مدرسة بئر أحمد الابتدائية المختلطة (1951م) تأريخ وطني وذكريات لا تنسى
استطلاع / أحمد حسن العقربي- تصوير: قيصر ياسين لم يكن يجول في خاطري أن أفرح يوماً ما بالكتابة بشيء من الإسهاب في موضوع التربية و التعليم إلا لنفض غبار رياح الإهمال و النسيان عن أول تجربة رائدة للتعليم المختلط بادرت بها مدرسة بئر أحمد الابتدائية في عام 1966م على مستوى مستعمرة عدن واستمر هذا التفرد النموذجي إلى مابعد الاستقلال على مستوى المحافظات الجنوبية. وتأصلت كأول تجربة تربوية شاملة ضمت مختلف الأنشطة التعليمية على طريق بناء الإنسان وتنمية عقله، تفردت بها تعليمياً وتربوياً ومعرفياً وإبداعياً وإنسانياً على مستوى محافظات الجمهورية الست آنذاك قبل الاستقلال. وبعده لم أكن أرغب في الكتابة عن هذه التجربة التي صار لها أكثر من أربعين عاماً إلا بدافع شعوري بالحزن والغيرة لواقعنا التربوي الراهن البائس الذي للأسف هدر طاقة الأجيال ولم يساعدهم على اكتشافها وصقلها .. أنه واقع محزن تهتز له الضمائر التربوية والوازع الأخلاقي والديني الذي كان سبباً في انزلاق الجيل وتهاونه وتزييف وعيه وتحوله إلى دمية بأيدي جماعات الإرهاب والتطرف ومادة لتدمير المجتمع والإنسان والوطن . . أننا مابرحنا للأسف نعيش واقعاً تربوياً لا يهتم إلا بالسطح الظاهري الذي تتفاعل من تحته تتعامل معه عشرات من العوامل الدفينة يصعب على العين المجردة العادية إدراكها أو من قبيل إضاعة الوقت والجهد فيما لا طائل من ورائه أن يجهد المرء نفسه في الحديث عما يجري في السطح الظاهري الذي لا يرى معظم الناس سواه وهو يعلم أن وراء هذا السطح عوامل خفية هي التي تحركه من وراء الستار. . . إن هذه العوامل التي تحرك الواقع التربوي البائس اليوم تبدو مقطوعة الصلة بمجال التربية بينما هي في حقيقة الأمر تمارس عليه تاثيراً سلبياً بات واضحاً للعيان ولا يخفى على أي عين مهما رمدت. لذلك أردت أن أستعرض هذه النهضة والتجربة التربوية الناجحة في إحدى ضواحي عدن لأغراض شتى لعل من أهمها كل ما له قيمة تربوية ومعرفية وأدبية وعلمية أو فنية تأصلت فيها أندر تجربة تربوية في التعليم المختلط ليس على مستوى المحافظات الجنوبية فقط وإنما على مستوى اليمن قبل الاستقلال وبعده وعلى مستوى اليمن عموماً تاركة لنا تراثاً تربوياً وإنسانياً شاملا لمختلف الأنشطة التعليمية و التربوية التي تعتمد على مساعدة الطالب على الفهم والتطور والإبداع بعيداً عن أسلوب التلقين الجامد. لذلك فقد أردت من استعراض هذه التجربة الفريدة أن أضع بين أيدي جيل اليوم ومعلم اليوم والإدارة المدرسية تراثاً تربوياً وإنسانياً انفردت به هذه المدرسة منذ عام التأسيس 1951م مروراً بمرحلة ذروة النهضة عام 1966م حتى أواخر السبعينات التي تحولت فيها المدرسة إلى مؤسسة اجتماعية ننقلها إلى الجيل الجديد والقائمين عليه كي يفيقوا من غفوتهم ولكي يعيشوا استلهام هذه التجربة ويضيفوا إليها حتى يتصل واقع التربية اليوم بالماضي التربوي الجميل والجاد(تجربة مدرسة الاختلاط في بئر أحمد) نموذجاً واستلهام هذه التجربة الحية وبالرغم من فارق الفترة الزمنية إلا أنها كانت رائدة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ولذلك فإننا حين ننقل هذه التجربة إلى القائمين على التربية من كانوا تلاميذ الأمس، إنما نقصد من ذلك أن يتابعوها كيف تطورت وكيف نهضت بالتربية والتعليم وكيف أصبحت مخرجاتها الكفؤة اليوم تتقلد مواقع مرموقة في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع.نعم أنها تجربة ترددت كثيراً أن أخوضها أو الغوص في أغوارها الشاملة بنشاطها واتساعها التربوي ولأنها أكبر من أن يتناولها كاتب أو يلم بها صحفي بالرغم من إنني كنت حينها شاهد عيان باعتبار إنني قد بدأت حياتي المهنية عضواً في أسرة حملة الطباشير في هذه المدرسة في أواخر الستينات وفي أوج معمعانها التربوي حتى انتقلت منتسباً للأسرة التعليمية عام 1973م مهنة البحث عن المتاعب كون هذه التجربة التربوية المتميزة التي كان لي شرف الإسهام في فيها قد ظلت في ذاكرتي بمثابة الجرس الرنان حين أقارنها بواقع التربية اليوم. أنها تجربة متميزة مثلت الزمان الأصل والصورة في آن واحد في الحلم والواقع والألم والأمل لذلك فمن الصعب علينا أن نسرد تفاصيلها ونروي كل شاردة وواردة فيها نظراً لاتساع افقها اللامحدود من ناحية وكيف يمكن استلهام الأجيال عظمة هذه التقاليد التربوية في هذه التجربة التي لا زالت بؤرة عراقتها تمكننا من الاسترشاد والاستئناس بها لمواجهة الاختلال التربوي العنيد ومن ثم فأن المرء يحتار عندما يرصد هذا الواقع التربوي المتناقض اليوم ويأسى لما يحويه . . . ومع ذلك لا عجب إذا رأيت أن هناك تضامناً تاريخياً من جيل الأمس الذي كان شاهد عيان على هذه التجربة بملامحها الإنسانية ومعالمها الأخلاقية النبيلة. ولا عجب أيضاً إذا رأينا أن هناك حباً وعطفاً وكرماً وسمواً في العلاقات واحتراماً للكلمة وقداسة اللفظة التي أسهم المربون آنذاك في تأصيلها في سلوك تلاميذ الأمس وبات مثلاً يحتذى به ويضرب به المثل حينما تناقش فيه مثبطات التربية وما آلت إليه أوضاعها.[c1]و يسألونك عن التجربة التربوية الرائدة ؟![/c]تميزت تجربة هذه المدرسة التي تأسست عام 1951م وبلغت ذروة النهضة التربوية منذ 1966-1965م بأنها توخت منذ البداية أسلوباً تربوياً حديثاً في ذلك الوقت نأت من خلاله بالتعليم عن الأسلوب التلقيني الجامد إلى أسلوب تعليم وتدريب الطفل ومساعدته على تنمية عقله والكشف عن طاقاته وقدراته الإبداعية وإشراكه في الحوار والأخذ والرد وتشجيعه على طرح أفكاره وعلى الانطلاق بعيداً عن التردد أو إقفال باب المناقشة معه لأفكاره كما حرصت على تعزيز وإيصال المعرفة لدى الطلاب من خلال التعليم التطبيقي واستخدام أدوات التعليم ووسائله الحية المنبثقة من البيئة والواقع لربط الدراسة النظرية بالعملية والتجريب والاستنتاج والاحتمالات والإيمان بأن كل شيء في العلم نسبي لا توجد مسلمات ثابتة أو خطوط حمراء أمام العلم كما ربطت المدرسة بالمجتمع وتفاعله معه والاستفادة من إمكاناته البشرية والبيئية والمادية وحرصها على تحول المدرسة إلى مؤسسة تعليمية وتربوية وثقافية وتنموية من خلال إشراك الطلاب في الإنتاج والعمل في محيط المدرسة وخارجها وتفجير مواهبهم الرياضية والأخلاقية والموسيقية والإبداعية وتعزيز المواريث الروحية والأخلاقية لدى الطلاب. . ومشاركة هيئة التدريس في حل القضايا الاجتماعية بين الأهالي أو من خلال تبادل الخبرات التعليمية والتربوية والإبداعية مع المدارس الأجنبية في عدن كأبناء الجالية الألمانية وأبناء السلك الدبلوماسي بالسفارة الإغاثية الديمقراطية قبل توحيد ألمانيا ( أنموذجاً) أو من خلال إتاحة الفرص للطلاب في المشاركة في برامج الأطفال التلفزيونية وفي المهرجانات الوطنية وكذلك اليوم المدرسي بما يتضمنه من فعاليات غنائية ورياضية ومسرحية ومسابقات فكرية وثقافية فضلاً عن المدرسة وهناك تقليد كان لدى هيئة التدريس تمثل في التبرع الطوعي بقطع خمسة دنانير من راتب كل مدرس خصص لشراء وسائل التدريب وأدوات الأنشطة ومساعدة الطلاب الفقراء في توفير احتياجاتهم الدراسية كما بادرت المدرسة من خلال هذه التبرعات التي يدفعها المدرسون طوعياً في إدخال الكهرباء والمياه وبناء صفين جديدين سعة كل صف 30 طالباً وطالبة وأسهم في البناء طلاب المدرسة والبعض من الآباء وأفراد المجتمع المتطوعين كل حسب تخصصه في أعمال البناء والنجارة وأعمال الطلاء والتزيين أو في إدخال الكهرباء وترميم موصلات المياه فضلاً عن بناء مسرح بمبادرات المدرسين والطلاب والأهالي مستخدمين أدوات البناء من البيئة المحلية مع توفير كل متطلبات المسرح من ديكور وصالة عرض إضاءة ، إكسسوارات وأدوات تمثيل إلى جانب توفير إذاعة مدرسية وامبليفاير ومسجلة لتوثيق المحاضرات والأناشيد والتمثيليات إلى جانب سماعة صوت وكاميرة تصوير لرصد وتوثيق فعاليات المدرسة بالإضافة إلى شراء الأدوات الموسيقية لاستخدامها في النشاطات الفنية وفي الاحتفالات بالمناسبات إلى جانب شراء الأدوات الرياضية والملابس الخاصة بالفرق الرياضية وشراء أدوات الزراعة للنشاط الزراعي وأدوات الأشغال اليدوية لتوظيفها في الأنشطة اللاصفية إلى جانب شراء الأرانب والغزلان والدجاج والطيور والأغنام والأسماك الحية العائمة لتوظيفها كوسائل تطبيقية لتيسير فهم الطلاب وربط الدراسة النظرية بالعملية واستخدامها في التجريب والاستنتاج بهدف خلق وتعزيز العقل العلمي الإبداعي إلى جانب تطوير ملكات الطلاب الذهنية والفنية واليدوية من خلال تدريب الطلاب العملي في ورش العمل المهنية التدريبية وتشمل عدداً من أدوات الأعمال الخزفية والطينية لاكتشاف وصقل طاقات وقدرات ومهارات الطالب التي يرغبها وغرس الحس المهني والحرفي الشعبي والفلكلوري والحفاظ على التراثي منه إلى جانب إنشاء المكتبة التثقيفية الحرة التي تحتوي على الكتب الأدبية والعلمية والقصص التي تراعي مستويات الطلاب الذهنية وغرس الحس الثقافي لدى الطلاب كما حرصت إدارة المدرسة على إنشاء الفرق الفنية الموسيقية والفلكلور والرقص الشعبي من قبل الطلاب للحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية والإسلامية فضلاً عن تشكيل الفرق الرياضية المتنوعة والفنية التشكيلية والفرق الزراعية المستوحاة من خصوصية البيئة الزراعية والريف الزراعي التي تكرس نشاطها الزراعي في الحديقة المدرسية التي تحتضن الطيور والحيوانات والأرانب والغزلان من ناحية وللحفاظ على تقاليد هذه المهنة في نفسية الطلاب لأشعارهم بأهمية الزراعة كمصدر للأمن الغذائي في الريف والمدينة. . كما حرصت إدارة المدرسة على مستقبل الطالب ومعرفة مستوى تحصيله العلمي وسلوكه وتفاعله في الصف وفي النشاط اللاصفي وإبداعاته وإخفاقاته وتناغمه مع شرح المدرس وإطلاع الآباء أولاً بأول على المسيرة التعليمية للطالب وتوثيقها في ملف لكل طالب يتم فتحه عند طلب الآباء لمتابعة أبنائهم إضافة إلى معالجات المدرسة لمشاكل الطلاب جميعها موثقة في الملف وهي ميزة انفردت بها مدرسة بئر أحمد المختلطة عن غيرها من مدارس الجمهورية آنذاك. . . فضلاً عن أن المدرسة في إطار نشاطها اللاصفي احتلت المركز الأول بين ثلاث محافظات هي عدن ، لحج ، أبين في المسابقة التنافسية مع طلاب الابتدائية والإعدادية والثانوية في تلك المحافظات وقد ظفرت المدرسة بالترس الفضي الذي قامت بتسلمه الأخت فوزية محمد جعفر نيابة عن الأخ الدكتور حسن أحمد السلامي مدير عام التربية في الجمهورية آنذاك عام 1973م للأستاذ القدير عبد الله صلاح علي علان مدير مدرسة بئر أحمد لفوزها على مستوى مدارس المحافظات الثلاث في المهرجان الرياضي والثقافي المهيب على ساحة ميدان المدرسة الواسع وحضره عدد من مسئولي الدولة والحكومة والقيادات التربوية والفعاليات السياسية والاجتماعية والآباء في منطقة بئر أحمد وقد أثنى الدكتور السلامي على جهود هيئة التدريس وخص بالتقدير الأخ عبدالله صلاح علان مدير المدرسة الذي تميز بقدرة وكفاءة وحرص وقدرة قيادية تربوية عن غيره من مدراء المدارس ما أكسبه احترام وتقدير قيادة وزارة التربية والتعليم آنذاك والأهالي والآباء والسلطة المحلية والسياسية في نفس المنطقة ولجهوده العلمية والثقافية والنفسية الخبيرة بنفسية الطلاب والغوص في أعماقهم واكتشاف رغباتهم وطاقاتهم الإبداعية فضلاً عن أن أعضاء هيئة التدريس كانوا على قدر كبير من المستوى العلمي والتأهيلي الحاصلين على دبلوم تدريب المعلمين في التربية وطرق التدريس حيث كانوا يشكلون مع مدير المدرسة فريق عمل واحداً بل لعل مدير المدرسة كان القدوة في المبادرة للتأثير على بقية أعضاء هيئة التدريس وتمثلهم العمل الجماعي .[c1] شهود العيان .. عن التجربة ماذا قالوا؟[/c]ولسبر غور أعماق تفاصيل هذه التجربة التربوية الرائدة لمدرسة بئر أحمد الابتدائية المختلطة ولتاريخها المخزون والكبير ولتجاربها التربوية والتعليمية المتراكمة الناجحة وللحصول على المعلومات التفصيلية من مصادرها الميدانية التربوية الواقعية التقت الصحيفة بالأستاذ والتربوي القدير والشخصية الاجتماعية المحبوبة الأستاذ عبد الله صلاح علي علان مدير المدرسة الذي استقبلنا بترحاب وامتنان وبكل تواضع ودماثة خلق قال لنا: هاهو حلمنا يتحقق بطرق الصحافة أبواب هذه التجربة التربوية الفريدة والنموذجية لزمن تربوي جاد يعتبر التعليم وتجاوز كارثة الجهل قضية مقدسة.و مضى يقول يا ما كنا نتمنى أن تأخذ هذه التجربة حقها في النشر والإعلام والصحافة ليس لغرض التفاخر وإنما للكشف عن جوانب مشرقة وخبرات ثرية متراكمة نحن بأمس الحاجة إليها الآن لتصب في مجرى انتشال واقعنا التربوي اليوم وهو واقع مؤلم يشاهده الكل ويلمسه كل أب وكل مواطن اكتوى بعلله طلابنا المغلوبون على أمرهم . إنها فرصة لتقييم الواقع والمقارنة والاستفادة من النماذج المتميزة بما يساعدنا في وضع اليد على الجرح وعلى الكشف عن العلاج والدواء واستنهاض الواقع التربوي والنأي به عن الجمود للانتقال به نحو التربية الديناميكية والتطوير والإبداع وإيجاد الآليات والأدوات التقنية الحديثة دون الإخلال بجوهر التعليم الحديث والاستلهام من تراثنا التربوي المتميزة والوقوف بمسئولية نقدية وتقييمية للعملية التعليمية برمتها. بدءاً من المنهج المحشو بالمعلومات المجردة والمكثفة والمفردات المعقدة التي لا تتجانس مع مستوى الطلاب وغياب عنصر التشويق مروراً بضعف الأدوات المدرسية وشحة برنامج الحصص اليومية من حصص الموسيقى والرسم والقراءة الحرة من المكتبة ناهيك عن أسلوب التدريس البائس الذي يعطي مساحة لعقل الطالب في التفكير والشراكة في طرح الرؤى والأفكار أو الإبداع أو أعطاء حتى مساحة للعقل النقدي، فالتلقين هو السائد ونظرة المدرس الاستعلائية هي السائدة أو حتى على مستوى تطوير أدوات التعليم التي لا زالت أدوات تقليدية لا تواكب عصر ثورة المعلومات أو منظومة التعليم الحديثة. فالمسألة مكملة لبعضها فضلاً عن ضرورة الاستفادة من تجارب التربية والتعليم النموذجية الناجحة التي تهدف إلى بناء الإنسان وعقله ومنحه مساحة للتفكير والاختيار وروح المبادرة العقلية دون تكبيله بمنهج تقليدي عتيق لا يتماشى مع روح العصر والتطور والاستفادة من التجارب التربوية السابقة ودمجها والتجارب العصرية للدول التي سبقتنا في التطور وتحديث آلية التعليم ومنظوماته وأدواته كفيلة بتجاوز واقعنا التربوي المؤلم الذي لا يساعد على تطور الإنسانية أو بناء وطن حديث فضلاً عن ضرورة الوقوف بحس نقدي وعقلي ووطني تجاه أداء المدرس وقدراته وكفاءته وتمثله للقيم التربوية والسلوك التربوي كقدوة للطلاب محافظاً على شخصيته وعلى تثقيف نفسه وتجديد معلوماته حتى يتمكن من الإيفاء بواجبه التربوي الوطني المخلص ويكسب احترام طلابه والآباء .. فالعملية تكاملية مع ضرورة تفعيل الإدارات المدرسية والإشراف الوزاري والتفتيش الفني الدائم على المدرس وعلى سير العملية التربوية برمتها مع ضرورة فاعلية دور الدولة في الضخ السخي لميزانية التعليم والجانب المعرفي والثقافي والعلمي وإعطاء التعليم المهني والحرفي مساحة أكبر لتوفير الكادر المطلوب لسوق العمل والتنمية وهذا لن يتأتى إلا من خلال التخطيط العلمي المدروس وتوفير متطلبات التعليم والاهتمام بكادر التدريس وتدريبه وتأهيله والمتابعة المستمرة لعمل الإدارات المدرسية وأداء المعلم ومستوى الطلاب لمعالجة الاختلالات في حينها حتى لا تتراكم ويصعب حلها.[c1]القصة الكاملة لتعليم المرأة والتجربة المختلطة [/c] يقول الأخ عبد الله صلاح علي علان مدير المدرسة وقائد النهضة التربوي ومهندس هذه التجربة التربوية المتميزة بمشاركة أعضاء هيئة التدريس : إن قضية إقناع معظم الآباء الذين كانوا مسكونين بالتقاليد التي تحرم تعليم المرأة وقضية إرساء تجربة الاختلاط في التعليم بين الجنسين والتي كانت حينها تجربة فريدة على مستوى المحافظات الجنوبية عام 65 - 1966م وعلى مستوى اليمن ظلت قضية تؤرق هيئة التدريس لكنها كسرت هذا الحاجز النفسي المجتمعي تجاه تعليم المرأة والتعليم المختلط واستطاعت أن تخترق عقلية هذه التقاليد والتزمت في مجتمع ريفي وتمكنت من إقناع المجمع القبلي آنذاك بنبل هذه المهمة وفائدتها وكان لها خير معين وداعم لإنجاح هذه التجربة رهط من مشايخ المنطقة أو حكامها منهم المرحوم الشيخ محمود محمد فضل العقربي الذي كان سباقاً في دعم تجربة تعليم الفتاة بالتعليم المختلط وأرسل ابنته وبنات عمه للالتحاق في التعليم المختلط وحذا حذوه المثقفون من أبناء المنطقة والشخصيات الاجتماعية والآباء أمثال/ عبد الله عوض الأسود وناصر سلومي وصالح عوض بعيصو وسعيد سالم أحمد الملقب الوتيح وعبده الجابري وعبيد نيس وسالم النقيلي وعبد الله عطاء ومحمود ناصر من خلال إحضار بناتهم بأيديهن لتسجيلهن والالتحاق بالدراسة المختلطة والذين أيضاً كانوا عوناً لنا في التبديد والرد على الأراجيف الطلابية الممجوجة والتي أرادت تزييف الوعي لدى الآباء لمنعهم من التجاوب مع هذه التجربة لكن التجربة نجحت وبادرت هيئة التدريس على نفقاتها المالية الخاصة بتوفير الدفاتر والأقلام ووسائل التدريب التربوي والنفسي لالتحاق الفتيات بالدراسة ومن حينها وجدت هيئة التدريس لها ولهذه التجربة أنصاراً كُثراً خصوصاً بعد توظيف أول تربوية قديرة للتدريس المختلط وهي من بنات المنصورة المربية الفاضلة نجيبة محمد علي ندعو لها بطول العمر والتي كانت لها بصمات بيضاء مع بقية الزميلات من عضوات هيئة التدريس أمثال المربية القديرة قدرية حسني الكيلة التي تقلدت فيما بعد منصب نائبة مدير المدرسة إيماناً من قيادة المدرسة بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في شغل المراكز القيادية التربوية وتناغماً مع تجربة اختلاط الجنسين في العملية التعليمية التي كانت لا تفرق بين الرجل والمرأة وكان هذا المنحنى نموذجاً فريداً بين مدارس عدن والمحافظات الجنوبية سواء قبل الاستقلال أو بعده . . ولا ننسى أيضاً الشعلات التي قضت جل شبابها من أجل تعليم الفتاة في هذه المدرسة المختلطة ممن أسهمن في إنجاح تجربة الاختلاط التربويات القديرات الأستاذة فوزية محمد سلام والأستاذة رجاء رشاد والأستاذة رجاء ردمان والأستاذة ماجدة علي نعمان والأستاذة هدى علي حسين والأستاذة نور صالح حسين والأستاذة بلقيس سيف مقبل والاستاذة خضراء آدن إلى جانب التربويين القديرين من أعضاء هيئة التدريس الأستاذ عبد الله صلاح علي علان مدير عام المدرسة والأستاذ عبد العزيز حيدرة والأستاذ محمد علي بانافع والأستاذ المرحوم فضل عبد الله عوض والأستاذ سعد الفقيه والأستاذ المرحوم ناصر أحمد فضل والأستاذ القدير أحمد محمد حسن والأستاذ القدير المرحوم محضار عبد الله الأعوج والأستاذ القدير جميل سيف والأستاذ القدير نصر صالح محمد الذين أسهموا في هذه التجربة. ويستطرد الأستاذ عبد الله صلاح علان قائلاً: إن العامل الأساسي الذي أسهم في إنجاح هذه التجربة هو أن فريق هيئة التدريس كان يعمل كفريق عمل واحد بعيداً عن عقدة التمترس في المسئولية واحتكارها إذ كان من مميزات هذه التجربة هو أن خطوات العمل التربوي بمختلف أنشطته كأن يتم ضمن خطة تناقش من قبل أعضاء هيئة التدريس والطلاب الرواد وممثلي الآباء والشخصيات الاجتماعية فضلاً عن الاستئناس بنصائح وإرشادات الشخصيات الوطنية من أبناء منطقة بئر أحمد أمثال المناضلين الشهيدين فارس سالم ويوسف علي بن علي اللذين لم يبخلا بنصائحهما عند مناقشة الخطة ودعمهما لها من خلال مواقعهما في السلطة التنفيذية والمحلية بالإضافة إلى العلاقة القوية التي ارتبطت بها هيئة التدريس وعلى وجه الخصوص مدير المدرسة مع قيادة التربية وكوادرها الفنية العليا أمثال الدكتور عبد الخير النوبان وزير التربية والدكتور حسن أحمد السلامي مدير عام التربية للمحافظات الجنوبية آنذاك والأستاذ أحمد محمد القعطبي الذي كان حينها وكيلاً للتربية وكان يحرص على حضور مهرجانات المدرسة التي يتم فيها تكريم الطلاب المبرزين في العروض الرياضية والأستاذ خالد عقبة مدير التربية بعد الاستقلال والتربوية والمربية القديرة الأستاذة نبيهة ناصر علي يافعي التي كانت حينها ضابط تعليم المرأة بوزارة التربية والتعليم وكانت لها بصمات طبية في دعم تجربة التعليم المختلط في بئر أحمد النموذجية ةالتربويان القديران فتحي امان وعلي حسني وكل هؤلاء كانوا يدعمون تجربة هذه المدرسة ويحرصون على حضور مهرجانات المدرسة في نهاية العام الدراسي أو في المناسبات الوطنية التي يشارك فيها طلاب المدرسة بالعروض الرياضية وعروض الفنون والكشافة . كما كانوا يقومون بتوزيع الجوائز والشهادات التقديرية والتكريمية للطلاب المبدعين في العروض المهرجانية المدرسية وكذلك في تكريم هيئة التدريس والآباء المثاليين والأمهات المثاليات وكان من أبرز معالم التكريم تسليم مدرسة بئر أحمد النموذجية المختلطة الترس الفضي الضخم جزاء إحرازها الفوز في مسابقة التنافس في النشاط اللاصفي بين مدارس عدن ولحج وأبين ولتجربتها الناجحة في التعليم المختلط على مستوى محافظات الجمهورية قبل الاستقلال آنذاك. وأعاد المدير عبد الله علان إلى الأذهان علاقة المدرسة بفريق التوجيه الفني والتفتيش التربوي الذي كان يحرص دائماً على التردد على هذه المدرسة للمتابعة والإطلاع على أداء المدرس وتوخيه لطرق التدريس وسلامة تطبيقها وإيصال المعلومة بيسر إلى فهم الطالب إلى جانب الإطلاع عن قرب على أداء الإدارة المدرسية ومدى التفاعل مع المنهج الدراسي حيث حظيت بشهادة كبار المربين من الموجهين الفنيين أمثال الأستاذ محمد هادي عوض ومحمد علي مسعد ومجيد غانم وطه غانم أمان. وأوضح المدير علان أن من العوامل الأخرى التي أسهمت في إنجاح هذه التجربة هو تحول المدرسة من مؤسسة تربوية إلى مؤسسة اجتماعية من خلال المقدمين لارتباط المدرسة بمشاكل وهموم المجتمع، فكان طلابها يستدعون للمشاركة في الزراعة أيام موسم الحصاد لمحصول القطن أو الشمام لمساعدة مزارعي تعاونية بئر أحمد الزراعية أو المشاركة في حملة مكافحة أسراب الجراد التي كانت تهجم على المزارع حينها أو في العروض الطلابية التي كانت تقام في المهرجانات الوطنية وكذا في الأعمال الخيرية المجتمعية أو في الإسعافات الأولية وفي مراسيم الأفراح كمساعدة الشباب القادمين على الزواج في إقامة مخادر الزواج وتجميع الفرش ووسائد المداكي من منازل المواطنين المتطوعين لإحياء احتفالات الأعراس كجزء من التعاون والتكافل الاجتماعي والتخفيف على العرس من خسائر الأفراح. كما كان للطلاب دور في الخدمات الداخلية للمدرسة كتنظيف الملعب من الحجارة أو المشاركة في تشييد الفصول الدراسية الجديدة وبناء المسرح المدرسي حيث كانت ميزانية الدولة الوليدة حينها شحيحة ويتم التوجه إلى مبادرات المجتمع، كما كان لأعضاء هيئة التدريس دور في مكافحة أمية الكبار في المنطقة وأصبحوا يجيدون القراءة والكتابة بل أن بعضهم واصل الدراسة في المدارس العامة.إلى ذلك كان الطلاب يدرسون في الصباح، وفي المساء يلتحقون بفرقهم الرياضية والثقافية والفنية والموسيقية والعلمية أو دروس التقوية ضمن النشاط اللاصفي والتي كانت تقيم فعالياتها بعد صلاة العصر وتستمر حتى صلاة المغرب حيث كان لا يوجد وقت للفراغ أمام الطالب للتسكع في الطرقات أو الانزلاقات الاجتماعية وكان المدرسون ملزمين بالضمير المهني للعمل الطوعي بعد وقت الدراسة بعد الظهر للإشراف على مختلف الأنشطة الطلابية حيث كان يقود كل فريق من فرق الأنشطة الطلابية أستاذ متخصص في نشاط معين يرعى نشاط الطالب ويحثه ويوجهه لصقل مواهبه وإبداعاته كما كانت تحرص إدارة المدرسة على مشاركة طلابها في برامج الأطفال التلفزيونية التي كان يعدها المذيع الكفؤ والفنان المعروف المرحوم عبد الرحمن باجنيد والمذيعة القديرة عديلة إبراهيم. [c1] شخصيات لها أدوار مضيئة في تنفيذ مشاريع المدرسة[/c] ويواصل مدير المدرسة الأستاذ عبد الله صلاح علي علان قائلاً: لن ننسى ونحن في صدد الحديث عن هذه التجربة التربوية الرائدة أسماء كانت لها بصمات بيضاء في التفاعل مع المدرسة وأنشطتها أذكر على سبيل المثال الشخصية الاجتماعية المرحوم سيف طارش الذي كرس خبرته في عمل النجارة في التشييد الطوعي لبناء الفصول الدراسية الجديدة وفي بناء مسرح المدرسة بمواد وأدوات بناء من البيئة نفسها وكذلك إقامة المقصورات الإستطلالية للضيوف الذين يحضرون المهرجانات المدرسية السنوية وكذلك السيد يحيي علوي الذي كان يسهم في إصلاح الأثاث المدرسية بالمجان فضلاً عن الدعم المعنوي من قبل الحاج محمد علي سلومي ورجلي الأعمال من أبناء المنطقة المرحومين عباد عوض ماطر وسعد حيدرة .و الشخصية الاجتماعية رضوان عبد الرحمن والمرحوم حمزة محمد علي ووالده محمد علي بوسلامة وعلي الحاج صالح وعبده صلاح بن علي والشخصية الاجتماعية محسن عبد الله أحمد رئيس اللجنة الأهلية ومحمد أحمد عبده الطمبح مراسل المدرسة والسيد محمد حمود ( أبو هاشم ) فضلاً عن تفاعل قيادة العمل الطلابي في اتحاد الطلاب في المحافظات الجنوبية بعد الاستقلال أمثال محمد سالم أحمد الوتيح والمرحوم يحيى عوض سعيد وعيدروس علان الذي كان يقوم بتدريب الطلاب في لعبة الجمباز فالجميع بعضهم يدفع مادياً والبعض بالمساهمة العضلية والبعض الآخر بالمساهمة في الأنشطة والبعض بالمساهمة المعنوية أمثال الوالد أحمد فضل عزيبان . . . ومن بين هذه الشخصيات التي دعمت المدرسة المرحوم حمزة محمد علي الذي أسهم في تدريب طلاب المدرسة في العزف على العود والإيقاع والغناء وفي تلحين الأناشيد المدرسية، مجمل تلك المبادرات من قبل تلك الشخصيات كانت طواعية من أجل خدمة جيل المستقبل ومن أجل تطوير التعليم ونجاح تجربة الاختلاط ولذلك تغير مفهوم ( التربية التقليدية ) التي كانت تعني بالتلقين الجامد والإلزام إلى جانب النظرة الاستعلائية المدمرة للطالب والعائقة لانطلاقات الطلاب.و إبداعاتهم كما هو حال سلوك بعض المعلمين اليوم ولذلك تغير مفهوم المدرسة من مؤسسة تربوية فقط إلى مؤسسة تربوية واجتماعية إبداعية وتنموية بشرية تفعل وتتفاعل مع كل المجتمع، فأمتد حضورها في خيوط نسيج المجتمع وبين مختلف شرائحه الاجتماعية فكسبت المدرسة تقديرها اللامحدود .[c1] تفرد في العلاقة مع طلاب الجاليات الأجنبية[/c]و يستعيد التربوي عبد الله صلاح علي علان خيوط الذاكرة التربوية ليروي لنا نجاح تجربة الشراكة وتبادل الخبرات مع مدرسة طلاب أبناء الدبلوماسيين الألمان في سفارة ألمانيا الديمقراطية سابقاً في عدن حيث كانت لمدرسة بئر أحمد خطوة غير مسبوقة بين مدارس عدن حينها من خلال علاقة هيئة تدريس المدرسة بالأساتذة الألمان وطلاب المدرستين إذ تجسدت هذه الشراكة في تبادل الخبرات التعليمية في نظام البولتكنيك الذي دخل في إطار المنهج التعليمي لوزارة التربية والتعليم في السبعينات ضمن التعاون التربوي والعلمي القائم آنذاك بين الدولة الوطنية بعد الاستقلال وحكومة ألمانيا الديمقراطية. واستفادت مدرسة بئر أحمد المختلطة من هذا النظام بإقامة ورشة فنية متواضعة لطلاب وطالبات المدرسة بدعم الأصدقاء الألمان كما قامت بين المدرستين مدرسة بئر أحمد ومدرسة أبناء الدبلوماسيين الألمان شراكة تربوية ومجتمعية وكانت هناك مساهمة مشتركة لطلاب المدرستين في المهرجانات المدرسية في المناسبات الوطنية لبلادنا والمناسبات الوطنية الألمانية . . . كل ذلك تم بتوجيه الأستاذ الدكتور حسن أحمد السلامي. كما تطرق مدير المدرسة عبد الله صلاح علان إلى تقاليد التكريم في المدرسة منوهاً إلى أن المدرسة كانت تكرم أوائل المربيات القديرات اللواتي كان لهن الشرف في تدشين تجربة الاختلاط وتعليم الفتاة في بئر أحمد وإسهامهن في ترسيخ مداميك أول تجربة متفردة للتعليم المختلط على مستوى مستعمرة عدن سابقاً في مطلع الستينات أو على مستوى المحافظات الجنوبية حينها منْ كان لهن الشرف في ترسيخ هذه التجربة وتخرج عدد من الكوادر من الذكور والإناث اللواتي أصبحن يتبوأن مواقع مرموقة في مفاصل الدولة والمجتمع. ونوه مدير المدرسة عبد الله علان إلى تجربة المدرسة في تقوية منهج اللغة العربية وحول اجتهاد المدرس الكفؤ الذي قدر أن يوصل فكر الطالب الناشئ بالفصحى والسهل الممتنع في جميع مراحل عمره المدرسي الابتدائي. فيسمع بها في دروسه وفي كل ما يتعلم ويؤدي بأفكاره في كل ما يكتب .. . . وأضاف علان في حديثه بالقول: لقد ساعدنا الطفل أو الطالب أن نحبب له أدباً قائماً بذاته للأطفال يتألف من الحكايات والقصص التي تناسب مستواه الذهني المنتزعة من أدب البيئة أو أدب الشعب والمجتمع المحلي أو الأدب العربي. . . ومضى يقول : لقد حاولنا أن نيسر له اللغة ونحبب إليه القرآن ونضيف في ذهنه لغة الكتابة ولغة الحديث ثم يستعان على تقوية لسانه وتقوية ملكاته بالأناشيد القصيرة والمسرحيات الخفيفة، فإذا بلغ به طول المراهقة، كان قد نشأ في هذا الجو الجميل من القصص والشعر والغناء والتمثيل وطلب المزيد من ذلك في الأدب فتخلل له حينما ينتقل إلى الإعدادية والثانوية أبلغ الروائع ليتذوق ،و تشرح له أجمل النماذج ليحفظ وتختار له أمتع الكتب ليقرأ حتى إذا تخرج وجد القراءة قد أصبحت من عاداته فلا يكف عن الاطلاع والكتابة قد صارت من طبيعته وبذلك يكون تعلم اللغة على هذا الوجه، قد أحدث إثارة الثلاثة : أثره العقلي يربط الفكر باللغة وأثره النفسي، يبعث اللذة من تذوق الأدب وأثره العلمي في خلق القدرة على القراءة والكتابة. وإذا استطاع الطالب بعد المدرسة أن يقرأ فيفهم ويكتب فيحس ويفكر فيضيف.أستطاع أن يجعل السبيل إلى كل علم والدليل إلى كل غاية وهذا ما اكتشفناه وفوجئنا في معمعان تجربتنا وخبراتنا التربوية الطويلة ووثقناها في وثائق المدرسة لتصبح مرجعية لمدرسي اللغة العربية في المدرسة عملاً بقول النبي (( من عمل منكم عملا فليتقنه)).وليعذرني من ساهم في هذه التجربة ولم تساعدني الذاكراة عن ذكر اسمه وسيبقى ذكره محفوظاً في قلوبنا.[c1]آباء وطلاب الأمس وأفراد متطوعون يروون الجوانب المشرقة للتجربة [/c]عضو مجلس الآباء محمود محمد علي العقربي قال: أن تجربة مدرسة بئر أحمد المختلطة ظلت حديث الناس آنذاك وحتى بين أجيال اليوم. فكنا مطمئنين على أولادنا لأنهم يتفيأون ظلال رعاية أياد أمينة بدءاً من مدير المدرسة عبد الله صلاح علان وانتهاءً بآخر مدرس في التسلسل التراتبي الوظيفي حيث كان فريق هيئة التدريس فريق عمل واحداً.. فريقاً تربوياً كفؤاً ومثقفاً ومستقيم السلوك وإدارة مدرسية مخلصة ذوي نفاذ بصيرة وقدرة فائقة على فهم المجتمع ونفسية الطالب ورغباته ومعرفة بمقدراته. كما تميزت بحنكة تربوية موهوبة بكسب ثقة الآباء والمجتمع في بئر أحمد بمختلف شرائحه الاجتماعية المثقفة منها والعامة.و مضى عضو مجلس الآباء محمود محمد علي قائلاً : لقد أعجبت أيما إعجاب بحرص هيئة التدريس على مستقبل الطالب بتحصيله العلمي وحل مشاكله أولاً بأول وتوثيقها في ملف خاص بكل طالب يوثق فيه مسيرته الدراسية إيجاباً وسلباً ونحن كآباء نطلع عليه عند استفسارنا عن مستوى أبنائنا والاطمئنان على مستواهم العلمي والسلوكي ودور المدرس في معالجة المنغصات كل هذه الأمور جعلتنا نقدر دور هذه المدرسة وقيادتها التي أكملت بناء تجربة رائعة في التعليم المختلط وأتاحت الفرصة لبناتها الالتحاق بالتعليم بعد أن كان تعليمهن من المستحيلات في مجتمعنا القبلي سابقاً.و خاطب المسئولين على شأن التعليم في وقتنا الحاضر ناصحاً إياهم باستلهام ايجابيات تجربة مدرسة بئر أحمد الرائعة عند معالجة وضع التعليم الحالي الذي للأسف لا يسر عدواً ولا صديقاً.تجربة موثقة في ذاكرة طلاب المدرسة [/c]طالب الأمس وأحد المدراء الذين تعاقبوا على إدارة المدرسة في مطلع التسعينات منْ كانت له بصمات خاصة في سجل تأريخ المدرسة الأستاذ فضل عوض صالح قال: إن وظيفة المعلم في مدرستنا المختلطة في الفترة من 64 حتى 1974م لا تنتهي لدى خروجه من باب المدرسة أو من درس خاص ، بل هي شبيهة بوظيفة الأديب، فهما دائماً يسعيان في بحث مستمر عن مصادر التطوير الفكري والتنسيق الذاتي. ومضى يقول : إن المدرس في مدرسة بئر أحمد المختلطة في تلك الفترة الآنفة الذكر كان يطور دائرة معارفه بالإطلاع والمناشط التثقيفية والاجتماعية والتربوية، فهو لن يؤدي وظيفته المعرفية والتعليمية والتربوية بصورة حسنة ما لم يكن ملماً بتفاصيل إيقاع المجتمع الذي يقوم فيه بهذه المهمة البالغة الخطورة والحساسية.و أعاد إلى الأذهان إنه (عندما كان يدخل المعلم في الستينات حينما كنت طالباً في هذه المدرسة النموذجية في الأماكن العامة، كنا نهرب ونخاف من المدرس حتى لا يقول إننا كنا نتسكع في الأسواق وهذا يعني أن المدرس كان قوي الشخصية وهذا يعكس نفسه على احترام المدرس وقداسة التعليم وكنت أشاهد عندما يدخل المدرس في أي حفل لوجهاء المنطقة أو الشخصيات الاجتماعية ومع أولياء أمور الطلاب فالناس ينظرون إليه على أنه إمام للمعرفة، فيفتحون أبوابهم أمامه ويسلمونه فلذات أكبادهم مطمئنين بأنه يحمل تجاههم مشاعر أبوية . . يحدث ذلك سواء أمام المعلم بزيارة اجتماعية أو في فصول محو الأمية أو في مراكز التقوية لإعطاء التلاميذ درساً منهجياً أو درساً على مستوى الهواية مثل التعلم على آلة موسيقية أو الرسم أو تحفيظ وتجويد القرآن الكريم. . لذلك فإن المعلم في السابق كما يقول الأستاذ فضل عوض صالح كان خلافاً لبعض لمعلمين اليوم للأسف فإن فالمدرس السابق كان يقوم بمهمة اجتماعية تربوية وإنسانية وبنائية سامية، إنه يضع لبنات الإنسان ويبني عمارة المجتمع والمستقبل.و أضاف موضحاً : إنه من هذه الوقائع الحميمة تكتسب شخصية المعلم وقاراً خاصاً لدى تلاميذه ولدى أغلبية الناس، ومهما كبر التلاميذ وبلغوا مراحل النضج الجسمي والفكري بل حتى لو أصبحوا معلمين فإن هذا الوقار يبقى يزين جدلية العلاقة التي تربطهم بمعلميهم، وتلبث ذكراهم عطرة طيبة في كل مناسبة، قد يتحدثون لتلاميذهم هؤلاء عن تلك المزايا الجميلة والخصال الطيبة التي كان يتمتع بها معلموهم الكبار الذين انتقلوا إلى رحمة الله والذين تقاعدت بهم السنون، ولذلك فوظيفة المعلم لا تنتهي لدى خروجه من باب المدرسة أو من درس خاص، بل هي شبيهة بوظيفة الأديب فهما يظلان في بحث مستمر عن مصادر التطوير الفكري والتثقيف الذاتي. أما الطالب أنيس عبد الله حسين وهو من طلاب الأمس التحق بهذه المدرسة في ذروة نهضتها فقال: لا زالت الحياة المدرسية لهذه التجربة الفريدة موثقة في الذاكرة وقد كان لي الشرف أن أكون من الطلاب الذين كانوا شاهدي عيان على هذه التجربة التربوية النموذجية حينما كنت طالباً فيها منذ عام 1966م وأصبحت والحمد لله بفضل هذه التجربة الجليلة أتبوأ موقعاً وظيفياً مرموقاً في وكالة الأنباء اليمنية سبأ.[c1]أسباب النجاح [/c] وحول أسباب نجاح هذه التجربة التربوية المتفردة قال أنيس: هناك عدد من الأسس التي توختها مدرسة بئر أحمد الابتدائية المختلطة وتفردت بها عن سائر مدارس الأمس وحتى يومنا هذا تكمن في أسس العمل مع جماعة الطلبة وأن الإيمان بالهدف ومتابعة تحقيقه بروح عالية من الدأب والصمود بوجه المعوقات هو السلاح الذي يشهده الإنسان في كل زمان ومكان لبلوغ طموحاته الفردية وآماله الجمعية والرعاية الجمعية في المدرسة كهدف لا يمكن تحقيقه وهو ما توخته وتمسكت به التجربة التربوية المتميزة لمدرسة بئر أحمد المختلطة آنذاك من مبادئ تربوية أساسية وترجمتها في الواقع التربوي مثل الإيمان بالرسالة المدرسية التربوية والعلمية والثقافية والإيمان بالرعاية كوسيلة فاعلة لبلوغ أهداف كبيرة والإيمان بالديمقراطية سبيلاً للوصول إلى أفضل الصيغ في بلوغ الأهداف والإيمان بأن الفرد أثمن قيمة في المجتمع وبأن كيانه ووجوده من المسلمات والإيمان بأن كنوزاً دفينة من قدرات ومواهب شبابنا الطلبة لابد من استخدامها واستثمارها لخدمة المجتمع وكذا الإيمان بأن شخصية الطالب ليست متواضعة إلى حد الازدراء والاستخفاف والإهمال لهذه الشخصية. لذلك يجب أن يعنى بشخصية الشاب على أساس أنها هي التي ستدير البلد مستقبلاً إلى جانب الإيمان بأن العمل مع الجماعة شرط أساسي لتحقيق كل الإنجازات الخيرة والإيمان بأن العمل الجماعي هو المفجر الرئيسي لكل النشاطات والقدرات والمهارات وهو وسيلة حية لبناء علاقات اجتماعية وثقافية في المجتمع المدرسي.[c1] تأصيل لتراث تربوي [/c] أما طالب الأمس في هذه المدرسة مهدي صالح سعيد والذي أصبح أحد أعضاء هيئة التدريس اللاحقة وحالياً متقاعد هو الآخر قال: أن هذه التجربة التربوية والاجتماعية الفريدة لمدرسة بئر أحمد الابتدائية المختلطة قد تركت لنا تراثاً وكنوزاً إذا تمثلها إدارة التربية في عدن لأحدثت ثورة إصلاح تربوي حقيقية في انتشال التعليم الحالي الذي لا يساعد على بناء جيل المستقبل الذي سيقود الوطن مستقبلاً والذي سيكون للأسف جيلاً بلا ذاكرة ما لم تقيم هذا الواقع وتستلهم المبادئ العظيمة لهذه التجربة بالرغم من أنه قد مر عليها أكثر من 40 عاماً وقال: لقد ساعدنا هذا التراث في أن نواصل المشوار التربوي بطريقة صحيحة وأمينة في التعامل مع الأجيال وتركت لنا متحفاً تربوياً وثقافياً وفنياً ورياضياً من خلال ما تركته من أدوات وفرتها هيئة التدريس للمدرسة بعرق الجبين وتبرعاتهم ومبادراتهم الذاتية المقتنعة بقداسة مهنة التدريس لكن ما يؤسف له أن الكثير من هذه المآثر وربما معظمها قد باتت في حكم النسيان والضياع سواء مع أفراد أو جماعات نأمل من أصحاب الضمائر الحية التعاون في إعادتها وإعادة تصويرها وتوثيقها وإعادة تأهيل المدرسة القديمة ذاكرة المنطقة التاريخية لتصبح بمثابة متحف مدرسي لكنوز المدرسة التراثية التربوية الثقافية الإبداعية ولتكون مزاراً لأهالي المنطقة المجاورة والمتخصصين والباحثين الذين يمكنهم تقديم البحوث أو إعداد الرسائل العلمية التربوية من خلال الاستفادة والانتهال من معين هذه التجربة التربوي الرائدة الذي لا ينضب ماؤه الترياق التربوي والثقافي والتربوي والعلمي واللاصفي. أما الطالبة خديجة فضل ناصر إحدى طالبات المدرسة الابتدائية المختلطة في بئر أحمد في الستينات وحالياً هي عضو هيئة التدريس في المدرسة قالت أنا وزميلاتي فخورات أيما افتخار بهذه التجربة المتفردة التي تفردت بها ليس على مستوى محافظة عدن وإنما على مستوى جميع المحافظات وكان وراءها قادة تربويون مجهولون أمثال مدير المدرسة الأستاذ عبد الله صلاح علان والأساتذة القديرين المرحوم عبد العزيز حيدرة وسعد الفقيه والمرحوم ناصر أحمد فضل وأحمد محمد حسن والمرحوم محضار عبد الله الأعوج وجميل سيف ونصر صالح محمد والست نجيبة والست قدرية ورجاء ردمان ورجاء ونور صالح وخضراء آدم كل الفضل يرجع لهؤلاء الذين أناروا سبل المعرفة وبددوا دياجير الجهل نحو وهج العلم المشرق.و قالت: لا زالت الذكريات تذكرني بالماضي التربوي الجميل في بئر أحمد وأحاول كل ما استطيع أن أتمثل القيم والأهداف العظيمة لتلك التجربة الذهبية التي سادت ثم بادت للأسف بسبب النسيان والإهمال واختلاف مفاهيم ومضامين التربية الحقيقية التي حملتها تلك التجربة .. وتساءلت : هل نظل ننأى عن الإطلاع أم نستلهم الإيمان بالرسالة التي أخذتها على عاتقها تجربة مدرسة بئر أحمد المختلطة في الستينات لتظل بمثابة الجرس الرنان في عالم النسيان التربوي ليس للذكرى وإنما للاستلهام وللاعتزاز بمضامين الإدارة المدرسية الكفوءة والأستاذ المخلص المؤمن برسالته المقدسة تجاه الأجيال في تلك الفترة التي شهدتها التربية في بئر أحمد .[c1] تجربة متميزة [/c] الطالبة في المراحل اللاحقة لمسيرة هذه المدرسة والتربوية الأستاذة والموجهة في قسم مصادر التعلم في مكتب التربية و التعليم عدن ميرفت احمد يوسف صدقة وهي من الجيل السابع الذي مر عبر مراحل المدرسة قالت: إنه من سوء حظي أنني لم أكن شاهداً حياً على البدايات لهذه التجربة التربوية المتميزة والعريقة لكنني سمعت عنها من والدي ومن الرواد من طلابها الذين أسهموا بالمشاركة في إنجاحها. وقالت لقد استشففت مما حكاه لي بعض الأخوات من الطالبات الرائدات عن انضمامهن الى التعليم المختلط في هذه المدرسة، أن نجاح هذه التجربة يكمن في التطبيق الأمثل لهيئة التدريس التي تحملت وتجشمت أعباء نجاح هذه التجربة وهي مبادئ الخدمات المدرسية العامة التي جسدتها التجربة بأسلوبها التربوي مثل تحويل ايمان الطلاب بالخدمات العامة إلى سلوك يومي وخلق القادة والرواد وذوي الخبرة والمهارات وتوفر الإمكانيات المادية للمشاريع العامة واعتماد العلم والتثقيف المستنير مرشداً للخدمات العامة والإيمان بالمسئولية نحو دور الطلاب والمجتمع وأهمية بنائه وقالت : لقد أعجبت بالصور الموثقة للأنشطة التي كانت في المدرسة مثل المشاركة في بناء الفصول الدراسية المستحدثة وبناء المسرح المدرسي من قبل الأساتذة والطلاب وأفراد المجتمع المتطوعين وكذلك في أعمال التشجير في حديقة المدرسة عبر تخصيص فريق من الطلاب ذوي الرغبات في المهنة الزراعية وفي ما تقوم به هيئة التدريس آنذاك في نشر الوعي الاجتماعي لمكافحة العادات والتقاليد والتمسك بالتراث والابتعاد عن المخدرات والإنزلاقات الأخلاقية وفي محاربة الاتجاهات والآراء التي تعمل على هدم وتخريب الطلاب والكيان الاجتماعي والمساهمة في الدفع بالطلاب للعضوية في نادي بئر أحمد واستغلال الملعب الرياضي والمخيمات الكشفية وفي زيارات الطلاب للمرضى والمصابين بالكوارث وفي تعليم الموسيقى وتفهم أغراضها في بث روح الأمل والتفاؤل وليس الموسيقى المبتذلة ذات المستوى الرخيص ومشاركة الطلاب في الأعياد الدينية والوطنية والقومية والمساهمة في تنظيم الزيارات والرحلات المدرسية خلال العطل والمناسبات وفق برنامج ثقافي منتظم وعلى جميع المستويات وفي تنظيم المباريات الرياضية الداخلية وخارج بئر أحمد إلى جانب تشجيع الهوايات الفنية والحرف التي من شأنها تنمية القدرات والمواهب الفنية.و دعت الأستاذة القديرة والموجهة الأخت ميرفت أحمد يوسف صدقة إلى إعادة النظر بمناهج النشاط المدرسي وجعله إلزامياً لا طوعياً ليكون ضمن مناهج التعليم الأساسي وإفساح المجال للمدرسين وللطلاب في المشاركات الخارجية وتبادل الخبرات والعمل على إعادة النظر في مستويات الأداء المدرسي والإدارة المدرسية وفي أدوات التعليم لإنقاذ الأجيال من التدهور التعليمي . وفي الختام حري بنا استلهام هذه التجربة في رؤية المستقبل التربوي لتجاوز واقع التعليم المتردي والمخاطر التي تهدد الأجيال وأن ننير العقول لتصحو من غفوتها قبل فوات الأوان ولكن بالوسائل العقلية والموضوعية والمنهاجية .. في هذا الاتجاه لا يسعني في هذا الحديث إلا أن أسترشد بالحكمة التي قالها الأديب والشاعر اللبناني ميخائيل نعيمة لتكون مسك الختام في استعراض هذه التجربة التربوية النموذجية حينما قال:إني رأيت الناس كالأزهار الشائكة ، إن أنت جئتها مغتصباً أدمتك وإن جئتها كالنحلة حاملاً إليها سلام الله ومحبة أخواتها ورفيقاتها فتحت لك قلوبها وأعطتك كل ما فيها من حلاوة. بطاقة تعريف بالأستاذ عبد الله صلاح علي علاّنمدير مدرسة بئر أحمد الابتدائية المختلطة[c1]* مدير مكتب وكيل وزارة التربية.ملحق ثقافي في سفارتنا في القاهرة عام 1977م.مدير مكتب وزير التربية.مدير مكتب رئيس جامعة عدن.مدير عام الإدارة العامة للخدمات جامعة عدن.مدير عام التفتيش الإداري في جامعة عدن.مدير عام في اللجنة العليا للرقابة الشعبية.معاون في مكتب أمين عام جامعة عدن.حائز على الميدالية الفضية بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس جامعة عدن .بالاضافة الى حصوله على عدد من الشهادات التقديرية في مختلف القضايا التربوية والتعليم العالي والنشاط الاهلي والاجتماعي والانساني . [/c]