بصورة لافتة قفز ملف اللاجئين السوريين الذين تركوا منازلهم وقراهم خوفاً من أي مكروه، ليتصدر قائمة أولويات المتدخلين في الشأن السوري الداخلي، حيث كان لافتاً عقد مجلس الأمن الدولي الخميس جلسة خاصة لمناقشة “الوضع الإنساني” في سوريا.هذا التحرك المتأخر جدا يطرح تساؤلات عدة منها: من السبب الرئيسي في مأساة هؤلاء اللاجئين وفي تفاقم الأزمة السورية؟ ومن يقف وراء دعم المجموعات المسلحة والإرهابية والمرتزقة الأجانب وعناصر تنظيم القاعدة بالمال والسلاح والسماح لها بالدخول إلى سوريا وتشجيعها على زعزعة الاستقرار؟.أولم يكن التدخل المبكر لحل الأزمة سياسيا قد جنب اللاجئين من الشعب السوري ضنك الحياة داخل مخيمات اللجوء وأزاح الأعباء والتبعات عن الدول التي تستضيفهم، وحال دون خروج دولار واحد من خزائن بعض الدول المانحة والاستفادة من تلك المنح في قضايا تخدم شعوبها؟.إن التدخل المبكر لحل الأزمة السورية حلا سياسيا كان كفيلا بوضع حد لهذا الوضع الإنساني المتفاقم، إلا أن الأطراف ذات الأجندة الخاصة والمشاريع المبيتة والمرسومة ضد سوريا لا ترغب في هذا المدخل الذي ترى فيه أنه لا يحقق أجنداتها ومشاريعها، ولذلك راهنت على انتشار رقعة العنف وتصنيع الموت المجاني بحق الشعب السوري عبر الدفع بمختلف المجموعات المسلحة والارهابية التي كل فرد فيها مستعد لأن يدلف إلى الداخل السوري ليقتل من يقتل مقابل خمسة دولارات أو أقل منها، وبينما تجري عملية تغذية العنف والتشجيع على القتل وسفك الدماء، تتم المتاجرة من الناحية الأخرى بحقوق الشعب السوري ومطالبه المشروعة والنفاذ من بوابة الأكاذيب بمناصرة الشعب السوري. فقد كان لافتا للنظر توظيف أزمة اللاجئين السوريين في مجلس الأمن باتجاه تحقيق أهداف غير إنسانية، بل سياسية بحتة وعسكرية مدمرة، حيث إن أحد الأوجه التي ينطوي عليها ذلك التوظيف هو محاولة استدرار العواطف لجلب التأييد لإقامة مناطق عازلة وحظر جوي تحت مزاعم تخصيصها لإيواء اللاجئين السوريين، وأن الدول المستضيفة غير قادرة على استيعاب المزيد منهم، لكنها في بعديها السياسي والعسكري يراد منها أن تكون قواعد انطلاق وإمداد لمجاميع المسلحين والمرتزقة لنشر الفوضى داخل عموم سوريا وزعزعة استقرارها بالكامل.ولذلك فإن أصحاب دموع التماسيح الذين هم مخالب القط في المأساة، يعلمون تمام العلم أن أي تضعضع في الاستقرار داخل دولة ما، أو العمل على ضعضعته، سوف يترتب عليه أوضاع إنسانية واقتصادية صعبة ومقلقة للغاية.إن هذا الوضع الإنساني للاجئين السوريين يعكس الأخطاء المتراكمة لمن ادعوا أنهم مع مصلحة سوريا ومع استقرارها وأنهم “أصدقاء” لشعبها، بدءاً من جامعة الدول العربية وقراراتها الغريبة والعجيبة وعقوباتها الاقتصادية الظالمة، وانتهاء بالدور المتخاذل للأمم المتحدة ومجلس أمنها في بلورة حل سياسي صادق وعقلاني ومنطقي، ما يفضح بالأخير دور الدول الفاعلة والمؤثرة في القرار الدولي الممثلة في الولايات المتحدة وحلفائها في وضع العراقيل أمام حل الأزمة وتعقيدها وتعميقها بما يخدم الكيان الصهيوني في المقام الأول، ولم تتورع واشنطن عن إعلان دورها المؤجج للأزمة السورية والمعطل لأي حل سياسي، سواء بتدريب المسلحين أو عقد صفقات السلاح وتنظيم إدخالها للإرهابيين والمتمردين داخل سوريا أو جمع المعلومات الاستخبارية، بينما تقول كذباً ورياءً إنها مع حل الأزمة. الحقيقة التي لا تقبل المساس هي أن الذين يدعون أنهم مع الشعب السوري هم الذين يمرغون كرامته وكبرياءه ويعملون على إهانته بطريق غير مباشر انتقاماً منه على مواقفه العروبية والقومية، فمنذ متى كان الشعب السوري محتاجاً إلى مساعدات إنسانية أو أن تجتمع منظمات دولية كالأمم المتحدة ومجلس أمنها لبحث الشأن الإنساني السوري؟