كنت في الصباح الباكر أشرب القهوة على رصيف مقهى كوستا في الحمراء في بيروت أقرأ جرائد الصباح وأتابع أخبار وطني ، هي أخبار تحز في صدري كالسكين . انتبهت إلى رجل يتقدم من طاولتي فلم أعره انتباهاً، التصق بالطاولة التي أجلس إليها ثم ألقى السلام عليّ، فرددت السلام لكنه بادرني: هل أجلس معك لخمس دقائق ؟ عرفت لهجته أنه من الشام.. قلت له: تفضل.جلس أمامي مضطرباً يريد أن يتكلم ثم يحجم، سألته : إن كان يريد فنجان قهوة؟ قال لي: يا ليت.. ذهبت إلى الداخل وجلبت له فنجان قهوة. بعد أن ارتاح قال لي: استغرب يا أستاذ أنك تكتب في جريدة «الثورة» ولم تنشق مع من انشق مثلك من الأدباء.. هل أنت راض عن هذا الدمار الذي يكتسح مدننا السورية؟ هناك مذابح وقتلى أبرياء وأنت مازلت تكتب في «الثورة» التي هي جزء من النظام؟ فسألته: هل أنت معارض؟ قال: نعم.. أنا معارض.. سألته هل حملت السلاح؟ قال: حتى الآن لا... سألته هل هذا الحراك الحاصل من أجل الديمقراطية والحرية والصحافة والأحزاب المتعددة وانتخابات حرة.. والغاء المادة الثامنة من الدستور؟ قال: نعم.. قلت: أنت ترى كل هذا تحقق قد تستغرب إذا قلت لك إنني معارض أيضاً ولكن معارضة مع الداخل.. معارضة الحوار والجلوس إلى طاولة واحدة نتناقش حولها لكل ما يفيد الوطن وعزته وكرامته.. ولكن كل ذلك ومن دون سلاح.. هل تظن يا صديقي أنك بالسلاح، بالقتل، بتدمير الوطن وبيوت الناس.. ووضع العبوات الغادرة والسيارات المفخخة التي تقتل الأبرياء.. هو السبيل لتحقيق مآربك والوصول إلى الحكم؟ لا يا صديقي.. أنت الآن حليف لإسرائيل من حيث تدري أو لا تدري.. إسرائيل نفسها اعترفت بذلك وقالت جريدة معاريف الإسرائيلية: لقد اكتسبت معاريف حليفاً جديداً لها هي القاعدة. أنت ترى ولا تستطيع أن تنكر أن الآلاف من تنظيم ما يسمى بالقاعدة تقاتل قواتنا المسلحة الآن وتعتدي على الناس، وتسطو، وتغتصب بكل وحشية أين منها وحشية الغابات، في حين لم تسمع يوماً أن هذه القاعدة وجهت ولو ضربة واحدة إلى العدو الإسرائيلي.. ألم تسأل نفسك لماذا.. القاعدة يا صديقي التي تعيث بأرض الوطن فساداً وقتلاً وانتهاك الأعراض.. هي قاعدة أميركية وبتمويل أميركي.. منذ حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي حتى يومنا هذا في اليمن وسورية. قد تقول لي: لا.. ولكن اسمح لي أن أتابع الحديث معك.. هذا «الجيش الحر» من أين يقبض مرتباته.. ألم تسأل نفسك هذا السؤال... أين يتدرب وأين يحصل على سلاحه الحديث جداً؟ لا.. ليس فقط لإسقاط النظام، بل لتفتيت سورية إلى دويلات ومشيخات وقبائل.. وحرب طائفية لا تبقي ولا تذر. إن هناك ريموت كونترول يحرك هذه الجماعات من مركز المخابرات الأميركية في واشنطن والسلاح يهرب إلى هؤلاء من القواعد الأميركية في تركيا وقطر والعراق ، بل.. ومن الجو .. ألم تسأل نفسك يا صديقي.. لماذا يريدون تدمير سورية؟ أقول لك بالكلام الواضح:( كرمى لإسرائيل)... إن أميركا تحرص أشد الحرص على أمن إسرائيل مدللتهم الوحيدة فهي تمدها بالسلاح المتنوع والمتفوق ثم تحاول تدمير هذه الدول المحيطة بها.. إما باتفاقية سلام مذلة وإما بتخريب العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه.. هذا ما يحصل الآن.. لقد كشف ما يسمى بـ «الربيع العربي» عن وجهه الحقيقي لنجد أنه عودة إلى الوراء إلى فترة الانحطاط والتذلل للغرب وتقبيل أيديه وتمسيح جوخه.. من أجل هذا كله فأنا مع وطني ومعارض في نفس الوقت.. وأنا مقتنع بفكرة: خذ وطالب. لقد حققت الحكومة لي الكثير من المطالب ومازالت تعد بالأكثر الأكثر.. فلماذا القتل إذاً؟ إذا كنا بالحوار نحصل على مطالبنا فلماذا نستخدم السلاح ضد بعضنا؟ الآلاف استشهدوا من الطرفين.. ودم هؤلاء في عنق أمثالك في اسطنبول وباريس وروما وحيث تتواجدون في أفخم الفنادق وأطيب موائد العشاء ثم مال المؤامرة الذي يهبط عليكم من كل حدب وصوب. ألم تقرأ كيف أدانت المدعوة قضماني مجلس اسطنبول وهي كانت الناطقة باسمه: إن هذا المجلس تديره المصالح الخاصة لأعضائه.. وعلى طريقة.. من فمك أدينك.. كانت هذه المرأة التي نسيت اسمها الأول تقول صراحة: إن هؤلاء كلهم كذبة.. وهمهم أن تطول الأزمة إلى الأبد طالما أن الأموال التي تضخ معظمها تذهب إلى جيوبهم. هل هذه هي المعارضة التي تنتمي إليها؟ إذا كانت هذه هي التي بسببها تدب الفوضى في كل أنحاء الوطن.. فبئس معارضة من هذا النوع. نعم.. نعم اكتب في جريدة «الثورة» ولعلمك فأنا من مؤسسي هذه الجريدة.. وكنت محرراً بارزاً فيها في الستينيات والسبعينيات وها أنا عدت كاتباً فيها.. وأعتز بكل حرف كتبته فيها.. سواء كان عاماً أو خاصاً.. إنني أكتب بحرية أكتب ما أشعر به وما أريد التعبير عنه ولا أحد يسألني: لماذا كتبت كذا وكذا.. أنا أكتب.. ومن يريد أن يرد عليّ فليرد وينشر بالتأكيد رده. إن الحديث يطول يا صديقي وأنت على خطأ كبير.. ولو راجعت حساباتك لوجدت نفسك أنك متحالف مع إسرائيل ولست مع وطنك. ربما خجل الرجل من نفسه فانسحب دون أن يودعني.
أنا المعارض .. لا أنت
أخبار متعلقة