحت خايف ولا تعرف بارضك سكونوان جيت تهرج يقولوا الجدر فاعل أذونقم كسر الجدر واعمر حيث ساسه حصونوصحح الوضع زيل الشرط ذي فيه هون تتجلى دعوة الشاعر لشعبه بالثورة على ذلك الوضع .. باعتباره صاحب الحق الشرعي وفعلاً ثار الشعب واعلن تمرده وخاض كفاحه الذي توج باستقلاله الوطني في اليوم الأغر الثلاثين من نوفمبر.