(هي الصبح) .. هواجس الكتابة وممارسة الحلم صمتاً أو صخباً
كتب/ عنان عكروتيوأنتظر الصبح .. كل صبح.. بقوة الشوق، ونشوة الفرح الموعود فيه ..أبدو واقفا للشمس! تعـال: .. تناديني..وتسكب صوتها .. كأنه حلم.. يراوغ لثغتي عند الحديث .. تلكؤي .. وتماسكي المخدوع .. وتمنطقي بالعلم .. أو بالخط تارة ..أو حتى بتوقيعي الموشى بالخجل ..لكنني أصبو .. فتنهااار السدود ـ لم تنجرف ـ ولكل أوديتي ستروي حين تهفو .. كما قالت وتنتفض الزهور .يااا حـب .. مدنا بالفيض؛ كي نخوض غمار معركة من اللهفات والأشواق .. فالجو رطب .. والمناخ ملائم .. وتماثل الأرواح درع .. والحنين عتادنا ..لا هدف لنا.. ياااا حـب .. سوى الهزيمة للألم ..والانتصار لشهقة خمرية عمد الزمان قتالها عند البزوغ ..وصبوة ولدت وعاث الدهر في أكتافها .. فتعطلت عمدا .. مخافة أن يشوهها النمو..!فلتنتصر ... ياحـب .. واكلأها بعين شجاعتك ..كي تنتشي .. ويزدهي قلبي بوعد ينتظر ..ولتندفع .. فالعطر محبوس.. والبحر صلد .. والغيم يشتك الملل ..وأنا رهييييين عذابها .. وأحبهااااا ــ فهلّا زرتها .. وخطفتها؟ـ فأنا هنا/ك أحبــــها!![c1] *** [/c]من المتعارف عليه في الدراسات النقدية الحديثة أنها خرجت عن النهج الذي تأثر به النقاد سابقا وأصبحت القراءات الحديثة تهتم بالوقوف على الأسس الجمالية العامة للنص والتركيز خاصة على الصورة والرمز واللعب على تناقض المصطلحات والألفاظ التي تمنح النصوص الحديثة ألقا وتوهجا، هذا ما لم تعرفه النصوص القديمة في تشكيلها الجمالي على عكس النصوص الحديثة التي صارت تعتمد على تكثيف الصور ومزجها بثنائيات متناقضة تترجم هواجس الكتابة وتبرز النسق الجمالي في النصوص.وفي نص فارس البيل “هي الصبح” تتراكم هذه الزخات العاطفية ويحتشد الجمال الباذخ في سيمفونية عذبة عزفت على أوتار النص منذ البداية.وأنتظر الصبـح .. كل صبح.. بقوة الشوق، ونشوة الفرح الموعود فيه .أبدو واقفا للشمس! تعـال: .. تناديني .. وتسكب صوتهاكأنه حلم .. يراوغ لثغتي عند الحديث .. تلكؤي .. وتماسكي المخدوع .. وتمنطقي بالعلم .. أو بالخط تارةْ .. أو حتى بتوقيعي الموشى بالخجل ..لكنني أصبو .. فتنهااار السدود ـ لم تنجرف ـ ولكل أوديتي ستروي حين تهفو .. كما قالت وتنتفض الزهور.أول ما ينتبه اليه القارئ أن فارس البيل قد تخلى عن القالب التقليدي وأن الصياغة اعتمدت بالأساس على الاحساس لجعل الفكرة شعرية بأسلوبها وابداعها. فكان نمطا جديدا متجاوزا لكل الأطر التي تعودناها، واحساسنا به هو الذي خلق هذه اللذة والقشعريرة الجميلة، وأنت تمارس عليه فعل القراءة.(وأنتظر الصبـح .. كل صبح.. بقوة الشوق، ونشوة الفرح الموعود فيه ...) إلى آخر هذا المقطع.يبدو واضحا هنا أن الكاتب متأثر بالمذهب الرومانسي الذي من خصائصه بروز الذاتية في الأعمال واتخاذ الطبيعة مادة خاما للعمل الأدبي، فاستعمل الشروق والشمس وأغرق نفسه في رومانسية عذبة.وكان صراعه مع ذاته ومع هذه العاطفة المتدفقة لا يهدأ فهو يقول:يااا حـب .. مدنا بالفيض؛ كي نخوض غمار معركة من اللهفات والأشواقلا هدف لنا.. ياااا حـب .. سوى الهزيمة للألم ..والانتصار لشهقة خمرية عمد الزمان قتالها عند البزوغ ..وصبوة ولدت وعاث الدهر في أكتافها .. فتعطلت عمدا .. مخافة أن يشوهها النمو!يتغير اتجاه النص كليا هنا وكأنه يقر بمرارة الحقيقة ويعلن الهزيمة: لا هدف لنا سوى الألم، كما أن اللغة التي استعملها الكاتب هنا تشكل مسافة مليئة بالحسرة والالتياع اختزل فيها كل ما يمكن أن يدور بذهن القارئ من تساؤل وما يمكن أن تكون ردة فعله المستقبلية حيث أنه قطع عليه كل التضاريس التي يمكن أن يستهلكها والأفكار التي يمكن أن يقترفها وكأنه لا يريد منه أن يقتفي أفكاره هو فقط ويلتمس لها الأعذار كأنه يحله من هذه المهمة الشاقة ويرفع ستارة المستقبل ليرى ما خلفها (القارئ).(والانتصار لشهقة خمرية عمد الزمان قتالها عند البزوغ..وصبوة ولدت وعاث الدهر في أكتافها .. فتعطلت عمدا .. مخافة أن يشوهها النمو).انه الاشتعال الدائم المقرون بفعل الغياب الذي خلفه الانتظار الممل والتوق الى العثور على الآخر الغائب الحاضر. انه التشكل الزماني (ولدت / الدهر / النمو) هذه الألفاظ اللغوية الدالة على فعل الزمن كأنها تنقل لنا صراع الكاتب مع الزمن هذا البعد المفترس الذي يتغول على كل الأشياء ليحيلها عدماً، كأنه خوف منه أن يفعل فيها فعله فوقفت لتكابر وتتحدى (فتعطلت عمدا) (مخافة أن يشوهها النمو) والنمو هو فعل زمني بالأساس .فلتنتصر ... ياحـب .. واكلأها بعين شجاعتك ..كي تنتشي .. ويزدهي قلبي بوعد ينتظر ..يتواصل النص لكن متمردا ثائرا على اقراراته السابقة حيث أنه بالامكان أن نخترق الطقوس المتعارف عليها ونتمنى ونحلم: فلننتصر .. يا حب.هنا يأخذ الكاتب نفسا اشتهائيا بحثا عن تحقيق وعد ينتظر ولو بصيغة التوسل المكتومة، المهم تحقيق تلك الأمنية أن كان صمتا أو صخبا رغم استحالة الحلم داخليا وربما هي دعوة للقارئ كي يشاركه ذاكرته القديمة التي فيها إقرار بالهزيمة والتمرد عليها بإرباكها وتتويهها ولو بالتحايل.ولتندفع .. فالعطر محبوس .. والبحر صلد .. والغيم يشتكي الملل ..وأنا رهييييين عذابها .. وأحبهاااااــ فهلا زرتها .. وخطفتها؟ــ فأنا هنا/ك أحبــها !!إن العواطف والأحاسيس النابعة من الداخل أساسية في تأثيث أي نص لأنها تمنحه بعدا إنسانيا أكثر وتبصمه من وجدان كاتبه. فيؤثر الشعور الانساني الصادق في المتلقي وتؤثر عليه لتمنح النص نجاحا كبيرا.وهذا المقطع من النص مشبع بالرقة مما يمنح القارئ مساحة كبيرة من الترقب لما سيأتي بعده من أحداث. والقلق والأرق (العطر محبوس / البحر صلد/ الغيم يشتكي الملل) اللذان ينضح بهما النص هنا يتسربان إلى القارئ أيضا ليمنحاه تفاعلا كبيرا يجعله يحلق مع ذات الكاتب الشاعرة .(وأنا رهييييين عذابها.. وأحبهاااااــ فهلا زرتها .. وخطفتها؟ــ فأنا هنا/ك أحبـها)!الكاتب لم يتوار خلف الأقنعة والأستار ولم ينكر هذه العاطفة السامية بل أقرها وأقرها وأكدها وعشقه كان حقيقيا رغم الخوف والقلق اللذان يحيطان به. وقد أكدت ذلك علامة التعجب(!) التي ختم بها هذا الاقرار. فالقارئ حقيقة سيستغرب من هذا الاعتراف لأنه يعرف حقيقة ما يجري لكن نقطة التعجب هذه أضفت بعدا جماليا آخر وإضافة أنيقة تحتسب للنص.[c1] ناقدة وشاعرة من تونس [/c]