د. محمد سعد عبد اللطيف انكسار القلب وانفطاره لدى النساء بالذات، بسبب تعرضهن للضغوط النفسية، هي حالة مرضية حقيقة وليست وصفا اخترعه خيال الشعراء أو الأدباء. وخلال السنوات القليلة الماضية بدأ أطباء القلب يتحدثون صراحة بأن ثمة مرضاً يدعى«متلازمة القلب المفطور» أو المكسور Broken heart syndrome. وهي حالة مرضية تصف إصابة عضلة القلب heart muscle النابضة بالضعف المفاجئ نتيجة للتعرض لأزمات نفسية حادة، وهو ما بالتالي يؤدي إلى حصول فشل (عجز) القلب heart failure عن ضخ الدم بالقوة المعهودة له قبل التعرض لتلك الضغوطات النفسية.وكانت دراسات طبية سابقة للباحثين من اليابان والولايات المتحدة، تم عرضها في مجلة «صحتك» في «الشرق الأوسط» قبل بضع سنوات، قد تحدثت عن حصول هذا الضعف في عضلة القلب لدى السيدات بمرافقة تغيرات واضحة في رسم تخطيط كهرباء القلب ECG تعكس نقص تروية عضلة القلب بالدم، ولكن دونما وجود تضيقات حقيقية في الشرايين التاجية القلبية!. كما تؤدي الحالة إلى حصول اضطرابات في الإيقاع الطبيعي المنتظم لنبضات القلب، وإلى حصول تراكم المياه في الرئة كنتيجة لضعف القلب عن ضخ الدم الوارد إليه.وقد مرت مسألة رصد الأوساط الطبية لهذه الحالة المرضية الجديدة نسبيا من أنواع أمراض القلب، والتعرف عليها، بفترة تشكيك في مدى وجودها بالفعل. وتطلب الأمر من الباحثين الطبيين إجراء دراسات عدة على حالات النسوة اللائي يصبن بضعف فعلي في قوة عضلة القلب بُعيد التعرض للأزمات النفسية الحادة، وذلك بقسطرة القلب لتصوير الشرايين التاجية، للتأكد من سلامتها، وإجراء التصوير للقلب بجهاز الرنين المغناطيسي، وغيرها من الفحوص المتقدمة لإثبات عدم وجود تغيرات عضوية مرضية تبرر ذلك الضعف الطارئ في قوة عضلة القلب.وخلال السنوات القليلة الماضية تم الاعتراف بوجود هذه الحالة المرضية بين النسوة اللواتي تجاوزن سن اليأس، وتم وصفها إما بـ« متلازمة القلب المفطور» أو «مرض القلب الناجم عن التوتر النفسي» stress cardiomyopathy.والجديد حول هذه الحالة القلبية المهمة هو ما طرحته نتائج دراسة الباحثين الطبيين من مركز القلب التابع لجامعة ليبزنغ University of Leipzig بألمانيا حول مدى انتشار هذه الحالة.ووفق ما تم نشره في عدد 20 يوليو من هذا العام من مجلة «جاما» الصادرة عن الرابطة الأميركية للطب الباطني، تبين للباحثين أن الحالة منتشرة لدى السيدات بصفة تفوق التوقعات الحالية السائدة لدى الأوساط الطبية، وخاصة بين النساء الشابات واللواتي لم يبلغن بعد سن اليأس. وقال الباحثون في مقدمة الدراسة إن «حالة ضعف القلب هذه هي نوع من الضعف الحاد والمؤقت الذي يعتري قوة انقباض عضلة القلب، وتنتج عن التعرض لأحداث نفسية شديدة. ولا يزال من الصعب حتى اليوم تشخيص الإصابة بهذه الحالة بسرعة عند حضور المرضى للمستشفيات. وتم سابقا عرض نتائج دراسات طبية محدودة، ولكن لا توجد دراسات واسعة تشمل عدة مراكز طبية».وأضافوا أن «الغاية من إجراء هذه الدراسة هي وضع تعريف واضح نسبيا للوصف الإكلينيكي لحالة المصابين بها وطريقة إجراء الفحوصات التقويمية لهم، وخاصة بإجراء فحص الأنسجة القلبية عند التصوير بالرنين المغنطيسي cardiovascular magnetic resonance CMR، ووضع مواصفات التغيرات التي تتم ملاحظتها على هذا الفحص لتسهيل سرعة تشخيص الإصابة حينما يحضر المريض إلى المستشفى».وشمل الباحثون في الدراسة الألمانية 256 إصابة بالحالة ممن تمت متابعتهم في سبعة مراكز طبية للقلب في أوروبا وأميركا الشمالية، وذلك خلال فترة تجاوزت خمسة أعوام. والغالبية العظمى، 81 %، كانت من النسوة اللواتي تجاوزن بلوغ سن اليأس. و8 % كن نسوة دون الخمسين من العمر، و11 % كانوا من الرجال.وتبين أن أكثر من 70 % منهم تعرضوا لتوترات نفسية وبدنية شديدة ومؤلمة خلال الـ48 ساعة السابقة لتدهور حالة قلوبهم الصحية. ومن خلال الفحوصات، ظهرت تغيرات في رسم تخطيط كهرباء القلب، شبيهة بتلك التي تصاحب عادة المتعرضين لأزمة النوبات القلبية، لدى نحو 90 % منهم. ولفت الباحثون الانتباه إلى أمر مهم في خلاصة نتائجهم، بقولهم إن «دراستنا الواسعة والمتعددة المراكز الطبية، تثبت أن عدم تحديد حدوث التعرض للتوتر النفسي الشديد لا ينفي وجود الإصابة بهذه الحالة القلبية».وهذا ما يعني أنه ليس بالضرورة حصول توتر نفسي وضغوط عالية المستوى كي تنتج عنها الإصابة بهذا الضعف الشديد والانفطار المؤثر في قوة انقباض القلب وعمله، بل إن المرأة ربما تتعرض إلى حالات نفسية تؤثر عليها بدرجة عميقة في حين لا يرى من هم حولها أنها حالات شديدة جدا!.
انـكسار قــلب الــمرأة
أخبار متعلقة