أحد أبطال معركة نقيل يسلح العميد محمد سالم حمود ( الزجر ) من الوهط في لحج :
متابعة/ منصور نورالمناضل العميد محمد سالم حمود السقاف “الزجر” أحد خريجي الكلية الحربية المصرية في 30 نوفمبر1967م، ومن أبطال ملحمة السبعين يوماً وفك الحصار عن صنعاء وتثبيت دعائم الحكم الجمهوري السبتمبري، وهو من أبناء مدينة الوهط بمحافظة لحج العامرة، وبمناسبة مرور خمسة وأربعين عاماً على انتصار هذه الملحمة التي جسدت واحدية الثورة اليمنية .. تحدث العميد محمد الزجر عن دور البيوت التجارية الوطنية قائلاً:حصار السبعين يوماً، لم يأت من فراغ .. أتى نتيجة صراع بين قوى حداثة ترى أنه لابد من إخراج اليمن من شرنقة التخلف والجهل، وبين قوى ظلام ورجعية محلية تريد لليمن أن يعيش حياة شقاء وظلم وحكم إمامي مستبد، ومن العوامل التي أدت إلى فرض الحصار على صنعاء الباسلة، هزيمة 5 حزيران/ يونيو 1967م، وما تعرضت له جمهورية مصر العربية وانسحاب القوات المصرية التي كانت متواجدة في شمال الوطن آنذاك، لسد الثغرات التي أحدثتها النكسة في مصر، وبداية النكسة كنا مجموعة من الطلبة اليمنيين الملتحقين بالكلية الحربية بمصر، ولكن للظروف التي واجهتها مصر والوضع القائم في اليمن ـ جنوبه وشماله، تقرر تخرجنا في 30 نوفمبر 1967م، والمصادف يوم جلاء الاستعمار من الجنوب وفرض الحصار على صنعاء قبلها بيومين .. طبعاً لكل فعل رد فعل وهناك هزيمة منيت بها دولة عربية كبرى وفي الجنوب رحيل المستعمر من عدن وانسحاب القوات المصرية التي جاءت لتساند ثورة 26 سبتمبر وحصار مفروض على العاصمة صنعاء، وإضافة إلى هروب مجاميع من جبهة التحرير وفرق التنظيم الشعبي من الجنوب إلى الشمال نتيجة الصراعات التي أدت إلى التقاتل بين الأطراف التي أسهمت بأدوار بطولية في الكفاح المسلح وتعجيل رحيل الاستعمار.وبرز إلى السطح السؤال: ماهو دور الطلائع في اليمن؟ خيار صعب .. ماذا يعملون؟هل يتركون صنعاء تسقط بأيدي المرتزقة والموالين للملكية،أو يظلون متفرجين ؟.. جيش التحرير والتنظيم الشعبي، ثقل فوق ثقل وهم فوق هم!![c1]هائل وعبدالغني والأسودي[/c]وبالمناسبة وأثناء تواجدنا في مدينة تعز، كانت بيوت عريقة بمواقفها الوطنية والإنسانية، تراقب الأحداث المتسارعة وللأمانة التاريخية، أسهموا بدور فاعل وكبير ومن هذه البيوت على سبيل الذكر لا الحصر بيت الحاج هائل سعيد أنعم، والشخصية الوطنية المعروفة عبدالغني مطهر ومحمد علي الأسودي وكان وزيراً لشؤون الوحدة .. ومثل حلقة الوصل بين أبناء الوطن الواحد في عملية المساندة والمساعدة والتمويل والمدد ودعم الكفاح المسلح في الجنوب قبل تحقيق الاستقلال.وقابلنا تلك الشخصيات والتي استدعتنا بدورها وطلبت منا أن نتناسى جراحنا فيما حدث في الجنوب قبل وبعد الاستقلال وأن نستعيد كرامة الوطن ونحافظ على سيادته ونحمي صنعاء الأم، ونفك الحصار عنها.[c1]التعبئة والتدريب[/c]وقامت تلك البيوت الثلاثة، بتنظيم حملة التبرعات لدعم عمليات المقاومة الشعبية، التي هي البديل للجيش الذي لم يكن بكامل قواته البشرية وعتاده العسكري، لأنه عندما أنسحبت القوات المصرية من اليمن كانت الوحدات والألوية مثل الصاعقة والمظلات والأمن المركزي وغيرها عبارة عن مسميات فقط .. الأسم لواء الوحدة، العروبة، المظلات، الصاعقة، اللواء السادس واللواء العاشر، ولكنها بقوام كتيبة، وهذا في المفهوم العسكري مسموح به لتظهر للعدو إنك قوة كبيرة.وأنيطت بنا مهمة تدريب المتطوعين والمجندين كوننا شباباً حديثي التخرج واكتسبنا معارف عسكرية في الكلية الحربية بمصر، وجاءت اللحظة التي ندفع فيها ضريبة الدم ونجدد الولاء وحب الوطن.بدأنا التدريب في العرضي في تعز بنظام مدرسة التدريب وكل ضابط مننا قررت البيوت التجارية أن تسلمه ريالين يومياً مقابل غذائه وقوته أي بواقع 62 ريالاً في الشهر، لأننا لم نكن قد تم تسجيلنا كضباط أو تثبيت التحاقنا بالسلك العسكري في الجيش السبتمبري.قمنا بتدريب حوالي لواءين في المقاومة الشعبية المتطوعة وفدائيي الفرقة الفدائية للتنظيم الشعبي ومن الناس المتحمسين للدفاع عن الجمهورية.[c1]معركة يسلح الأولى [/c]كانت الطرق المؤدية إلى صنعاء مغلقة أو محفوفة بالمخاطر، فطريق تعز - صنعاء مغلق في نقيل يسلح وطريق الحديدة/ صنعاء خطر جداً وهو الطريق الوحيد الذي عبره يمكن إيصال الإمدادات إلى صنعاء من ميناء الحديدة ودخول القوات لمساندة المقاومة المدافعة عن العاصمة صنعاء.وتحركنا صوب نقيل يسلح من اتجاه تعز، وكنا مجموعة من العسكريين وقادة فريق التنظيم الشعبي وجيش التحرير، والضباط أي نحن الذي جئنا من مصر.حاولنا فتح الطريق أمام النقيل الشاهق، وكانت الطريق وعرة جداً والتضاريس الجبلية أكثر خشونة من الآن، ولكوننا لانعرف المنطقة جيداً وإحكام السيطرة على النقيل من قبل الملكيين والمرتزقة المأجورين من القبائل الموالية للإمامة، انكسرنا .. أنهزمنا في المحاولة الأولى، وخسرنا خيرة رجال اليمن وأصدق وأشجع الأبطال ومنهم الشهيد هاشم عمر ـ قائد فرقة “عدن” ناصر بن سيف “ من ردفان” سالم يسلم الهارش “شبوة” قائد فرقة، والشيخ علي بن علي شكري تعرض لشظايا في مناطق متعددة من جسده والفقيد كان من مشائخ الصبيحة، وقبل انسحابنا من نقيل يسلح إثر الهزيمة، تعرض المناضل بليل بن راجح لبوزة لحصار ورفضنا الانسحاب وأشتبكنا مع الملكيين حتى تمكنا من إنقاذ بليل بن راجح والذي أبلى بلاء طيباً في الصمود لمدة يومين يقاوم المرتزقة.[c1]لابد من صنعاء[/c]أعدنا ترتيب وضعنا وكان الشيخ أحمد عبدربه العواضي شخصية قبلية لها تأثيرها الكبير والمكانة المرموقة بين أهالي البيضاء وحريب، وتم تجهيز اللواءين مع القوى القبلية التي قدمت مع الشيخ أحمد عبدربه العواضي، وتوجهنا إلى صنعاء من اتجاه الحديدة في هذه المرة توفرت وسائل النقل التي سخرها المواطنون والحاج هائل والأسودي وعبدالغني مطهر وبعض السائقين كانوا معنا ينقلون المقاتلين المدافعين مقابل الغذاء والمياه التي نقدمها إليهم من تعيين الجيش، والبعض كان ينتظر أياماً حتى يتسلم أجرة النقل بكل صبر متفهمين الوضع الذي تعيشه البلاد.رغم الصعوبات وإفتقارنا إلى مقومات الرتل إلا أننا اجتزنا هذه المهمة ووصلنا إلى صنعاء وهناك تم توزيعنا على الألوية الموجودة مثل الصاعقة والعروبة واللواء العاشر وغيرها من الألوية.وكان نصيبي وزيد أحمد طه “عضو مجلس النواب الآن” ومحمد صلاح أخو قائد صلاح من ابناء طور الباحة وهزاع شكري ومحمد علي راجح وهائل عبدالله ثابت في اللواء الذي كان يقوده المناضل أحمد صالح الصوفي لواء الوحدة ـ وأستقبلنا بترحاب كبير وهو من أبناء حريب وتربطه علاقة طيبة بالشيخ أحمد عبدربه العواضي والشيخ ناصر الأجدع وأخيه الشيخ عبدالله الأجدع وعبدالله بحرق، وكانت بيننا لغة تفاهم وكان بمثابة الأب لنا.وتكونت منا كتيبة مثالية من الشباب الجيدين وكانت مهمتنا تأمين طريق الأمداد والتموين وسلامة وصولها إلى صنعاء وتعينت فيها ضابط أمن “ركن استطلاع” واسندت للكتيبة المهمة السادسة.في صنعاء كان المرتزقة من الملكيين على مشارفها وكنا نرى تحركاتهم مثلاً في تبة النهدين حيث القصر الجمهوري وعلى سفح جبل نقم أي داخل منطقة صنعاء كنا نرى سيارات “اليونيتات” الملكية تمر من تلك الأماكن في الليل .. والوحدات العسكرية للجيش السبتمبري متواجدة في الجبهة القبلية من شارع الزبيري والجهة الجنوبية منه عبارة عن مطار خاص للإمام وهو الآن ميدان السبعين.ومدرسة المشاة والمظلات والعرضي قرب باب اليمن ولكن لواء المظلات في منطقة شعوب خلف مصنع الغزل والنسيج والكلية الحربية ـ العسكرية ـ في الروضة مهددة بالخطر رغم تواجد الطلاب فيها.ومن المفارقات إن جبل نقم كانت قوة الصاعقة مسيطرة على قمته بقيادة النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، هذا البطل المغوار الذي لايمكن إغفال دوره ومواقفه، بغض النظر عن الخلافات.في الحيمتين كان القلق يحيط بنا لإننا لانعرف المنطقة جيداً وأقدامنا تطأ أرضاً معالمها غير واضحة لنا والحيمتان كذلك محاصرتان، ولم تكن معنا أسلحة ثقيلة سوى تلك التي خلفها المصريون بعد خروجهم مثل مدفع “56” و”37” و”12،7”، وتسندنا كتيبة دبابات لحماية وتأمين الطريق لإيصال الإمدادات إلى صنعاء، وكان الملكيون يحاصرونها من الأمام والخلف ونحن مرابطون في مقهاية “شغدر” وتقتصر مهمتنا على حماية الطريق من مناخة إلى عصر، والضغط مكثف علينا من قبل ضربات الملكيين في منطقة متنة وحراز والدخول عبر خولان وبلاد الروس وسنحان وجبل عيبان إلى منطقة الحيمتين أي أن قوات المرتزقة الملكيين كانت تتسلل من تلك المناطق التي ذكرتها وتشن ضرباتها ونيران مدافعها علينا في النهار فقط، وبأسلوب حرب العصابات، وقد تمركزنا في جبل منار وهو مطل على الحيمتين الداخلية والخارجية، وكان الشهيد علي قناص زهرة ومحمد حمود شمسان “يعيش في بني مطر” وكتيبتنا مرابطين في جبل منار.وعلى سبيل التوثيق كان الشيخ أحمد علي المطري والشيخ حمود الصبري من الحيمتين، يقودان مجاميعهم القبلية ويسيطرون على المنطقة التي بين صنعاء وبني مطر، معززين تحالفهم الوطني لنصرة الجمهورية السبتمبرية والدفاع عن صنعاء.وعندما اسندت لي مهمة قيادة الكتيبة في لواء الوحدة، كان زيد أحمد طه قائد السرية الأولى وعلي صلاح قائد السرية الثانية، وهائل عبدالله ثابت قائد السرية الثالثة وعلي نعمان من شباب القبيطة قائد سرية الإمداد والتموين، وتم اسنادنا بفصيلة دبابات قديمة جداً ومعنا الرائد يحيى الدفعي والرائد لطف سنين وهما تأهلا من الاتحاد السوفيتي حينها، وفي فصيلة الدبابات كان علي عبدالله صالح متواجداً وحاضراً معنا برتبة صف ضابط يقاسمنا المشاعر الوطنية ونتبادل الرؤى ونناقش الموقف على أرض الميدان والمواجهة الشرسة ضد الفلول الملكية.مهمتنا لم تكن محصورة أو مقتصرة على تأمين الطريق وسلامة وصول الإمدادات اللازمة إلى صنعاء ولكن كانت تشاركنا كتائب أخرى وكانت الكتيبة السابعة يقودها الملازم علي محمد صلاح وهي محاصرة في حجة والطريف إن أفراد هذه الكتيبة وضباطها تعرضوا لحصار لأكثر من عام تقريباً وحدث أن أفرادها وضباطها تزوجوا من مدينة حجة .. وتحولت ثكنات المعسكر فيما بعد إلى سكن لهم ولأسرهم، وأنجب البعض أطفاله في نفس المواقع وتلاحم الجيش والشعب في خنادق دفاعاً عن النظام الجمهوري والثورة اليمنية، وضربت المرأة اليمنية في حجة أروع الأمثلة بصمودها وقتالها إلى جانب الرجال من أخوان المدافعين السبتمبريين بقيادة علي محمد صلاح وحنكة عزيمته وقدرته العسكرية الكبيرة معنوياً، إضافة إلى الكتيبة الثالثة، المتمركزة في خشم البكرة باتجاه نقم.[c1]الصغار هم الطليعة[/c]كان الضباط الصغار وصف الضباط هم الطليعة والمتحمسون جداً في ميادين المعارك الملتهبة نيرانها في كل مكان بالإضافة إلى من سبق ذكرهم في هذا السرد المتواضع أتذكر من المناضلين الأخ/ بدر صالح العزيبي “لحج” وكان مع حمود بيدر في اللواء العاشر ومحمد علي راجح في لواء العروبة .. وأثناء فترة الحصار “ملحمة السبعين يوماً” كان القائد العام حسين الدفعي، ونائبه عبداللطيف ضيف الله، ولم يتجرأ أحد من الضباط الكبار على تحمل مسؤولية رئيس الأركان العامة، ورفضها غالبيتهم أو كلهم، ولكن النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب هو الوحيد الذي تحمل تلك المسؤولية وكانت أصغر رتبة لأكبر مسؤولية عسكرية وازدادت أهمية في ظل الحصار والمعارك الطاحنة التي كانت تدور رحاها حول صنعاء وكان يدير كافة المعارك ويتابع الموقف العسكري عن قرب إضافة إلى النزول الميداني السريع ولقائه بالقادة والمشائخ الوطنيين.وحدث إن شاهدته وهو يستقبل الشيح أحمد علي المطري في مكتبه وكنت برفقة الشيخ المطري وعبدالرقيب يعمد على طلب الإمداد والتموين لإستلامها من قبلنا.وبغض النظر عن “س” أو “ص” من الناس وعن أصل وفصل هذا أو ذاك أو عرقه أو إنتمائه السياسي .. أنا أرفض كل ذلك واذكر الناس بمواقفهم واذكر الشيخ حمود ناجي وعلي مثنى جبران وعبدالله نصيب وحمود بيدر ـ قائد اللواء العاشر ـ وغيرهم كانت لهم أدوارهم التي سجلها التاريخ ودونتها الذاكرة في ملحمة السبعين يوماً هذه.[c1]قبائل سبتمبر[/c]ولايمكننا أن نغفل دور القبائل الوطنية والمقاومة الشعبية التي وقفت مع الثورة دفاعاً عن الجمهورية وحاشد كان موقفها بطولياً والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ مجاهد أبو شوارب وسنان أبو لحوم ومحمد أبو لحوم وهم من المشائخ والشخصيات القوية على رأس القبائل في اليمن، وكانت الصراعات في تلك الظروف في ذروتها .. الخلاصة أن الدور القبلي لأبناء اليمن لدعم الثورة اليمنية وفك الحصار كان موجوداً ولايمكن تجاهله.وفي فترة تواجدنا في منطقة مناخة على طريق صنعاء/ الحديدة، صادف قدوم أحد العملاء الملكيين إلى الحيمتين، وكان المرتزقة من الملكيين قد كثفوا نيران اسلحتهم الخفيفة والثقيلة على مواقعنا وهاجموا الطريق وقطعوها من تحت مناخة ونحن مازلنا متمترسين في جبل منار وكنا نستقبل في النقاط المستحدثة من قبلنا سيارات الركاب المدنيين ونجد بعضهم جرحى بسبب ما يعترضهم اثناء سفرهم من تقطع ونهب واعتداء عليهم، والطريق طويل جداً ولايمكن لأربعة ألوية أن تؤمن الطريق وتحمي الناس لحرج الموقف وصعوبة التعايش مع الطقس البارد وخاصة ونحن في ذروة الشتاء القارس.وأمام هذا الموقف قمنا بالتنسيق مع القيادة العامة بعملية رد ضد الملكيين ولإسكات مدافع نيرانهم ولفتح الطريق وكان الشيخ مجاهد أبو شوارب قائد الحملة قبلياً والمقدم أحمد السماوي القائد العسكري الفعلي للحملة وتحولت من قائد الكتيبة السادسة إلى مساعد القائد للإمداد للحملة، ووصلت إلينا تعزيزات عسكرية من صنعاء وكان الشيخ مجاهد أبو شوارب على رأس مجموعة قبلية يقودها بنفسه وقبائل الشيخ محمد ذو حسين، إضافة إلى القوى المتواجدة وأستعنا باثنين من الفنيين المتخصصين في عمليات المدفعية المتحركة ـ هاون 82 ـ والرشاشات الثقيلة فوق المصفحات 4 × 4، والباقون تركناهم في الموقع لأنه أثناء صعودنا الجبال لانحتاج إلى الدبابات والمدافع الثابتة.وفي متنة حيث نتمترس كان متواجداً حسين الدفعي القائد العام للجيش وسأل عن الموقف .. وأجبته أن الملكيين عادوا يسيطرون على المرتفعات الجبلية التي كان رجال القبائل مسيطرين عليها وتركوها للملكيين!! .. وحدث أثناء ذلك أنني كنت أسلم أحد الأشخاص الذخيرة فإذا بطلقة تخترق رأسه أمامنا وأخذت جثته ووضعتها في جرف جبل عندما شعرت أنه مازال حياً.وتأكدنا أن الضرب الموجه إلينا من أحد الجبال المطلة القريبة فوجهنا مدفع الهاون 82 وجعلنا الجبل يشتعل ناراً وتمكنا من إسكات مدافع المرتزقة وإيقاف ضرباتهم علينا.وكانت المجاميع القبلية الموالية للثورة اليمنية غير نظامية ولامنضبطة وكنا بعد إسقاط بعض المواقع نسلمها لرجال القبائل التي عرفنا فيما بعد انها لاتلتزم بالمرابطة في المواقع وتتركها بحثاً عن غذاء أو فيد، ويجد الملكيون الفرصة للاستيلاء عليها دون جهد أو معركة ومع ذلك كنا ندعم ونساند رجال القبائل في مواقعهم في المنطقة ما بين حراز ومتنة وخميس مديور ومقهاية شغدر وكانت قوات الملكيين في هذه المواقع تقوم بالتقطع وتوجيه الضربات علينا.وبالنسبة لمقهاية شغدر وما فوق بني مطر كان الشيخ أحمد علي المطري ورجاله واللواء العاشر والعروبة مسيطرين عليها وعلى جبل القرن وجبل النبي شعيب.[c1]معركة نقيل يسلح[/c]وكنا نحن على مقربة من جبل المنارة وبعد نجاحنا في تلقين المتمردين الدرس وإلحاق الهزيمة بهم، تلقينا الأوامر من القيادة العامة لتنفيذ عملية جديدة ومهمة كبيرة جداً، وهي فتح طريق صنعاء/ تعز من اتجاه صنعاء، وتحركنا بكتيبة مع أسلحتنا المساندة الخفيفة فقط، وتركنا المعدات الثقيلة وقواعد صواريخ الكاتيوشا للقوات التي ستبدل مواقعنا .. وشاركتنا في هذه العملية قوات مساندة من لواء الصاعقة والمظلات وسلاح الدروع واللواء العاشر والمهندسين.. لأن المتمردين كان يساعدهم مرتزقة من دول خارجية ويدربونهم على حرب العصابات وزرع الألغام.أثناء تحركنا إلى نقيل يسلح واجهنا مقاومة شرسة ودارت معارك بيننا والقوات الملكية واستشهد قائد الحملة المقدم أحمد السماوي في منطقة حزيز واصيب الملازم مقبل سلام من أبناء حارة حسين/ بكريتر، ويعيش الآن في تعز .. ووصلنا إلى نقيل يسلح ودارت معركة شرسة استطعنا خلالها فك طريق صنعاء/ تعز.وبدأت الأوضاع تستقر وتهدأ الأنفس وظهرت أمامنا مهمة صعبة أكبر من الأولى .. وهي انقاذ الكتيبة السابعة التي كان يقودها علي محمد صلاح وهي محاصرة في حجة ولأكثر من عام ،وكنا كما سبق ذكره نوصل لها الامدادات عبر “البرشوت” المظلات، ولان بن صلاح قائد محنك وله تأثير كبير على الجميع استطاع الصمود وضربت كتيبته أروع أمثلة التضحية والصمود وكان من ضمن الضباط الصغار زميلنا هزاع شكري.وبعد هذا تم تكليف أحمد صالح الصوفي قائد لواء الوحدة، والشيخ مجاهد أبو شوارب، التوجه إلى ملقاء في منطقة كحلان عفان في واد تحت حجة وكانت المفاوضات والحوار قد بدأ بين علي محمد صلاح والملكيين وبحضور الوجهاء والمشائخ في حجة لاتمام التفاوض.ومن المصادفات أن أحد الضباط الصغار “صنف” وبدون شعور وضرب نيران مدفعه نحو ملقاء وهذا في العرف القبلي عيب وخطأ كبير.وبسبب عدم تمكننا من الوصول إلى حجة وكنا متواجدين في كحلان عفان وطلبنا اخراج ذلك الضابط من حجة وتسليمه لقائد اللواء أحمد صالح الصوفي والشيخ مجاهد أبو شوارب كواجهة قبلية وقائد وطني قام بمهمة التهجير حسب العرف المتبع.[c1]الخلاصة[/c]أقول: إن اليمن ينعم بالخير والرجال الوطنيين والبيوت التي أسهمت بدور مشرف في دعم الثورة اليمنية وتثبيت دعائم النظام الجمهوري وقدمت الكثير من الأعمال الطيبة ستظل محفورة ومنقوشة في ذاكرة تاريخنا اليمني.والسيرة العطرة والمواقف المشرفة هي التي تخلد الناس والخلاصة أن ملحمة السبعين يوماً أكدت تلاحم الشعب اليمني وواحدية الثورة اليمنية وأهدافها الخالدة، ولست مع أولئك الذين ينظرون إلى الأمور بنظرة ضيقة أو يعملون بتشنج يشوبه الانفصام والحقد الأعمى.صحيح أننا مررنا بأخطاء رافقت الثورة في الجنوب وأخطاء وجدت في الشمال وتعرضت الثورة واليمن لصعوبات وأحداث ومؤامرات ولكن الأنانية وتصفية الآخر كانت هي سبب تأخرنا، وعندما كنا صغاراً وفي سن مبكرة دخلنا معترك الحياة وكانت اعمارنا ما بين 19 ـ 20 سنة وتحملنا المهام الكبرى صحيح أننا كنا صغاراً وحديثي التخرج وقليلي التجربة ولكن مع الزمن ومرور الوقت تعلمنا الكثير في حياتنا وكنا نواجه حقائق جديدة ونكتسب خبرة أوسع وأفضل.وفي الختام هذه الشهادة من واقع كنا قريبين منه وتجربة شهدنا مرارتها وفرحها بالانتصار.