نبض القلم
في هذا الشهر المبارك (الذي أنزل فيه القرآن) يصوم الصائم نهاره، ويقوم عليه، يصوم فيمسك عن الأكل والشرب والجماع، من الفجر إلى غروب الشمس ويتقي عما لا يتفق مع حكمه الصيام.بعد تناول الفطور بما عنده، من الرزق الميسور، وذهاب العطش وابتلاء العروق، وحصول الأجر، بمشيئة الله تعالى: (كما في الحديث الشريف فيما رواه أبو داؤود يقوم ليله يصلي صلاة التراويح، ويسبح باسم ربه كثيراً ويستغفره، وكذلك كتاب الله يسمعه في ليالي رمضان في ركعات صلاة التراويح التي تقام في مسجد الحي، أو يقيمها في جماعة مع أهل بيته وأفراد أسرته، وبهذا ينال الأجر والثواب.كما يقوم الصائم في رمضان بتلاوة القرآن المجيد خارج صلاة التراويح، أو يستمع إلى تلاوته من قارئ، وفي الحالتين عليه ان يتفكر في القرآن وما فيه من تعليمات وأحكام، وينتفع بما له من معان قدسية، وأهداف سامية، ومواعظ جريئة.هذا هو شأن الصائمين في شهر رمضان شهر أوله رحمة واوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.ولقد ورد في العبادة في رمضان وعلى الأخص في العشر الأواخر منه أحاديث كثيرة، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل العشر الأواخر في رمضان احيا الليل، بما يعني انه يستغرق بالسهر في عبادة ربه سبحانه وتعالى، وكان يوقظ أهله لاغتنام الليالي بذكر الله وعبادته وسماع القرآن أو تلاوته وكان يجد أي يجتهد في عباءة وجه، ويشد المنزر، لزيادة العبادة على ما هو معتاد عنده، وكان يعتزل نساءه في هذه الليالي ليتفرغ لعبادة ربه).ويروي في حديث آخر فيما رواه مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ما لا يجتهد في غيرها)، وكان يفعل ذلك امتناناً لهذه الأيام والليالي المباركة، وليقتدي به المسلمون).وبناء على هذه المكانة للعشر الأواخر من رمضان سن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الاعتكاف فيها. ذلك الاعتكاف الذي يتفق مع حكمة الصيام وفلسفته وأهدافه العليا، ويتماشى مع ما شرع فيه من احكام، وفيه تزكى نفس الصائم، وتصفى روحه، وبه يتقرب إلى الله سبحانه الله وتعالى تقرباً فريداً يختص بأيام معدودات لذا يجب على كل مسلم ومسلمة اغتنامها، والحرص على اكتساب البركة والفيوض الإلهية فيها، ولذا ينبغي عليه التيقظ وحفظها من الضياع بالغفلة والانشغال بما لا ينبغي فعله.هذا هو سر سنية الاعتكاف، وهذه هي حكمته، بالإضافة إلى ما في الاعتكاف من التماس القدر، وإداركها بالعبادة، وللاعتكاف احكام منها:ـ ان الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد تقام فيه جماعة، لقول حذيفة (رضي الله عنه).ـ لا اعتكاف إلا في مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس.ـ لا يخرج المعتكف من المسجد إلا لحاجة الإنسان، لقول عائشة (رضي الله عنها): (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يخرج من معتكفه إلا لحاجة إنسان).ـ لو خرج المعتكف من المسجد ساعة بدون عذر فسد اعتكافه على رأي أبي حذيفة.ـ الاعذار التي تبيح الخروج من المسجد للمعتكف ثلاثة منها:أ) اعذار طبيعية كالبول أو الغائط أو ما يستدعي الخروج لقضاء حاجة إنسانية، بشرط ان لا يمكث خارج المسجد إلا بقدر قيامها.ب) اعذار شرعية، كالخروج لصلاة الجمعة إذا كان المسجد المعتكف فيه لا تقام فيه الجمعة.ج) اعذار ضرورية، كالخوف على نفسه أو ماله إذا استمر في هذا المسجد، أو إذا انهدم المسجد أو تضرر بالمطر، فإنه يخرج منه بشرط أن يذهب إلى مسجد آخر فوراً ناوياً الاعتكاف.ـ يمكن للمعتكف أن يأكل ويشرب وينام في معتكفه، مع ضرورة الحفاظ على نظافة المسجد.ـ لا يتكلم المعتكف إلا بالخير، ويكره الصمت المطلق.هذه بعض احكام الاعتكاف، وهي أمور يسيرة لمن يسره الله سبحانه وتعالى، ويتطلب من المؤمن المعتكف أن يضحي بعض راحته، في أيام معدودات كما يتطلب حسن نيته وصدق عزيمته، حتى ينال القربى من الله والرحمة.والغرض من الاعتكاف أو القصد منه هو عكوف القلب على الله، والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالناس، والاشتغال بالله تعالى، والابتعاد عن الانغماس في الدنيا والتعلق بها.ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المعتكفين في بعض المساجد أنهم لا يحافظون على نظافة المسجد، ويرفعون سماعات المسجد عالية عند صلاة التهجد في آخر الليل ما يسبب ازعاجاً لجيران المسجد، فصلاة التهجد عندئذ تصبح مظهراً من مظاهرها.[c1] خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان [/c]