هذا الإنسان الغريب ما هو إلا سلالة من طين، ترابية الأصل تحولت إلى طين لازب، من حمأ مسنون، من صلصال كالفخار، خلقه الله من مادة أرضية تحتوي على جميع العناصر التي تدخل في كيميائية الأرض، بدءا بالجير (الكالسيوم) إلى الحديد والنحاس وغيرها من المعادن (الفلزات واللافلزات) إلى المعادن النادرة ، ويدخل في تركيب مادة جسم الإنسان المادة الرملية (السليكون) ...إلخ.[c1]أنت ونحن من التراب.. وإلى التراب نعود[/c]الحياة: حينما يتوفى الله الأنفس حين موتها تنطلق الروح من عقالها، وتترك الجسم لقدره المحتوم؛ حيث تقوم تلك الأنزيمات بهضم مكونات الجسم، وتحولها إلى سوائل تكون غذاء شهياً للهوام والحشرات والديدان الأرضية.يقول الحق سبحانه وتعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [ الزمر: 42] يمسك الله - سبحانه وتعالى - الروح من النفس التي قضى عليها الموت، ويحدث الانفصام الذي لا رجعة فيه إلى يوم القيام. أما في حالة النوم العميق فإن الروح تخرج من الجسد، ولكنها تظل مرتبطة ارتباطًا عضوياً بالجسد، ويكون بذلك الجسد “ميتاً حياً”، ولا شك أنه قد يحدث التقاء بين أرواح الأحياء والأموات في المنام؛ فيتعارف ما شاء الله منها، لكن بكيفية لا يعلمها إلا الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85].[c1]الصوم الحقيقي[/c]إذا أراد الإنسان الاتصال بالله فعليه بالصوم بمعناه العميق، والصلاة والذكر اللانهائي مثل الأنبياء والرسل والصالحين الذين يعمقون الصلة بالله بالصوم حتى يكون انفعالهم ملائكياً، وتسبيحهم ملائكياً، وصلتهم بالله كصلة الملائكة بالعرش العظيم حتى يأتيهم اليقين، ويروا نور الله العظيم.ولقد نذرت مريم -التي اصطفاها الله، وطهرها، واصطفاها على نساء العالمين- للرحمن صوماً، وهي الطاهرة البتول؛ ليكون الرحمن الرحيم معها أينما وجدت.. كانت تناديها الملائكة، وتتحدث إليها، وهي قائمة تصلي في المحراب.. والصوم كان يسمو بنفسها إلى نور الله العظيم؛ فترى الطمأنينة والرضا بقدر الله، ويناديها جبريل: ألا تحزني، وألا تعيشي في قلق، بل قريرة العين مرتاحة الضمير مطمئنة إلى رعاية الرحمن الرحيم.والصوم بمعناه الكبير هو نوع من التسامي النفسي، والشفافية الروحية، والاتصال الوجداني بالبارئ العظيم، وهو تدعيم لقوة الروح التي تسيطر على مادية الجسم، وهو ركيزة من ركائز الإيمان.والصوم الحقيقي دعوة إلى السمو الخلقي، والبعد عن الخطايا، وهو نوع من الاسترخاء النفسي والعقلي. والمؤمن الصائم يتصف بالسماحة الخلقية، وهو من الكاظمين للغيظ، والعافين عن الناس، وهو ممن يتصفون بالسيطرة على الغضب.والغضب والغيظ والحقد على الناس طريق يؤدي إلى هلاك الإنسان، كيف؟أنت حينما ينتابك الغضب أو الغيظ أو الحقد على الناس يلبسك الشيطان، ويتقمص شخصيتك؛ فتكون أنت الشيطان نفسه في تصرفاتك وانفعالاتك الشخصية.ورسالة الغضب والغيظ والحقد تنتقل إلى مستويات المخ العليا؛ حيث ستستقبلها مراكز كيميائية تتفاعل معها، وتنقلها إلى جسم يسمى (هيبوثلامــوس) بطريقة كيميائية معجزة؛ حيث تنتقل بدورها إلى الغدة المعجزة (الغدة النخامية).
|
رمضانيات
كيميائية الصوم والسعادة الروحية
أخبار متعلقة