يجسد الشعار الذي اختارته منظمة الأمم المتحدة وصندوق الأمم المتحدة للسكان للاحتفال باليوم العالمي للسكان لهذا العام مدلولات كبيرة ومتعددة ومهمة.“إتاحة خدمات الصحة الإنجابية” هو الشعار الذي اختاره صندوق الأمم المتحدة للسكان للفت انتباه العالم إلى أن بداية حل القضية السكانية ومشاكلها المتداخلة وتلافي سلبياتها المتعددة يبدأ من وسائل الصحة الإنجابية وإيصالها لكل المستهدفين منها في التجمعات السكانية وخاصة الريفية والمتناثرة على قمم الجبال وسفوحها والوديان السحيقة التي تعد احد أعمدة المشكلة السكانية خاصة في اليمن.بعد نحو23 عاما من قرار مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتوصية المجتمع الدولي بالاحتفال باليوم العالمي للسكان في 11 يوليو من كل عام ، تبرز مسألة ملحة في إيصال خدمات الصحة الإنجابية ، بل أن الأمر تعدى ذلك لتصبح في متناول كل من يرغب في الاستفادة منها بكل سهولة ويسر وبدون أي مقابل مادي.خلال العقدين الماضيين أولت الأمم المتحدة خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة أهمية كبيرة ، ودعمت برامج كثيرة ومتنوعة بمئات الملايين من الدولارات في مختلف بلدان العالم ومنها اليمن التي كان لها نصيب وافر من هذا الدعم السخي ولو انه لم يستغل كليا فيما خصص له بسبب غياب الرقابة الفاعلة على المنح والهبات التي خصصت في بداية الأمر لبرامج التوعية والتعريف بتلك الخدمات، ومع ذلك فلم يتوقف صندوق الأمم المتحدة للسكان كأحد ابرز المانحين في هذا الجانب، بل عمل على توفير كميات كبيرة من وسائل الصحة الإنجابية بمختلف أنواعها في إطار اتفاقية مع وزارة الصحة العامة والسكان التي تولت توزيعها على المرافق الصحية التي بدورها قدمتها للراغبين في الاستفادة منها مجانا، لكن ظلت آلية التوزيع التي اتبعتها وزارة الصحة غير مجدية كونها اعتمدت على مرافقها القليلة الموزعة على المدن الرئيسية وأغفلت التجمعات الريفية التي تعد جوهر المشكلة، كما أنها ركزت على فئة قليلة من النساء اللاتي يزرن تلك المرافق الصحية لطلب الوسائل ، ولم تهتم بالنزول إلى المدن الثانوية والعزل والقرى الريفية والمناطق النائية التي تنعدم فيها الخدمات الصحية للتعريف بتلك الوسائل وإيضاح مزاياها وإعطائها للنساء، لهذا تكدست كميات كبيرة من وسائل الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة في مخازن الوزارة ومنها ما هرب بطرق غير قانونية إلى الصيدليات كحبوب منع الحمل وبيعت بأسعار متفاوتة لم يكن باستطاعة الأسرة شراؤها أو الوصول إلى تلك الصيدليات خاصة الأسرة التي تقطن في الريف ، التي يصعب عليها تحمل نفقات السفر إلى المدن الرئيسية شهريا لاقتناء (شريط) حبوب منع الحمل الذي يكفي لشهر واحد، وهو ما ساهم في تدني نسبة الاستفادة من تلك الخدمات والوسائل وظلت في حدودها الدنيا، كما أن الغالبية العظمى من تلك الوسائل أتلفت فيما بعد لانتهاء صلاحيتها .ولهذا فقد بحث صندوق الأمم المتحدة للسكان عن آلية للتوزيع تكون ذات جدوى، حيث برزت أهمية إشراك منظمات المجتمع المدني في التعريف والتوعية وتوزيع خدمات الصحة الإنجابية، كون تلك المنظمات نابعة من المجتمع وأكثر قربا من المستفيدين وتحظى بثقة في أوساط المجتمعات خاصة الريفية كونها تركز أكثر عليها بعكس وزارة الصحة التي تركز على المناطق الحضرية.كان لمنظمات المجتمع المدني دور هام في رفع نسبة التغطية بخدمات الصحة الإنجابية ولو أن النسبة لم تصل إلى ما نطمح إليه، لكنها وصلت إلى مناطق لم تعرفها وزارة الصحة والتقت بأناس لم يسمعوا مطلقا عن مصطلحات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة بل انهم كانوا من اشد المعارضين لكل ما يتصل بتأخير الحمل أو المباعدة بين الولادات بسبب اعتقادات ومفاهيم اجتماعية خاطئة، وبفضل تلك المنظمات أصبحوا روادا في هذا الجانب .لكنه بعد 23 عاما من أول احتفال شهده العالم بيوم السكان، تطفو إلى السطح مسألة مهمة وهي تناقص الدعم الدولي المقدم من المانحين خاصة صندوق الأمم المتحدة للسكان المخصص لخدمات الصحة الإنجابية ، وعدم اكتراث وزارة الصحة العامة لهذا الأمر ، كون اليمن تعتمد بنسبة 100 % على ما يقدمه المانحون لدعم وتوفير وسائل وخدمات الصحة الإنجابية ، وعلى هذا الأساس تقوم الوزارة ومنظمات المجتمع المدني بتوزيع تلك الوسائل مجانا ومع ذلك ما زالت المشكلة قائمة ونسبة الاستفادة من تلك الوسائل منخفضة، وبالتأكيد ستتضاعف المشكلة السكانية وتتفاقم في حال قرر المانحون وصندوق الأمم المتحدة للسكان إيقاف الدعم في هذا الجانب، لان البديل سيكون شراؤها من السوق والصيدليات التجارية بأسعار مرتفعة وهو ما قد يعزف عنه السكان نظرا للوضع الاقتصادي الصعب والمستوى المعيشي لليمنيين الذين يقبع أكثر من نصف عدد السكان تحت مستوى خط الفقر.ومن هذا المنطلق على الحكومة أن تبحث عن حلول عملية لتوفير ودعم وإتاحة وسائل وخدمات الصحة الإنجابية وايصالها لكل التجمعات السكانية مجانا، وعليها أن لا تظل معتمدة على ما يأتيها من الخارج ، فمن يدري قد ينقطع الدعم بين عشية وضحاها ونجد أنفسنا قد أضعنا جهود السنين، وعدنا من جديد نبكي على الأطلال.
خدمات الصحة الإنجابية ..
أخبار متعلقة