منذ أن خلق الله الخليقة وجد بين القوى المختلفة صراع يستهدف أعماق الإنسانية ويؤثر في كيان البشرية فإذا كانت الحروب العسكرية تستهدف بأسلحتها الفتاكة الإنسان بجسده وبنائه فإن هناك حرباً سافرة مستترة تتوالد على ضفاف الحوادث المسلمات وتتكاثر في زمن التقلبات والمتغيرات وهي أشد ضراوة وأقوى فتكاً لأنها تستهدف الإنسان بعمقه وعقله وقيمه ومبادئه. إنها الشائعات التي هي وسيلة أساسية من وسائل الحرب النفسية ومن أخطر الحروب النفسية بل من أشد الاسلحة تدميراً وأعظمها وقعاً وتأثيراً ولها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية فهي تستهدف الروح المعنوية للأمة التي هي أساس إرادة القتال لديها وركيزة الأمن والاستقرار.إن الشائعات وجدت منذ أن وجد الإنسان وحيثما وجد وعاش وتكاثرت في أحضان كل الشعوب والحضارات ولقد كان لها الدور السلبي والمؤثر في البناء الاجتماعي والتقدم الحضاري للكثير من الشعوب والحضارات.وعندما جاء الإسلام اتخذ منها موقفاً حازماً ومن اصحابها ومروجيها لما لنشرها وبثها بين أفراد المجتمع من آثار سلبية على تماسك المجتمع الإسلامي وتلاحم ابنائه وسلامة لحمته بل لقد عدها الإسلام سلوكاً رذيلاً منافياً للأخلاق النبيلة والسجايا الكريمة والمثل العليا التي جاء بها وحثت عليها شريعتنا السمحاء كالاجتماع والمحبة والمودة والإخاء والتعاون والتراحم والصفاء.فالشائعات تشكل نسفاً لتلك القيم أو معولاً يهدم هذه المثل فالإسلام كدين قيم متكامل حذر من الغيبة والكذب والنميمة والبهتان وأمر بحفظ اللسان وحرم القذف والإفك وتوعد مروجي الشائعات بالعذاب الأليم. قال تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب آليم في الدنيا والآخرة) (النور 19).كما حث على التثبت والتبين في نقل الأخبار بقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) “الحجرات 6”.واقر سبحانه ان الإنسان مسؤول أمام الله عز وجل ومحاسب عن كل صغيرة وكبيرة (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) “ق 18”، (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) “الإسراء 36”.تأثيرات الشائعات الاجتماعيةإذا كان في دنيا النباتات طفيليات تلتف حول النبتة الصالحة لتخنقها وتفسد نموها فهكذا حال الشائعات بل أشد وأنكى لانها تقوم بخلخلة البنى التحتية للمجتمع وتقويض أركانه وتصديع بنيانه فهي تشعل نار الفتنة بين الأصدقاء وتفكك الأواصر والعلاقات وتحطم الأمجاد والحضارات وتذكي الحروب وتقرر في كثير من الأحوال انتصار الجيوش أو اندحارها.صفات مروجي الشائعاتإن مروج الإشاعة غالباً ما يكون لئيم الطبع دنيء الهمة مريض النفس منحرف التفكير صفيق الوجه عديم المروءة ضعيف الديانة يتقاطر خسة ودناءة، مفسداً ومؤذياً فتاناً فتاكاً عنصراً مسموماً مذموماً يتلون كالحرباء وينفث سمومه كالحية الرقطاء ديدنه الإفساد والهمز وسلوكه الشر واللمز وعادته الخبث والغمز لا يفتأ إثارة وتشويشاً ولا ينفك كذباً وتحريشاً دائما يتناول ويطرح الأمور بسوء نية وخبث طوية يبيع نفسه بدراهم معدودات ويضر وطنه بملايين الدولارات فهو بعيد عن الوطنية قريب من الأعداء ضد وطنه وأهله وشعبه، فيما رواه البخاري عن اسماء بنت يزيد (رضي الله عنها) عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)انه قال: (الا أخبركم عن شراركم. قالوا: بلى يا رسول الله، قال المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة).أعداء الإسلام والشائعاتمنذ أن بزغ الإسلام كان أعداؤه يحاربونه بالشائعات وكان أشدهم في الحرب والعداء هم اليهود الذين كان يستهدفون هدم الدعوة الإسلامية والنيل منها والتشكيك فيها ولم يسلم من شائعاتهم حتى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، فقد تعرضوا لحملة من الافتراءات والأراجيف ضد رسالاتهم فهذا سيدنا المسيح تشكك الشائعات فيه وفي أمه الصديقة، قال تعالى (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) (مريم 28).والشائعات التي طالت سيدنا يوسف عليه السلام والتي تخص العرض والشرف، قال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه كان من عبادنا المخلصين) (يوسف 24).والسيرة العطرة لرسول الهدى نموذج يحمل في طياته نماذج حية من تاريخ الشائعة والموقف السليم منها فرموه (صلى الله عليه وسلم) بالسحر والجنون والكذب والكهانة، ولعل من أشهرها قصة الإفك المبين التي تناولت بيت النبوة الطاهر وتعرضت لأعظم الخلق من خلال محاولة الاساءة إلى زوج الرسول سيدتنا عائشة (رضي الله عنها) حتى تدخل الوحي ليضع حداً لتلك الشائعة الفظيعة وبرأها الله من فوق السماوات.وكذلك زعمهم أن الإسلام قد انتهى بعد وفاة رسول الله ولن تقام له قائمة حتى تدخل سيدنا أبو بكر (رضي الله عنه) فحسم الموقف بتذكير الأمة بقول الحق تبارك وتعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) (آل عمران 144).والشائعة تتطور بتطور العصور من حيث أساليبها ووسائلها وأشكالها وعصرنا الحاضر عصر ذهبي لرواج الشائعات المغرضة وذلك بسبب التطور التقني الكبير وتعدد وتقدم وسائل الاتصال الحديثة فضلاً عن وجود آلاف الرسائل الإعلامية والقنوات الفضائية والشبكات المعلوماتية التي تسهم في نشر الشائعات في أبشع صورة من صور الحرب النفسية والتحطيم المعنوي بدوافع وأغراض مشبوهة ولا أخلاقية.
|
فكر
حرب الشائعات
أخبار متعلقة